الافتتاحية: الشعب يريد وقف العنف
لعب العنف الذي مارسه متشددو طرفي الصراع في سورية خلال الأزمة دوراً حاسماً في تعميقها وتعقيدها وإيصالها إلى ما وصلت إليه، وإذا كانت الظروف الموضوعية العامة لوقف العنف والمرتكزة أساساً إلى التوازن الدولي وثبات عدم إمكانية «كسر العظم» لمصلحة أي من الطرفين، قد نضجت منذ أشهر عدة، فإن الجديد اليوم هو أن الظروف الذاتية هي الأخرى قطعت مراحل متقدمة في عملية نضجها، والمقصود هو درجة اضطرار القوى المختلفة للتوجه نحو وقف العنف، الأمر الذي تظهر إشاراته واضحةً في الموقف السياسي العام للنظام ومعارضاته السياسية المختلفة من جهة وفي المزاج الشعبي العام، بما فيه بعض المسلحين السوريين الراغبين في وقف العنف، من جهة أخرى، إضافة إلى إحجام معظم القوى الدولية والإقليمية- التي اعتمدت مقارباتها على ترويج العنف سابقاً- عن تأييده علناً اليوم وتوكيل وتوريط بعضها الآخر في مواصلة هذا الدور المتشدد، مثل فرنسا وبريطانيا وقطر، والتي ستكون الخاسر الأكبر مع انطلاق الحل السياسي عبر خروجها من المعادلة السورية إلى حد كبير..
إن الهدف الأساسي من العنف الذي مورس طيلة الفترة الماضية كان قطع الطريق على التغييرات الجذرية والجوهرية المطلوبة لمصلحة السواد الأعظم من السوريين بما يضرب بشكل مباشر مصالح المتشددين والفاسدين في الطرفين، إذ أن تطوراً سلمياً للحراك الشعبي كان سيسمح بتكون صف وطني واسع في وجه الفاسدين والمرتبطين بالخارج، يكسر الاصطفافات الوهمية بين موال ومعارض. وكان العنف أيضاً وما يزال أداة أساسية في تهيئة أرضية خصبة للانقسامات الطائفية والعشائرية التي تمنع تكون ذلك الصف الوطني، وفي المحصلة فإن العنف المتبادل بنتيجته السياسية لعب دور الأداة الضاربة والأولى في محاولة تمرير المشروع الأمريكي التفتيتي في سورية سواء في مرحلته الأولى من خلال تجهيز «بنغازي» سوريّة يتبعها التدخل العسكري المباشر، أو في مرحلته الثانية مرحلة «إحراق سورية من الداخل» بتدخل غير مباشر عبر درجة من العنف والاستنزاف تنهار أمامها الوحدة الوطنية، بعد انهيار مقومات عيش المواطن السوري..
وبالمنطق المعاكس لعملية العنف وتجلياتها وأهدافها، فإن الحل السياسي اليوم يشكل البوابة الأساسية التي يمكن من خلالها كسر جميع الأهداف التي استخدم العنف لتحقيقها، فهو سيفتح الطريق لإعادة الاصطفاف بخصوص القضايا الأساسية، وطنياً واقتصادياً- اجتماعياً وديمقراطياً، وليس على أساسات وهمية كما هو الأمر حتى الآن.
وبانطلاق الحل السياسي فإن تحالفات جديدة ستظهر على ساحة الصراع لا يمكن للذين يفكرون وفقاً للإحداثيات الحالية للصراع تصديق إمكانية حدوثها، ومن ذلك أن تتحالف ميليشيات التشدد والفساد في صفوف المسلحين والنظام ضمن معادلة ظاهرها صراع طائفي وباطنها اقتسام للنهب. فيمكن للحل السياسي أن يعرض أمامنا بالصوت والصورة توافق متشددين من النظام مع متشددين من المعارضة حول عدد من القضايا الأساسية التي تخص القضايا الديمقراطية والقضايا الاقتصادية الاجتماعية وحتى السياسية في القضايا الوطنية الكبرى.. ولعل «تحالف اللصوص» هذا، هو بديل العنف الاستراتيجي لديهم لأنهم سيكونون مجبرين على تغيير أدواتهم، دون أهدافهم، مع تقدم الحوار والحل السياسي..
وبالمقابل وبنتيجة إنجاز الحل السياسي السوري الآمن بكامل مفرداته، يمكن للمسلحين السوريين غير المرتبطين بالخارج أن يشكلوا في مرحلة ما قوة إضافية إلى جانب الجيش العربي السوري في ضرب المسلحين الأجانب وردهم من حيث أتوا.
إن الشعب السوري اليوم بأغلبيته الساحقة المنهوبة والمتضررة من سياسات المتشددين والفاسدين ووعودهم الخلبية، تريد وقف العنف ليس هروباً من المعركة الوطنية المستحقة، ولكنهم يريدون معركتهم الحقيقية التي لا يقتل الفقراء فيها بعضهم بعضاً، إنما يريدون معركة يقفون فيها معاً في وجه اللصوص الموجودين في الأطراف جميعها، ليحافظوا على وحدة بلدهم ولينجزوا التغيير الديمقراطي والاقتصادي- الاجتماعي الجذري والشامل والذي يعيد إليهم حقوقهم المسلوبة وليثبتوا مؤسسة جيشهم الوطني بصفتها ضمانة رئيسية لوحدة سورية تمهيداً للانتقال بها من الممانعة إلى المقاومة وصولاً للتحرير.
ومن أجل ذلك كله فإن الشعب السوري يريد وقف العنف..!