الظروف ناضجة للجولة الأخيرة!
يقترب موعد انعقاد الجولة الثالثة من مؤتمر جنيف3 والتي يجب أن تكون جولته الأخيرة. تمهد لذلك وتفسره جملة من العوامل يمكن تلخيص المستجد منها فيما يلي:
أولاً: إنّ إعلان دي مستورا شهر آب موعداً تأشيرياً للجولة الثالثة، كان أحد نتائج اللقاء الثلاثي الذي ضم روسيا والولايات المتحدة والأمم المتحدة الأسبوع الماضي، وكان موضوعه سورية بجانبي حل أزمتها: جانب محاربة الإرهاب، وجانب العملية السياسية. ويمكن القول أنّ هذا اللقاء لا يزال منعقداً حتى الآن، إذ تلته «اجتماعات الخبراء»، واستمرار التواصل الديبلوماسي الخاص بالشأن السوري.
ثانياً: شهد الأسبوع الماضي تغيّراً جدّياً في ميزان القوى العسكري في حلب، بما يعكس مستجدات ميزان القوى الدولي في غير مصلحة واشنطن وحلفائها. وبالملموس فإنّ التغير في حلب يأتي مترافقاً مع الوضع التركي الجديد الذي باتت فيه قدرة تركيا على التدخل الإقليمي أضعف بكثير من السابق.
وإن كان ما جرى في حلب قد ترافق بمحاولات بائسة لإعادة إحياء شعار «الحسم العسكري»، وتقديمه بديلاً عن الحل السياسي، فإنّ ذلك يوضح أنّ أصحاب هذه المحاولات لا يزالون عاجزين عن استيعاب طبيعة العالم الذي يعيشون فيه، سواء لجهة فهم أسباب الإصرار الروسي الثابت على الحل السياسي، أو لجهة فهم سورية نفسها والضرورات الموضوعية والوجودية لإحداث تغيير جذري وشامل وعميق فيها.
بالمقابل، فإنّ ما تشيعه واشنطن حالياً عن «قلقها» و«تهديداتها» تجاه ما أعلنته موسكو عن العملية الإنسانية الروسية في حلب، ليس إلّا محاولة لـ«حفظ ماء الوجه»، أمام واقع لم تعد لها حيلة في منعه أو تغييره.
ثالثاً: ترافقت التحولات السابقة، بتصريحات جديدة، ومن الأطراف السورية المختلفة، تؤكد فيها التزامها بالحل السياسي ودون شروط مسبقة، متخلية بذلك عن «مخزون مصطلحاتها الخاص بالشروط المسبقة» والذي راكمته خلال السنوات السابقة، واستخدمته مراراً للالتفاف على فكرة الحل السياسي ومضمونه، بما يشير إلى قناعة أو اضطرار هذه الأطراف جميعها للتساوق مع واقع الذهاب الإلزامي باتجاه الحل السياسي.
رابعاً: «التحول» الذي قامت به جبهة النصرة، يشير بذاته إلى حقيقة أنّ الجهد الروسي في ضرب الإرهاب قد قطع شوطاً كبيراً، فتغيير أية قوة للافتاتها وشعاراتها وصولاً إلى تغيير اسمها، هو اعتراف شبه علني بالخسارة، فكيف الحال بالتصريحات الأمريكية التي قطعت الطريق على هذا «التحول» خلال ساعات من إعلانه؟ إنّ «التحول» والرد الأمريكي عليه، يثبتان أنّ ما يجري تطبيقه على أرض الواقع هو بالضبط خط الحل السياسي المتوازي والمتلازم مع محاربة الإرهاب، والذي تفرضه روسيا.
إن العوامل السابقة تشير بوضوح إلى اكتمال مختلف الظروف الموضوعية الضرورية لكي تكون الجولة المقبلة من جنيف جولته الأخيرة. ويضاف إلى تلك الظروف جزء هام من الظروف الذاتية. وعليه فإنّ فشل الجولة المقبلة غير مسموح به نهائياً لأنّه سيعني عودة الأمور إلى نقطة الصفر، ولكن ضمن إحداثيات تراكم آثار الأزمة ذاتها بمختلف ملفاتها، بما يعنيه ذلك من مخاطر مؤكدة على وجود سورية ووحدتها، ولذلك فإنّ المطلوب في الجولة المقبلة هو إحداث اختراق نوعي وجدي باتجاه إنهاء الأزمة السورية، وهذه ليست رغبة «إرادوية»، لدى هذا الفريق أو ذاك، بل استحقاق لمسار موضوعي.