نعم لدور الجيش.. لا للأجهزة الأمنية والشبيحة والمجرمين
باستثناء بعض من أعمي على عقولهم وقلوبهم من «المعارضة» و«الموالاة»، والمجرمين أنفسهم، لم يعد أحد يستطيع إنكار أن الصراع اليوم لم يعد صراع «متظاهرين سلميين» و«أجهزة أمنية متوحشة»، رغم بقاء بعض هذا وكثير من ذاك، بل هو صراع بين النظام كدولة، ومجموعات مجرمة بعناوين مختلفة بعضها أصولي.
واليوم، يواجه الجيش السوري تلك المجموعات المسلحة المجرمة التي تريد تحويل سورية إلى جهنم خدمة لتصورات بعض أمراء الحرب، ولبعض الأصوليين الذين لا يشبعون من دم، يواجههم دفاعاً عن سورية شعباً وتاريخاً، وليس نظاماً كما يشيع البعض. فما يراد لسورية أن تمضي إليه يعني، حرفياً، زوال سورية عن خارطة العالم، وتمزقها بين مغول لا ينتهون (...).
(...) وهذا لن يكون سوى جزء من لوحة الدم التي ستعصف بسورية من أقصاها إلى أقصاها. فحتى اليوم بات يوجد مئات آلاف قطع السلاح خارج «جداول» النظام (سواء بيد شبيحة النظام، أو الناس الخائفين، أو المجرمين). وهذه الأسلحة باتت على مسافة خطوة واحدة من أن تبدأ إطلاق النار العشوائي، الذي يخدم مباشرة رموز الإجرام في المعارضة، ومثلهم في النظام، ويدمر هذا البلد نهائياً.
هذا ليس تدبيجاً إنشائياً، فجردة سريعة لكل ما نعرفه جميعاً، ونشر خلال السنوات القليلة الماضية، وكل ما تأكد خلال الأزمة المستمرة من أكثر من ثلاثة أشهر، يؤكد قطعياً هذه النتيجة ما لم يتمكن الجيش السوري، الجيش وليس أي جهة أخرى، من حسم المعركة مع هؤلاء المجرمين جميعاً، انتصارا لسورية وشعبها.
ومن هنا، فإن دعم الجيش السوري اليوم في معركته ضد هؤلاء المجرمين، بات ضرورة قصوى، تمر بنقاط محددة ودقيقة:
- تأمين كل السلاح اللازم لقيام الجيش بمهماته القتالية، ضمنا تأمين الغذاء والماء، وعدم السماح بتكرر بعض الحوادث حيث اضطر الجنود السوريون لشرب ماء آسن!
- تأمين الدعم الإعلامي الكامل للجيش، ليس بطريقة أمراء الحرب المجرمين في فضائية الدنيا، ولا مثيلاتها، بل بإعلام سوري واع مسؤول ويعرف جيدا ما يفعل وكيف يفعل. ويتضمن ذلك نشر وقائع ما يتعرض له الجيش بطريقة إعلامية صحيحة، من فيديوهات أو توثيقات مختلفة. فهذا يدعم الجيش السوري وليس كما يقول بعض من يعيش إعلام القرن التاسع عشر، أنه ينال من هيبته!
- حماية الجيش من أي ضابط أو مسؤول منفلت من عقاله، وذلك عبر نشر تعليمات دقيقة وواضحة (مرفقة بصور توضيحية) عن كيفية استخدام السلاح ضد المسلحين، مع توفير أقصى حماية للمدنيين، وتفضيل حياة المدنيين دائما على التخلص من المجرمين.
- حماية الجيش، وسورية كلها، من بعض أجهزة الأمن التي تكاثرت الدلائل على أنها تلعب بقذارة ضد سورية شعباً ونظاماً، وقد أرعبها التوجه نحو إصلاحات جدية، خاصة رفع حالة الطوارئ التي ستعني بسرعة إعادة هذه الأجهزة إلى مكانها الطبيعي، بعد أن استوحشت وتغولت منذ منتصف الثمانينات، عندما أطلقت أيديها لتعيث فساداً وقمعاً وموتاً في سورية..
ومن المؤكد الآن أنها حاولت استخدام الجيش كدرع مسلح في بعض الحالات، فبينما كان الجيش ملتزما بأقصى ما يمكنه من إنسانية وجدية ومسؤولية حيث وضع، كانت قوات تابعة للمجرمين باسم تلك الأجهزة تحاول توريط الجيش بصراع مسلح مباشر عبر الاستفزازات من مختلف الأشكال، ضمنها إطلاق النار من خلف الجيش على المتظاهرين!
ولا يمكن حماية الجيش من ذلك إلا باتخاذ أقسى التدابير ضد كل عنصر مخابرات (خاصة من هذه الأجهزة) وكل ضابط يقوم بإطلاق النار أو الأمر بإطلاقه على أي من المتظاهرين أو المسعفين أو غيرهم، أو حتى يطلق النار على مسلحين بوجود الجيش ما لم يطلب الجيش نفسه مساعدته.
- البدء فوراً بحملة واسعة النطاق، جدية وحاسمة، لاعتقال ومحاسبة كل شخص ينتمي إلى «الشبيحة»، وعلى رأسهم قادتهم الذين يعيثون عنفاً وفساداً واستفزازاً في مدن عدة (خاصة اللاذقية)، وهو ما يشكل انتهاكاً صريحاً للسلم الأهلي وتهديداً له، ودفعاً للناس قسراً إلى الرد على وحشيتهم وانحطاطهم. ولا مخرج من هذا الحال الذي اقترب من الانفجار الحقيقي، إلا باعتقال هؤلاء الزعماء وزبانيتهم فوراً، ومحاسبتهم علناً.
- البدء فوراً، وعلناً، بمحاسبة من ارتكب الجرائم ضد الناس باسم النظام أو باسم الحفاظ على الأمن، وجميعهم من أجهزة الأمن، وجميعهم ما زالوا يرتعون في فيللهم وقصورهم، فيما تمر الأيام والشهور دون محاكمة علنية فورية. الأمر الذي يعطي كل سوري وسورية المبرر الكافي لنسف أي ثقة أن من يمارس الإجرام باسم النظام سوف يحاسب. ومن البديهي أن هذه النتيجة ستدفع الكثيرين للدفاع عن أنفسهم ما دامت الدولة غير قادرة على القصاص لهم من مجرميها الخاصين، وبقصاص قانوني علني وعادل.
- البدء فوراً برفع دعاوى قضائية ضد أمراء الحرب ممن هم خارج سورية، بتهمة الدعوة إلى العنف والتحريض على الحرب الأهلية، كل منهم في البلد الذي يعيش فيه، فهم يلعبون أقذر الألعاب لتوريط الجيش في الانقسامات، ولتصوير معركته مع المجرمين المنفلتين على أنها مواجهة مع الشعب السوري الأعزل. وإذا كان من يشارك في هذه المواجهة يعرف حق المعرفة أنهم كاذبون، فإن الجنود الآخرين قد يغرقون فعلاً في تلك الدعاية التي تدعمها ماكينة الإعلام العربية والأجنبية بقوة لا مثيل لها، وتجد مساندة لها في فشل إعلامي سوري مريع.
إن الجيش السوري يخوض اليوم معركة شرسة وضع فيها بين فكي كماشة. فمن جهة تتخاذل الدولة والنظام عن تقديم ما يلزم له ليقوم بدوره، ومن جهة أخرى تحاربه وتورطه أجهزة من النظام نفسه تريد أن تظهر أنها لن تتخلى عن امتيازاتها برفع حالة الطوارئ، وأنها مستعدة لتفعل كل شيء من أجل امتيازاتها تلك، ضمناً تدمير البلد وإشعال حرب أهلية.
كما أنه يقع اليوم تحت ضغوط لا تطاق خاصة بسبب الإعلام السوري الفاشل، والذي يكاد يصل حد الإجرام الإعلامي بحق سورية كلها. وكذلك تحت ضغوط شديدة ممن كانوا معارضين ذات يوم، وتحولوا إلى أمراء حرب وخادمين لأجندات خارجية لا يهمهم دم ولا بلد، مقابل حصولهم على كرسي في السلطة الموعودة، يستغلون علاقاتهم في البلدان التي يعيشون فيها، وقدراتهم الإعلامية المميزة.
وما لم يقدم له كل الدعم الصحيح، والمناسب، بلا شرط ولا قيد، متضمناً هذا الدعم تأمين كل ما يلزم لكي يحمي المدنيين حتى أثناء الاشتباكات المباشرة، فإن هذا الجيش سيكون في موضع لا يحسد عليه، وقد تكون النتائج كارثية أكثر بكثير مما يبدو للوهلة الأولى.
الجيش السوري ليس لعبة بيد المجرمين في النظام، ولا لعبة بيد المجرمين في «المعارضة»، فأقل ما يجب أن يقدم له هو إيقاف هؤلاء المجرمين من الطرفين وسوقهم فوريا إلى محاكمات علنية تفضح حقيقة إجرامهم، وتحمي الجيش من الطعن في الخلف.
■ مقاطع مطولة من مقالة للكاتب - المحرر
www.bassam-alkadi.com/content/view/586/44