جبران الجابر جبران الجابر

الموضوعات.. والسجالات الفكرية

نشرت قاسيون في عددها الصادر في 29/5/2010 آراء وملاحظات حول مشروع الموضوعات البرنامجية، وأعتقد أنه من الهام التوقف عند عدد من الآراء التي وردت في تلك المقالات.

بداية، أعتقد أنه في الموقف من أية شراكة اقتصادية، فإن المسألة الأساسية هي معرفة قدرات الاقتصاد السوري ومدى تطوره وإنتاجيته وجودته، كما لا يمكن إغفال الجوانب السياسية. إن مشكلتنا الواقعية في أية شراكة هي ضعف الطابع التنافسي للمنتجات السورية، ويعود الأمر إلى عوامل متشابكة بما فيها المستوى التكنولوجي لوسائل وأدوات الإنتاج، وفي عالمنا الراهن فإن توجهات الشراكة نحو الدولة الناهضة تظل أقل خطراً، ويتطلب الاقتصاد السوري في الوضع الراهن أقل قدر من التماثل السلعي ووضع آليات اقتصادية تحول دون إغراق السوق بالسلع المماثلة للإنتاج الوطني، ومن الهام أيضاً ألا تلغي أية شراكة، كل الإجراءات الاقتصادية ذات الطابع الحمائي للمنتج الوطني، ولا ضير من تأمين ذلك على أساس قواعد متبادلة، كما لا ضير أن تكون السلع الأساسية الضرورية للصناعة والزراعة التي يجري استيرادها ذات خصائص ضريبية متدنية، وهو ما يسهم في تخفيض كلفة المنتج الوطني. وبالمقابل لابد من أن يقابل ذلك بأقل قدر من الضرائب على البضائع السورية الأساسية في عملية التصدير. وفي كل الأحوال فإن الكمالية لا ينبغي أن تحرز فوائد في أية اتفاقية للشراكة.

من الطبيعي أن الرأسمال المالي وشركاته الاحتكارية تريد أسواقاً لإنتاجها، تريد أن تتمتع بضائعها بميزات ضريبية من شأنها أن تجعلها أكثر تنافسية من البضائع الواردة من الدول الامبريالية الأخرى والدول الناهضة، وذلك أمر ينبغي أن تحدده مستلزمات وضرورات الاقتصاد السوري. إن ما يرتبط بالمسائل الاقتصادية يجد معياره في مدى المساهمة في تشكيل وضع أفضل لتطور الفروع الزراعية، وما يرتبط بها من صناعات، أما المعارضة لكل شراكة في عالمنا الراهن بصورة مطلقة فهي ذات طابع طوباوي، ومن نافل القول إن أية شراكة لا يمكن أن يتجاوز بحثها المسائل السياسية الأساسية، وتجدر الإشارة أن الرأسمال المالي ليس كميات من النقود والسيارات والآلات، مهما كانت الأغطية سميكة ومتقنة، فللرأسمال المالي توجهاته السياسية في المنطقة العربية خاصة وإقليم الشرق الأوسط عامة، وفي وضعنا الراهن، والجولان مايزال محتلاً، والشعب الفلسطيني يواجه خطط تصفية كافة حقوقه، لا يمكن تقييم أية شراكة بعيداً عن دور أطرافها بقضايانا الوطنية والعربية. المهم ألا تشكل الشراكة منافذ للتطبيع مع إسرائيل كما هو الحال بما يسمى «الشراكة المتوسطية».

يجب أن تتضمن الموضوعات التحذيرات، وأهم الاتجاهات التي تتضمنها أية شراكة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي..

بالانتقال لموضوع آخر، فإن تناول الثابت والمتغير أمر معقد، ناهيك عن أن الثابت نسبي فالحركة هي المطلق، ونحتاج إلى مصطلحات أخرى لا تترك التباسات نظرية، وبهذا الصدد أشير إلى مقال اجتهد صاحبه في تحديد عدد من الثوابت وتحديد المتغيرات المواكبة لها، والمهم عدم تبسيط المسائل، فالعنصر الحاسم في مآل الأزمة هو طبيعية تداعياتها السياسية والاجتماعية والفكرية، وفيما يتعلق بالرأسمالية فإن الثابت هو التناقض بين الرأسمال والعمل، ويعبر عنه بالتناقض بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج، وذلك هو الدائم والمستمر في الرأسمالية، وهذا الثابت يعبر عن ذاته بصيغ وأشكال متغيرة، أي أن الثابت هو جوهر الظاهرة أما تجلياتها فتتنوع.. إننا أمام عملية ديالكتيكية معقدة حيث لا يمكن تجاوز ديالكتيك السبب والنتيجة، وكذلك ديالكتيك المضمون والشكل..

عندما يتعلق الأمر بالفلسفات والأفكار فإن الثوابت محدودة، وهي أسس الفلسفات، ولا ينبغي الغرق في موضوعة الثابت خوفاً من أن يتحول الأمر إلى نظرة ميتافيزيقية لا علاقة لها بالديالكتيك المادي الذي يشكل المنهجية للفكر الماركسي، وأعتقد أن الصيغ الفكرية المجردة لا تسعف دائماً في تلمس العلاقة بين الثابت والمتغير، فالثابت المجرد يعبر عن ذاته بأشكال متغيرة ومتنوعة.

أتوقف عند أفكار هي في النهاية تعبير عن علاقة القومي بالأممي، إن فكرة شعوب الشرق هي فكرة أممية ولا تتعارض مع فكرة وحدة عربية معادية للامبريالية، ديمقراطية وتقدمية، وعلى العكس فالعلاقات الأساسية بين الفكرتين علاقات ترابط إيجابي، لكن تلك العلاقة ليست علاقة «تتالي» أي أولاً الوحدة، ثم الاندماج في نظام إقليمي. إن فكرة ترابط مصالح شعوب الشرق ودورها لا تتوقف على النظم الاقتصادية والاجتماعية، ناهيك عن أن الشعوب العربية مكون أساس وهام في موضوعة شعوب الشرق. إن كل تطور في العلاقات الأممية بين شعوب الشرق هو بالذات، عامل تطال تداعياته وترابطاته العلاقات بين الشعوب العربية، وتتحول إلى عامل محرض على الوحدة العربية. ثم إن موضوعة شعوب الشرق العظيم تشكل الحافز للبحث السياسي والفكري والثقافي، وتحرض الشعوب العربية على النضال من أجل الوحدة العربية المعادية للإمبريالية والصهيونية.

إن الجوهري في موضوعة شعوب الشرق العظيم هو أن تمسك الشعوب بقضاياها، فلا تجعلها ملكاً للنظم الرسمية.

إن المهم هو تناول الآراء التي وردت في تلك المقالات، بما فيها الموقف من البرجوازية الصناعية، وعلاقة الأفكار بالواقع ودورها، وأهدافنا الراهنة وأفقها المستقبلي، وموضوعة الحزب وبنائه.. وغيرها من الآراء التي ترد في المقالات التي تنشرها جريدة «قاسيون» في إطار عملية هامة، وهي مناقشة «الموضوعات».

■ النص الكامل على الموقع