أكرم فرحة أكرم فرحة

رؤية ديالكتيكية على بعض محاور مشروع الموضوعات البرنامجية

أعتقد أن كل المحاور التي تطرق لها مشروع الموضوعات البرنامجية هي قضايا مستجدة، وبالتالي فهي قيمة معرفية مضافة تسمح للجميع بنقاشها وترشيدها والكتابة عنها، لتصل  في النهاية إلى البرنامج العام لحالتنا النضالية.

 

1 - حزبية الفلسفة :

إن مجرد ظهور الفلسفة في الماضي البعيد قبل الكثير من العلوم الأخرى كالطب والفيزياء والبيولوجيا والجيولوجيا، يشهد بأنها ضرورية للناس، ولكن أهميتها ودورها في المجتمع ليس واضحاً وضوح هذه العلوم، ومع ذلك فأفعالنا، وأحيانا أفكارنا وحياتنا، كلها تسير تحت تأثير آراء فلسفية معينة.

فالفلسفة دائماً حزبية، وهذا يعني أنها تدافع عن المصالح الطبقية والحزبية، وهي ليست محايدة على الإطلاق في صراع الطبقات والإيديولوجيات الذي يجري في العالم.

وبذلك فإن الطبيعة الموضوعية لقوانبن العالم الذي يحيط بنا لا تعوق التدخل النشيط للناس في الحياة. وعلى العكس يحول الناس بنشاط الطبيعة والمجتمع. ولكن للوصول إلى النتيجة المطلوبة لا بد من التصرف وفقاً للقوانين الموضوعية، وإذا تصرف الإنسان في تناقض مع القوانين فإنه يلقى الفشل، فالامبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية في تناقضها مع قوانين الطبيعة والمجتمع ستلقى الفشل، ومن هنا تأتي فكرة التقاط اللحظة التاريخية، وهي أن طريق الرأسمالية مسدودة بشكل نهائي، وبالمقابل هناك انفتاح أفق جديد أمام الحركة الثورية العالمية، فقوانين صعود أو هبوط كل حركة هي قوانين موضوعية ويجب إدراكها والتحكم فيها بشكل واع، وهذا يتطلب عاملاً ذاتياً طليعياً يعاجل الرأسمالية لضربها وهي في حالة ضعفها .

2 - الثابت والمتغير:

المنهج بمعناه الفلسفي وسيلة للمعرفة، والمعرفة عملية لا متناهية من تقريب التفكير من جوهر الشيء الذي يجب معرفته.

الثابت والمتغير في الماركسية مفهوم فلسفي قديم قدم التاريخ، وسيبقى، فهو تعبير عن المطلق والنسبي، فالعلاقة بين الثابت والمتغير متبدلة ومتحركة مع تغير الواقع (لا يوجد ثابت مطلق ولا متغير مطلق).

مشكلة الماركسيين:

1 - الجامدون يرون كل الماركسية ثابتة .

2 - العدميون يعتبرون كل الماركسية متغيرة.

3 - أما الصنف الثالث وهو الأخطر، فيخلط الآخذون به بين الثابت والمتغير، ليصلوا إلى أن ماركس انتهى.

كان لينين يقول: «إن ماركس أطلق نظريته في عهد ظهور ثلاثة اكتشافات علمية: نظرية الخلية، نظرية الحفاظ على الطاقة، نظرية داروين»، فهل توقفت الاكتشافات حتى يتوقف الماركسيون عن إنتاج الأفكار المبدعة؟؟

ثمة اكتشافات جديدة هائلة، ومنها على سبيل المثال الخريطة الجينية والتحكم الوراثي، الكومبيوتر والمعلوماتية، غزو الفضاء، والسؤال هنا: هل الماركسيون قطعوا بالماركسية المسافة نفسها؟..

3 - السبب والنتيجة:

السبب هو ما يخلق وينتج ويولد ظاهرة  أخرى، وما ينتج تحت تأثير السبب يسمى نتيجة. فالتفاعل ينحصر في التبعية المتبادلة بين السبب والنتيجة، وفي أنهما يؤثران بشكل متبادل بعضهما على بعض .

السؤال: هل نحن انقسمنا أولاً ثم تراجعنا، أم تراجعنا أولاً ثم انقسمنا؟ (سبب ونتيجة).

مادامت الآفاق غير واضحة فقد تحول الحزب إلى هدف بحد ذاته، فأنتج حالة انكفاء في مجرى العمل النضالي مما أدى إلى حدوث انقسامات أدت إلى التقوقع، وهذا أدى إلى تزايد الهوة بين الحزب والجماهير، وبالتالي الابتعاد عن الواقع وعدم التفاعل معه. إن هذه الحالة أدت إلى إنتاج خطاب سياسي متخلف، فالحزب راح يتحدث عن شيء، والجماهير تحتاج إلى شيء  آخر تماماً..

4 - الإمكانية والواقع:

الإمكانية هي ما لم يتحقق بعد، ما لا يوجد بعد، ولكن لديه كل الأساس كي يصبح حقيقياً وواقعياً. والواقع هو ما تحقق بالفعل وما يوجد في واقع الأمر بشكل واقعي، وما ولدته القوانين الموضوعية والضرورة الطبيعية. فما يمكن أن يكون وما لا يمكن لا يتحدد برغبات الناس وإنما بتلك القوانين والظروف والأسباب الموجودة في الحياة.. ولتحويل الإمكانية إلى واقع لا بد في التطور الاجتماعي أولاً من ظروف موضوعية، وثانياً نشاط الأفراد الذين يخلقون الظروف الذاتية الملائمة.

خبرة كومونة باريس:

يقول لينين: «لا يكفي إعلان شعارات سليمة ووضع المهام بمهارة، بل يجب أن تكون الجماهير مستعدة للنضال من أجل تحقيق هذه المهام، وتنظيم الجماهير من أجل العمل لتطبيقها».. وهذا لا يعني الارتكاز إلى الظروف الموضوعية وحدها، وإنما خلق  الظروف الذاتية من أجل تحقيق الإمكانيات وتحويلها إلى واقع . فالتناقض الأساسي الذي يعيشه الشيوعيون السوريون هو التناقض بين الضرورات التي تفرضها المهام الملحة على كل المستويات، وبين بنية تنظيمهم وآليات عملهم التي تنتمي إلى عهد آخر، ودون حل هذا التناقض لا يمكن التقدم إلى الأمام ولا خطوة. إلى جانب أن هذه البنية قد شابها الكثير من الملامح المارتوفية التي يجب الاعتراف بها صراحة من أجل التخلص منها وتجاوزها والانطلاق نحو تحقيق الدور الوظيفي التاريخي للشيوعيين السوريين.

5 - ضرورة وحتمية انتصار الاشتراكية، بالرغم من كل شيء..

في عام 1918 اندلعت في ألمانيا ثورة بتأثير ثورة أكتوبر العظمى، ولكنها فشلت، فكتب زعيم العمال الألماني مقالة توجه فيها إلى المشتركين بالثورة :

«اطمأنوا.. نحن لم نهرب.. نحن لم نحطم.. وإذا كانوا يقيدوننا بالأغلال فنحن موجودون بالرغم من ذلك، وسنبقى، وسيكون النصر لنا، وسواء بقينا أحياء أم لا، عندما يتحقق هدفنا فإن برنامجنا سيعيش، وسيسود في عالم البشرية المتحررة، وذلك بالرغم من كل شيء».

فالاشتراكية تدق الباب بقوة لأنها المخرج الوحيد لآلام البشرية والمشاكل التي سببتها الرأسمالية. إن مهمتنا هي القضاء على الرأسمالية عبر الفعل الواعي المستند إلى توازنات حقيقية موجودة في المجتمع، فالرأسمالية تعني تدمير البشرية، والاشتراكية تعني الحفاظ على البشرية وتطورها اللاحق.

 

آخر تعديل على الإثنين, 25 تموز/يوليو 2016 13:39