الموضوعات البرنامجية.. والانعطاف الجذري

العمل الهام ولو المتأخر قليلاً، مشروع الموضوعات البرنامجية، الذي تقدمت به اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، ورغم ورود الأفكار ومعظم الأطروحات في النشاطات السابقة للجنة الوطنية، إلا أن أهمية ذلك تأتي من خلال طرحه كحزمة واحدة، وما سيأتي عليه من تعديلات وإضافات لاحقة أثناء التحضير للاجتماع الوطني التاسع وخلال انعقاده كعمل أساسي من أعمال الاجتماع في هذه المرحلة الانعطافية، والتي ترتسم ملامحها عالمياً بأفول الرأسمالية عبر مجموع أزماتها ونهوض شعوب الأرض قاطبة التواقة إلى الانعتاق من الرأسمالية بكافة أشكالها وشرورها، إلى عالم الحرية الواسع والعدالة الاجتماعية العميقة وفق الظروف الموضوعية والذاتية لكل شعب من الشعوب، وكل منطقة من المناطق كافة.

إن قراءتي المقدمة هي لثلاثة عناوين فرعية من فقرة القضية الاقتصادية الاجتماعية لأهميتها، حيث تشكل الزراعة ثلث الدخل الوطني في سورية ويعيش قسم هام من السكان اعتماداً عليها، وهو ما ورد في الفقرات (4، 5، 6) كعناوين فقط. لعلي أضيء بعض الأفكار التي قد تكون هامة للنقاش تساعد على الوصول إلى حلول عملية ملموسة.

والمدخل العام برأيي، الذي يشكل أساس كل موضوعي هو أسلوب التملك باعتبار أن الملكية الخاصة تشكل نسبة مطلقة في الزراعة بشقيها النباتي والحيواني، ولكنها في الغالب مبعثرة وصغيرة وبتقدم الزمن يزداد هذا الواقع تفاقماً باطراد حسب واقع الإرث في الأسر السورية.

وعندما نتكلم عن حلول، لابد من الولوج إلى شكل الإنتاج الكبير التي تتوفر له مقومات العلم والتكنولوجيا والبحث العلمي باستخدام أعلى التقنيات، حيث نصل إلى أعلى نمو وأرفع معدلات التراكم. وهذا الشكل يتم إما بالأسلوب الرأسمالي الكبير ذي الآفاق المسدودة ولا إمكانات واقعية له لأسباب موضوعية وذاتية غير متوفرة، والشكل الآخر هو التجميع الزراعي على قاعدة: حصة للملكية، وحصة للعمل، حسب الإنتاج النهائي. أما شكل تطبيقه والنسب بين الجانبين فتحل على أساس الواقع الملموس. ولكن يقف في طريق هذا الحل عوائق كبيرة وكثيرة، أهمها مسألة الريوع العقارية والتناسب بينها وبين الإنتاج الحقيقي والقيمة المضافة الذي يخلقها. وسأضرب على ذلك مثلاً، في جميع الأرياف، وخاصة ضواحي المدن وبمسافات ليست بقليلة من حيث بعدها عن هذه المراكز، ففي إحدى ضواحي مدينة حلب وصل سعر المتر المربع من الأرض إلى نحو /50/ ألف ليرة سورية. أي أن القيمة الريعية للهكتار الواحد نصف مليار ليرة سورية، أما الإنتاج للهكتار بمختلف الزراعات فلا يتجاوز سنوياً /25 ـ 30/ ألف ليرة سورية، وهذا الفرق في الكمون لم يخطر حتى ببال مكتشفه العالم تسلا.

ومنه ينتج لدينا مهمة عملية وعلمية، ألا وهي إلغاء الريوع العقارية في الأراضي الزراعية، واعتبار هذا الأمر في حال حدوثه بمثابة جريمة بحق الزراعة والبلد، لوقف التدهور الكبير في هذا القطاع الحيوي الهام، والتوجه نحو الإنتاج بدل المضاربة والتخريب، كما أنه من الممكن التطرق إلى تجارب فشلت عالمياً عبر انهيار التجربة الاشتراكية الأولى، وتجارب فاشلة لدينا (مزارع الدولة) لعدم وجود بيئة مناسبة لتطويرها.

إضافة إلى دور تسليفي فقط لأشكال الجمعيات المقامة لدينا عبر اتحاد الفلاحين، وعلى حل هذا الأمر يتم المدخل لحل القضية الزراعية بشقيها النباتي والحيواني وخلق الاستقرار السكاني في الريف.

أما الفقرات الواردة في الموضوعات عن خلق محفزات نمو في البادية تدخل ضمن خطة اقتصادية عامة تتعلق بالاستثمار، فهذا أمر حيوي وهام يساعد في التراكم وخلق فرص عمل تحد من البطالة.

والأمر الآخر الربط بين الزراعة والصناعة حسب المناطق كمدخلات ومخرجات، فله جوانب إيجابية هامة أبرزها تخفيض كلف الإنتاج إلى أدنى مستوى ممكن، وخلق حالة من الاستقرار والازدهار لكل منطقة حسب واقعها. مثلاً مناطق إنتاج القطن، صناعات نسيجية.. وهكذا.. والموقف من مستلزمات الإنتاج له مضمون طبقي ووطني، حيث الاتجاه إلى اقتصاد عالي النمو وعميق العدالة الاجتماعية يتطلب توفير مقوماته التي تحقق الاستقرار الاجتماعي وقوة الموقف الوطني. أما ما هو متبع حالياً من قبل الليبرالية الجديدة في سورية (قوى السوق والسوء)، فلها نموذجها وهو وضع أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي السابق بعد الانهيار الذي أدى إلى خراب الريف وهجرانه، وأعطى نتائج كارثية على تلك البلدان والشعوب أضحت من المعضلات الكبيرة أمام تطورها. وهنا ندرك أن ما تقوم به الليبرالية السورية عبر ممثليها داخل الحكومة، ليس  عفو الخاطر، بل يأتي عبر تخطيط ممنهج ليس المقصود منه البعد الاقتصادي وإنما الدخول إلى حظيرة الرأسمالية بشكلها المعولم والمخطط لبلد مثل بلادنا، على أن تكون حاوية للبلدان الإمبريالية المتقدمة.