«قاسيون» 2009 نضال بلا هوادة.. وانتصارات حاسمة.. واشتباكات مسـتمرة

استمرت قاسيون خلال العام 2009 في متابعة تنفيذ مهامها الإعلامية الحساسة التي تترجم رؤى ومواقف اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، وتعبر عن هموم الكادحين السوريين وأمانيهم وتطلعاتهم الاقتصادية – الاجتماعية، والديمقراطية، والوطنية. وقد خاضت في هذا السياق، كما في الأعوام السابقة، كل المعارك الوطنية والطبقية المستمرة أو الناشئة بلا هوادة أو تلكؤ أو خوف، متسلحة بالفكر الماركسي- اللينيني في القراءة الموضوعية والتحليل والاستشراف والعمل المنهجي، والإيمان العميق بالوطن والناس، وحققت جملة من الانتصارات في العديد من هذه المعارك، وأدامت الاشتباك في بعضها الآخر غير المحسوم، انطلاقاً من إدراكها ووعيها لدورها الوظيفي في هذه المرحلة الصعبة من التاريخ، سواء على المستوى المحلي، أو على المستويين الإقليمي والعالمي..
وفيما يلي عرض موجز لبعض هذه المهام ومآلاتها بين حولين..

 1- الشراكة الأوربية
وقفت قاسيون منذ البداية ضد الشراكة السورية – الأوربية رغم كل التطبيل والتزمير النيوليبرالي لها داخل الحكومة وخارجها، مثلما وقفت من قبل ضد كل مشاريع الشراكات الظالمة أو المغرضة وأفشلتها، وشيئاً فشيئاً امتلأت صفحاتها بالعديد من المقالات واللقاءات والتحليلات والزوايا التي تشرح مخاطر هذه الشراكة على سورية من مختلف النواحي، وخصوصاً من الناحيتين الاقتصادية والسياسية. وكان للافتتاحيات الدور الأبرز في عرض وتحليل الآثار الكارثية لهذه الشراكة فيما لو تمت..
ففي العدد 384 سألت الافتتاحية:
«.. ما هي الضمانة ألاّ تتحول هذه الاتفاقية مرةً أخرى إلى أداة للضغط الخارجي للوصول إلى سياسات محددة فيما يخص الوضع الاقتصادي ـ الاجتماعي، تؤدي إلى إنهاك الاقتصاد والمجتمع وجعله أكثر مطواعيةً موضوعياً لتقديم تنازلات على الصعيد السياسي، وخاصةً في قضايا المنطقة والمشاريع المختلفة التي تحاك ضدها من الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية خاصةً؟
أولم يحصل ذلك في المرة الأولى؟ ألم يستعجل البعض بعد التوقيع الأول في إعلان انتصار خطه الاقتصادي الليبرالي؟ ألم يجر تسريع تغيير السياسات الاقتصادية بحجة التكيف مع اتفاق الشراكة؟ وفي النهاية، ألم يتحقق المثل الشعبي «رضينا بالبين.. والبين ما رضي فينا»؟ وتحولت أوروبا إلى أداة أساسية لتحقيق القرارات الدولية السيئة الذكر الصادرة آنذاك عن مجلس الأمن؟»..
لتصل إلى الاستنتاج التالي: «جاءت الشروط الاقتصادية في الاتفاقية لأهداف اقتصادية وسياسية بغية الإضعاف التدريجي لمناعة الدولة والمجتمع، والآن يريدون إنجاز هذه الخلخلة ولو على المدى المتوسط من أجل الوصول إلى الأهداف السياسية الإستراتيجية التي سيسهل عندئذ إملاؤها.. وليس صحيحاً أن هذا الخيار هو الخيار الوحيد أمامنا للانفتاح على العالم، فالخيارات عديدة والبدائل كثيرة.. ويجب إحباط كل محاولة لمزيد من خلخلة البنية الاقتصادية ـ الاجتماعية، لأن في ذلك ضمانة لصمود سورية سياسياً، وضمانة للحفاظ على كرامة الوطن والمواطن»..
وفي العدد 424، أكدت الافتتاحية أنه «.. بعيداً عن القول بضرورة الانكفاء والانغلاق، يجب السير نحو إيجاد الظروف المثلى والأفضل للتعامل مع الخارج.. وهذه الشروط لا يمكن أن تتوفر دون دراسة هذه الشراكات وأهدافها وشروطها من جهة، ودراسة نقاط القوة والضعف لدينا في المجالات كافة، وخصوصاً في الاقتصاد السوري باتجاه تعظيم نقاط القوة وتحجيم نقاط الضعف من جهة ثانية.. وإلاّ لن تكون هذه الشراكات، وخاصةً الأوروبية منها، إلاّ طريقاً لمزيد من إضعاف الاقتصاد السوري، وبالتالي إضعاف الدولة السورية بمعناها الجغرافي- السياسي ودورها التاريخي في محيطها المعروف»..
وبعد ما تسرب عن ميل رسمي نحو التريث في توقيع الشراكة مع الاتحاد الأوربي جاءت افتتاحية العدد 425 المتوجة بعنوان «حول الشراكة السورية – الأوربية ماذا بعد التريث؟» لتؤكد أنه «.. لكي تكون الشراكات بين أنداد وليس بين أتباع، فإنه من الضرورة بمكان ألا يكون إعلان التريث السوري إجراءً (تكتيكياً) عابراً، وإنما (ضرب فرامل) ولو فيما قبل اللحظة الأخيرة لتكريس دراسة ما أسميناه (الميزات المطلقة) للموارد السورية والاستفادة منها، أي تلك التي تتمتع بها سورية دون سواها من البلدان، مع الأخذ بعين الاعتبار أنها بلد ذات اقتصاد زراعي بالدرجة الأولى، وصناعي متواضع، وتجاري إلى حد كبير، مع تشوهات طفيلية مستشرية من الأنشطة الاستثمارية والخدمية غير منتجة بغالبيتها، من منظور مفاهيم الاقتصاد الوطني، ناهيك عن الفساد الذي (يشفط الأخضر واليابس)».
وبالفعل، لم تلبث القيادة السياسية بعد أقل من يومين أن استجابت للإرادة الشعبية الوطنية المعارضة للشراكة، فأعلنت (الفرملة) النهائية لها، وتحويلها إلى (تعاون)، وسط ذهول المروجين للانخراط فيها والمهرولين باتجاهها!!

2- الصراع ضد الخصخصة
تابعت قاسيون طوال عام 2009 صراعها المضني ضد الخصخصة، ووقفت بحزم ضد نوايا وإجراءات وقرارات الفريق الاقتصادي في خصخصة كل ما يمكن خصخصته، مدعومة بمواقف حلفائها: الطبقة العاملة ونقابات العمال والشخصيات الوطنية في جهاز الدولة وخارجه وجميع المتضررين من عرض المنشآت والمؤسسات العامة للبيع والاستثمار، ونشرت في هذا المجال العديد العديد من التحقيقات الميدانية والمقالات والمقابلات الصحفية مع النقابيين والاقتصاديين، التي لم تلبث أن أصبحت أوراق عمل في الاجتماعات العمالية مع ممثلي الحكومة، ومداخلات تلقى في المؤتمرات النقابية وفي جلسات مجلس الشعب. والحقيقة أن الصراع ما يزال مستمراً، فإن تمكنت القوى الداعية والراعية للخصخصة من إيقاف بعض المعامل والمواقع الإنتاجية والخدمية أو تأجيرها، فإن المعركة لم تحسم بعد، وكل المؤشرات الراهنة تدل أن البلاد استطاعت تجاوز ذروة الهجمة النيوليبرالية على الاقتصاد الوطني، ويمكن الآن الانتقال من الدفاع إلى الهجوم..

 3- الحرب ضد الفساد
أفردت «قاسيون» صفحات واسعة من أعدادها لفضح الفساد والفاسدين بغض النظر عن مواقعهم، واهتمت أكثر بالفساد الكبير ورموزه من المتنفذين والمسؤولين السابقين والحاليين وبعض أصحاب رؤوس الأموال المحليين والوافدين، ونشرت عشرات التحقيقات والاستطلاعات المعززة بالوثائق التي تبين بالوقائع والأرقام أبرز مطارح الفساد وحجمه فيها، وخصوصاً في قطاعات النفط والاتصالات والبلديات وأراضي أملاك الدولة وشركات ومؤسسات القطاع العام، وركّزت على التهرب الضريبي، كما فضحت المهربين والمعتدين على الثروات الوطنية والأموال العامة، ونتج عن الكثير مما نشر إجراء تحقيقات جدية وتشكيل لجان تفتيش، فأحيل العديد من الفاسدين إلى التحقيق والقضاء والسجن، أو عزلوا من مناصبهم.. وبالمقابل فقد رفع بعض الفاسدين دعاوى قضائية ضد الصحيفة وهيئة تحريرها، وبعض هذه القضايا كسبتها الصحيفة، والبعض الآخر ما يزال بانتظار البت فيه..
 

4- شرح الأزمة العظمى للرأسمالية
تفرّدت قاسيون بين الصحف السورية والكثير من الصحف العربية وغير العربية، بأنها كانت من أوائل من استشرف الأزمة القائمة للرأسمالية العالمية مع مطلع الألفية الثالثة، في وقت كان يبدو للكثيرين، وخصوصاً في صفوف الأكاديميين والمثقفين وبعض القوى اليسارية، أن المعركة التاريخية حسمت لمصلحة الرأسمالية وأن ما يجري هو نهاية التاريخ، وحين بدأت نذر الأزمة تظهر أواخر العام المنصرم، أخذ الموضوعيون من هؤلاء يعترفون بفضل الصحيفة في نشر الوعي الجديد، الوعي المتفائل غير الغارق في اليأس، وفي الوقت نفسه، غير المندفع دونما بصيرة، بينما ظل بعض المكابرين يصرون أننا نهوّل، وأن ما يجري هو مجرد أزمة مالية لن تلبث أن تجد الرأسمالية مخارج لها، لكن تصاعد الأزمة باطراد، ووصولها مؤخراً إلى منطقتنا بصورة فاقعة وبطريقة مطابقة لما كانت قاسيون قد استشرفته وعبّرت عنه في العديد من المناسبات، وفي كثير من المقالات والترجمات، جعل الجميع، عدا جماعة (فالج لا تعالج) يقرون بصوابية رؤية الصحيفة، وسلامة منهجها، وموضوعية قراءتها وتحليلها..