إشكالية الوحدة والتعدد
خالد عليوي خالد عليوي

إشكالية الوحدة والتعدد

استمراراً للنقاش حول  وثيقة الموضوعات البرنامجية لحزب الإرادة الشعبية حول (القضية الكردية وشعوب الشرق العظيم) تنشر قاسيون في هذا العدد مساهمتين حول هذه الوثيقة

في خضم متغيرات اللحظة التاريخية، تمر منطقة شرق المتوسط بكل آلام المخاض والولادة ، والتي تبشر بولادة قطب الشعوب ، وهذا يدفع باتجاه إعادة النظر في قضية الشعب الكردي من خلال البحث عن المتوفر في ممكنات الواقع لوضع هذه القضية ضمن سياق التطور الطبيعي لشعوب الشرق العظيم .

إشكالية الوحدة والتعدد

أوضحت التجربة التاريخية أن جدل الوحدة والتعدد، هو الناظم الذي كان وما يزال يحكم العلاقات بين شعوب المنطقة، ومن بينها الشعب الكردي ، وبالتالي فإن الصياغة العلمية لهذه الإشكالية ( جدل الوحدة والتعدد) هو حلها أو تحديد طريقة حلها، وهذا يعني في إطار الرؤية، الصياغة المفهومية للواقع وآفاق تطوره، وتحديد أشكال وأسس وأساليب وأدوات العمل والنضال ، ورسم ملامح المستقبل على ضوء متغيرات الواقع ، وعلى صعيد الممارسة يعني تحديد علاقات التجاذب والتنابذ أو الحوار والتواصل والتدامج بين مختلف مكونات البنية الاجتماعية ـ الاقتصادية ، وهذه العلاقات موجودة وفاعلة في الواقع لأنها من قوانين حركة الواقع ذاته، والمثير للدهشة أنه في ظل الفضاء الإقليمي القديم تمت صياغة تصورات وأفكار ونظريات تراوحت بين رؤى وحدوية مثالية ، أو انفصالية تفتيتية ، انطلقت جميعها من جذر شوفيني قومي ، رفعت لواءها نخب كانت بعيدة عن الحركة الشعبية ، ولكنها كانت دائما خارج إشكالية الوحدة والتعدد ، وخارج إطار الواقع التاريخي ، وبالتالي خارج إطار الوعي المطابق ، أي أنها خارج وعي الضرورة .

جدل الضرورة والحرية والتقدم

إن فهم الاقتران العضوي لكيانات سايكس بيكو مع وضعية التأخر التاريخي والهيمنة الامبريالية ، هو البؤرة التي تنطلق منها الإحداثيات اللاحقة كلها وصولاً إلى اليوم حيث تدمير القوى المنتجة (الشعوب ) وهذا أمر له دلالته التاريخية والمعرفية لأن العقلانية هي وعي علاقات الواقع الضرورية واكتشاف جدله ، وبالتالي فإن نزع حدود سايكس بيكو هو المقدمة الضرورية لإطلاق حركة الصراع الاجتماعي ـ السياسي بعمقه وشموله ، وهذا الصراع لا يأخذ مداه إلا على أساس وحدة القوى المنتجة ( الشعوب ) وقيام تقسيم عمل جديد على صعيد إقليمي ، وهذا يستلزم تحديد التناقض الرئيسي بين شعوب المنطقة وبين الإمبريالية والصهيونية والحركة الفاشية رأس حربة رأس المال المالي الإجرامي ، مع التسليم بأن إشكالية الوحدة والتعدد تنطلق من قانون الديالكتيك ذاته أي وحدة وصراع الأضداد ، ولا يتضح الفارق الجوهري بين راهنية الوحدة ، والوضع القائم (التجزئة) إلا من خلال وعي الضرورة الداخلية والضرورة الخارجية ، ووعي الفارق بينهما ، فالضرورة الداخلية هي الحركة الذاتية التلقائية الناجمة عن تناقضات البنية الداخلية ذاتها ، وهي تحدد درجة استجابة هذه البنية للضغوط والتحديات الخارجية ، أما الضرورة الخارجية فهي تمثل شبكة العلاقات التي ترتبط من خلالها بنية معينة بكل ما عداها ، ويحدد بواسطتها موقعها ودورها في النظام العالمي ، أو في المسار العام بحركة الواقع والتاريخ من خلال حركة المتغيرات ، ولا يستقيم وعي الضرورة الداخلية والخارجية دون وعي جدلية الحرية والتقدم ، فهناك روابط واقعية بين مشروع وحدة شعوب الشرق العظيم، وبين واقع التعدد والتناقض والاختلاف ، وهذه الروابط تقوم على قاعدة عريضة من العقلانية والعلمانية والديمقراطية والحداثة . 

التاريخ يتقدم

يتجلى مكر التاريخ في أنه يتقدم من حيث يبدو أنه يتقهقر (كما يقول هيغل) وهذا ينطبق على الظرف الاستثنائي الذي تمر به شعوب المنطقة فرغم مظاهر البؤس والانهيار فإننا محكومون بالتفاؤل لأن الشرط التاريخي الراهن يؤمن القاعدة الضرورية لإلغاء كيانات سايكس بيكو والتحرر في آن من الهيمنة الإمبريالية، لكي تنفتح الإمكانات الواقعية أمام الشعب الكردي وشعوب المنطقة لتلافي التأخر وإطلاق حركة التغيير الجذري لقلب البنى والعلاقات المتخلفة، وبناء منظومة الشرق العظيم وفق منظور ديمقراطي طوعي، وعلى ضوء خصائص العصر الحديث ومكتسبات التقدم .