حول مشروع الموضوعات البرنامجية لوحدة الشيوعيين السوريين
سأناقش هنا، في مقاربتي لمشروع المهام البرنامجية، تلك النقاط المسكوت عنها، والتي تترك مائعة عن قصد لمنح القيادة هامشاً واسعاً من المناورة في كل الاتجاهات, ليس فقط في هذا المشروع بالتحديد، بل في مجمل تحليل الحركة الشيوعية السورية للواقع الذي تواجهه ولمهامها هي بالذات.
أولاً، يجب التأكيد أن البرامج لم تلعب في معظم الحالات (إذا استبعدنا الانشقاق الأول في أوائل السبعينيات) أي دور في الخلافات داخل الحركة الشيوعية السورية، التي كانت في معظم الأحيان نتيجة تعقيد العلاقات بين أعضاء قيادتها، أما بالنسبة للسياسات اليومية، وحتى ذات الطابع الاستراتيجي، فقد كانت تتخذ على المستوى الأعلى للقيادة بغض النظر عن هذه البرامج، ولذلك لعبت هذه البرامج دوراً محدوداً في النقاش الداخلي، خاصة على مستوى القواعد التي عادة ما تقابل هذه المشاريع بالكثير من اللامبالاة المبررة بالتأكيد.
إننا نسمي أنفسنا اشتراكيين وشيوعيين، بما يعني أن هدفنا النهائي هو بناء المجتمع الاشتراكي ومن ثم الشيوعي، لكن الآن، بعد أن انهارت الصورة الأحادية عن الاشتراكية، واتضح أن الحركة العمالية العالمية كانت قد قدمت إجابات مختلفة وحتى متناقضة عن هذا السؤال، يجب أن نتساءل أولاً عن ما الذي نعنيه عندما نتكلم عن الاشتراكية والشيوعية كهدف للجماهير نفسها، فنحن نزعم أن هذا المشروع ليس مشروعاً نخبوياً فوقيا وضعته ونفذته أو تنفذه أقلية من البشر، إنه تعبير عن آمال الجماهير وربما منذ وقت طويل في الحرية والعدالة والسلام، هذا يعني أننا، والحركة العمالية العالمية عامة، وعلى ضوء تجارب النضال السابقة المتراكمة، حاولنا، وعلينا أن نجيب عن سؤال: متى تصبح هذه الاشتراكية إمكانية؟ ومتى تصبح ضرورة؟. إنني أزعم أن على أي برنامج أن يجيب على هذين السؤالين أولاً: عن أي اشتراكية نتحدث وعن الطريق إلى هذه الاشتراكية؟ لقد فهمت أطروحة ماركس عن تتالي أساليب الإنتاج وأسبقية أسلوب الإنتاج الرأسمالي على الاشتراكي على أنه حديث عن حتمية الرأسمالية، ورغم كثرة المراجعات التي تعرضت لها الماركسية مؤخراً، بما في ذلك هذه الأطروحة، لكن قلة فقط استنتجت من هذا أن الرأسمالية غير حتمية بالضرورة، كما أن هذا الكلام يعود بنا إلى أطروحة التطور اللارأسمالي التي سرعان ما تخلت عنها الحركة الشيوعية الرسمية. لقد ولدت هذه الأطروحة ساذجة، واعتمدت على نظرة حتمية اقتصادوية للتطور البشري، عدا عن أنها قامت على نظرة اختزلت مجمل الصراع الطبقي في الصراع بين القوتين العظميين، وبشرت بانتصار ميكانيكي لفكرة الاشتراكية في العالم اعتماداً على حسم هذا الصراع، وكان من الضروري أن تسقط هذه المقولة بظهور تهافت المقدمات التي استندت إليها. إننا أمام واقع غريب تقول فيه الماركسية السائدة والفكر القومي السائد والليبرالية السائدة جميعا بحتمية الرأسمالية، مما يدفع الإنسان للاستغراب علام التنابذ بالألقاب بينها وهي التي تنتهي إلى النتيجة نفسها؟ لكن إلى أية درجة هذه النتيجة صحيحة؟ إن اهتزاز شرعية وعصمة الحتمية الاقتصادوية، إن لم نقل ظهور تهافتها، يضعنا من جديد أمام سؤال حتمية الرأسمالية، وما الذي يعنيه النضال الجماهيري في فترة الانتقال إلى الرأسمالية هذا؟ وألم تنجز الدول العربية القائمة مهمة القضاء على الإقطاع وإطلاق علاقات الإنتاج الرأسمالية؟ أما عن العجز عن بناء دول رأسمالية متطورة، فهذا يمكن نسبته إلى خصائص البرجوازية العربية ونواقصها وشروط تطورها في إطار علاقات التبعية لمركز النظام الرأسمالي ولفشل الأنظمة القائمة في تطبيق سياسات إنمائية ناجحة بسبب قصورات خاصة بها؟ وهل ستبقى هذه هي المهام المطروحة أمام مجتمعاتنا في ظل أزمات تتراكب وتتعقد وتكون الجماهير وظروف حياتها هي الضحية الأولى لها؟ لقد تحولت عبارة «لم تنضج الظروف الموضوعية بعد» إلى تميمة سحرية لصالح الأوضاع القائمة. هذا الجدال الذي يجري ضمناً على مستوى السياسات اليومية، والذي ينتصر غالباً لمصلحة الأمر الواقع، يحتاج إلى أن يتحول إلى جدال عال تسمعه، ومن ثم تنخرط فيه جماهير الشيوعيين، ليشكل خروجاً على الوضع الهامشي الذي طالما دفعت إليه في واقع الحركة الشيوعية السورية، وفي نهاية المطاف تفعيل لهذه الحركة على مستوى وعيها بذاتها وبواقعها وبمهامها، وكجزء من نضال الجماهير الأوسع في سبيل أهدافها والدفاع عن مصالحها. إن الجواب على هذين السؤالين المركزيين يجب أن تتم ترجمته على مستوى السياسات اليومية التي عادة ما تكون حكراً على القيادات، وتخضع لاعتباراتها فقط.. على سبيل المثال، تعامل معظم قيادات فصائل الحركة الشيوعية السورية النظام القائم على أنه نظام فوق طبقي بغض النظر عن موقفها (المتزمت أحيانا ضد أي تطوير أو إعادة تفسير) من نصوص وتعاليم ماركس ولينين بهذا الصدد، (التي تنكر وجود نظام فوق طبقي مثلاً)، ليس هذا فحسب، بل على من يقول بحتمية الرأسمالية أن يحدد صراحة أمام جماهير الشيوعيين والجماهير عامة عن أية رأسمالية يتحدث، يتحدث البعض ضمناً عن رأسمالية الدولة القديمة ذاتها على الطريقة السوفيتية، والبعض الآخر عن رأسمالية ليبرالية، وطرف ثالث عن شيء ما وسط بين الاثنتين.
ليس المطلوب مرة أخرى، صياغة مشروع خاص بنخبة ما تمنح نفسها حق توجيه المجتمع وإجباره على السير في الطريق الذي تراه ضرورياً، إننا نريد تحليلاً ثورياً للواقع من موقع الجماهير والطبقات الأكثر فقراً، يحدد لليسار دوراً حفازاً للتطور باتجاه عالم الحرية والعدالة والمساواة، حفازاً لنضال هذه الجماهير في سبيل أهدافها هي..