الموضوعي والذاتي في الأزمة ..
هذه المادة رد على مقالة الرفيق ماهر حجار المعنونة بـ«المهام البرنامجية.. ملاحظات سريعة»، المنشورة في العدد 455 من جريدة قاسيون، وتحديداً على ما جاء في الجزء الأول منها تحت عنوان فرعي: «الاشتراكية.. وأزمة الرأسمالية»..
يقول الرفيق ماهر حجار: «أظن أننا لو تناولنا القضية على أن هذه الأزمة هي بحد ذاتها نهائية, وهي بذاتها توفر العامل الذاتي, وعلى الشيوعيين ملاقاة هذا العامل الذاتي لتوجيهه باتجاه نسف الرأسمالية من جذورها. لأملى علينا ذلك التفكير بحزب شيوعي مختلف البنية والأداء عما نسعى إليه».
إن القول بأن الأزمة الرأسمالية تخلق العامل الذاتي الذي سيقضي عليها, هو قصر للعلاقة بين الموضوعي والذاتي إلى علاقة سبب- نتيجة بصوريتها، وليس بديالكتيكيتها؛ حيث الأزمة هي السبب, والعامل الذاتي للقضاء على الرأسمالية هو النتيجة. حينها يصبح من الطبيعي أننا، وكي لا نخرج العامل الذاتي، ونجعله نسقاً مستقلاً, فلنخرج إذاً الحركة الشيوعية ونجعلها النسق الثاني, الذي سيلاقي العامل الذاتي!. ولا أعلم كيف سيلاقيه؟ ربما بالتصفيق وبتأليف الأغاني الثورية أو ربما من خلال شكل من أشكال العمل المكتبي, وربما بتحوله إلى حزب الشعب، أو ربما حزب العامل الذاتي؟ ولكن بالتأكيد «بمفهوم جديد للحزب وضمن إحداثيات أخرى»؟؟. فإذا كان الاستناد الفلسفي هو كون التناقض الأساسي (الذي هو تناقض داخلي) في أية ظاهرة هو المحرك الأساسي لتطورها وتغيرها نوعياً, فإن ذلك لا يعني أبداً الجبرية التاريخية؛ أي وجود ميل تاريخي واحد في تحول الظواهر. فقد تحدث إنجلز عن إمكانيتين بعد الرأسمالية: الاشتراكية أو البربرية, وهنا أهمية العامل الذاتي (وهو على العموم عامل الوعي, وبالنسبة للظاهرة الرأسمالية هو الوعي الطبقي، وتحديداً الوعي البروليتاري المتحرر من الملكية الخاصة والجذري في نضاله لنسف الملكية الخاصة). يضاف إلى ذلك الحقيقة المهمة جداً، والتي تقول: إن علاقات إنتاج التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية القادمة تنشأ في رحم الحالية إلا في الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية؛ حيث لا تُخلق علاقات الإنتاج الاشتراكية في رحم الرأسمالية, وإنما تخلق الطبقة العاملة التي ستنسف وتهدم العلاقات الرأسمالية لتبني العلاقات الاشتراكية، ولكي تستطيع فعل ذلك فهي مضطرة للاستيلاء على السلطة السياسية لتبني علاقاتها. وبالتالي فإن نضالها مرغمٌ على أن يكون سياسياً، أي حزبياً، أي شيوعياً؛ هذا هو العامل الذاتي، وبتعويمه وإخراجه من يد الشيوعيين سنصل – أقلّه - إلى التخلي عن ديكتاتورية البروليتاريا.
ويستند كذلك الرفيق ماهر إلى كون النقد، الذي هو السرطان الدماغي الخاص بالرأسمالية, ليس بضاعة.. أي أنه ورم من نوع غير بضاعي, وبالتالي لا يمكن علاجه بضاعياً أي رأسمالياً، ولو كان الاستناد صحيحاً لكانت النتيجة صحيحة, لكن ماركس ما انفك يؤكد في الفصل الأول من كتابه رأس المال، على أن النقد ما كان ليكون معادلاً للبضائع, لولا أنه كان بالأصل بضاعة، ويسرد التطور التاريخي الذي قاد بضاعة متميزة لتصبح بضاعة نقدية، ثم لتستقل كنقد وتتمتع بوظائفها الجديدة. وكذلك فإن كل ما ذكر في تفصيل الموضوعتين الخامسة والسادسة، من /أ/ إلى /ه/ في مشروع الموضوعات البرنامجية, لا ينفي إمكانية خروج الرأسمالية من أزمتها. وذلك ممكن من خلال التوسع العمودي بعد انتهاء إمكانية التوسع الأفقي، أي بتطبيق النيومالتوسية على الأرض، وبتدمير القوى المنتجة لإعادة التناسب بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج، وهذا يعني عملياً تحقيق خطوة كبيرة في ما ذهب إليه إنجلز من أن الرأسمالية يمكن أن تتحول إلى البربرية..
إضافة إلى ذلك يمكن مناقشة إخراج الشيوعيين خارج العامل الذاتي وجعلهم رقباء عليه على أنه خلط بين العفوية والوعي (العامل الذاتي)، الذي تحدث عنه غير مرة لينين في (ما العمل؟) في تصديه لرابوتشيه ديلو وتقديسهم للعفوية. الأمر الذي نراه هنا مكرراً تحت مسمى مختلف بعض الشيء, حيث نرى العامل الذاتي محققاً بغض النظر عن الحركة الشيوعية ما يعني أن العنصر العفوي الذي يقول عنه لينين إنه ليس في الجوهر سوى الشكل الجنيني للوعي قد تمت هنا مطابقته مع الوعي، وبالتالي تم التخلي عن دور الحزب الشيوعي في رفع مستوى النضال العفوي (الذي لا يتجاوز سقفه حد النضال المطلبي) إلى مستوى النضال السياسي, وبالتالي العودة بالحزب إلى الاقتصادية ونزع الوجه الشامل والمضمون الجذري منه باتجاه الإصلاحية..
بطبيعة الحال، ليس هذا ما يريده الرفيق ماهر حجار بملاحظاته، لكن العنوان العريض الذي طرحه وتركه دون توضيحٍ كافٍ، وهو «مفهوم جديد للحزب وضمن إحداثيات أخرى»، يفتح الباب واسعاً لمحاولة الربط بين ما قدمه من ملاحظات وبين «مفهوم جديد للحزب»..
مع خالص الود والاحترام.