ملاحظات على مشروع الموضوعات البرنامجية
شرت قاسيون مشروع الموضوعات البرنامجية الذي يطرح الملاحظات التالية:
أولاً: إنّ الدور الوظيفي للشيوعيين، وإن كان يحتّم وحدة فيما بينهم تبعاً لوحدة التحديات التي تواجه الطبقة التي يدافعون عنها، لكن هذا لا يعني لزوم انتظامهم في حزب وحيد للجماهير يتفرّد بتمثيل المجتمع والطبقة العاملة وسائر الكادحين. إنّ وحدة المصالح والتحديات لا تنبثق بالضرورة عنها وحدة في الحلول، بل على الأغلب إنها تتعدد تبعاً لتعدد التحليلات التي توّصف المشكلة وتضع أسبابها، ممّا يرجح قيام أكثر من حزب لا حزباً واحداً يستفرد بالحلول ويستبدّ بالقرارات، يتسقّ هذا مع ما جاء في المشروع من أنّ صياغة نموذج اقتصادي جديد لا يمكن أن يقوم به شخص أو حزب أو جماعة، بل هي مهمة وطنية عامة. إنّ الماركسية تفترض ذلك أيضاً، فبحسب بيان الحزب الشيوعي، وتحت عنوان «البروليتاريون والشيوعيون» فإنّ الشيوعيين لا يكيفون البروليتاريا في قالب معين، كما أنّ تنظيمها من أجل سيادتها والظفر بالديمقراطية، هو هدف لهم ولجميع الأحزاب البروليتارية، ويتم تحقيقه بتدابير مختلفة.
ثانياً، بخصوص الأزمة الحالية للرأسمالية، يتردد المشروع مابين احتمال استمرارها لعدم تمكن الرأسمالية من تصديرها بالقوة إلى الخارج أو الاستيلاء على مناطق جديدة لأسباب يوردها، ومابين إمكانية تأجيل انفجارها فيما لو أحكمت الرأسمالية قبضتها بالقوة على منطقتنا الغنية بالموارد النفطية.
ثالثاً، يتحدث المشروع عن التآخي بين شعوب الشرق العظيم، فعدا أنّ ذلك لا يتفق مع ما تضمنته الماركسية من أنّ تاريخ كلّ مجتمع هو تاريخ النضال بين طبقاته، فهو غير صحيح إلى فترات قريبة، فإيران ظلت تتقاسم الأدوار مع إسرائيل حتى قيام الثورة، كذلك تركيا لم تخرج من عباءة العلاقات الإستراتيجية مع إسرائيل إلاّ مؤخراً، إنّ مقولة الشرق العظيم خطيرة في احتمالاتها وتأويلاتها، فهي بصيغتها الواردة لا تنفي متناقضة الشرق والغرب، ممّا يسهل مهمة الصيادين في الماء العكر لتمرير أسطورتهم: صراع الحضارات. إنّ الإمبريالية العالمية تنتفخ بحجم الكرة الأرضية، وإنّ مهمة ثقبها يتصدّى لها جميع البشر الساكنين على هذه الكرة.
رابعاً، يؤخذ على المشروع إشارته إلى القومية والدين والطائفة والعشيرة بإعتبارها «تناقضات» وإن لطّف ذلك بكلمة «ثانوية»، كذلك فهو حين يصف تعامل أمريكا معها، يختار لهذا كلمتي «استخدام» و«تفعيل»، ممّا يعفي أمريكا من تحمل مسؤولياتها، لأنها بذلك لا تخلق تلك التناقضات من العدم، بل تحوّلها فقط من حالة الوجود «بالقوة» إلى حالة الوجود بالفعل، أمّا بخصوص كون تلك التناقضات مكونات أساسية في المجتمع لمرحلة ما قبل الدولة الوطنية، فعدا أنّ هذا يعطي الدولة القطرية بشكلها الحالي «وهي صنيعة حدود سايكس بيكو»، دوراً متطوراً عمّا كان عليه المجتمع قبل وجودها، فهو منفيّ بتياّر الأحداث الجارية في المنطقة منذ ما قبل ذلك إلى يومنا هذا، فشهداء السادس من أياّر في سورية ولبنان لم يعلقوا على أعواد المشانق لأنهم من هذه الطائفة أو ذلك المذهب، بل لأنهم سوريون وسوريون فقط، وهم حينها كانوا يعبرّون عن نبض الشارع. كذلك فإنّ محاولة فرنسا تقسيم سورية إلى دويلات طائفية قبل الاستقلال لم تلق أي قبول من أبناء الشعب السوري، بل رفضاً متعنتاً كونها تستبدل هوياتهم الوطنية بأخرى تفتيتية.
خامساً، إنّ ما ذهب إليه المشروع من أنّ قوى الفساد تستخدم اللبرلة الاقتصادية لقوننة نهبها، يضعفه اللاحق من الكلام والمتضمن أنّ تبني النهج الليبرالي الاقتصادي كان لأجل حل الإشكالات المستجدة في الاقتصاد السوري، لأنّه في مظنة الداعين له الخيار الوحيد الممكن.
سادساً، يضع المشروع البلاد تحت رحمة بديلين، إمّا بقاء النظام السياسي بأدواته الحالية، أو بقاء السياسات الليبرالية الإقتصادية، وبالرغم أنه لا يوجد خلاف على التوجهات الوطنية للنظام، فممّا لا شكّ فيه هو أنّ من يتقدم السياسات الاقتصادية الليبرالية وينفذها هي قوى هامة في جهاز الدولة، تسعي لقوننة نهبها وفسادها بالتواطؤ مع حلفاء غير محليين، مستغلة الإفلات من الرقابة والمساءلة بسبب عدم وجود حركة سياسية فاعلة في البلاد.
سابعاً، حين يضع المشروع رؤيته للملامح العامة للنموذج الاقتصادي المطلوب، لا يوضح موقفه من القطاع العام وسياسة الخصخصة إلاّ حين يتطرق إلى المشاريع العملاقة، وكأنه يغمز أنّ ذلك فضاؤه الوحيد، مع الإشارة إلى أنّ جميع تلك الملامح هي لنموذج اقتصاد رأسمالي، ولكن ليس بصيغته الليبرالية الجديدة الذي تنسحب فيه الدولة إلى أقصى الحدود من تأدية مهماتها الكلاسيكية تاركة كلّ ذلك لمقادير سوق منفلتة من كل قيد، بل بصيغة الدولة المتدخلة التي تتكفل بالرعاية الاجتماعية للمواطنين.