مناخ الحل السياسي.. كيف يؤمَّن؟
لا وجود لانتصار عسكري يمكن تحقيقه في الأزمة السورية. إنها الحقيقة التي رسخها واقع التوازن الدولي الصفري، الذي جاء ليمنح السوريين فرصة لم تُعط لغيرهم من شعوب البلدان العربية التي شهدت تغييرات تجميلية لأنظمة حكمٍ استمات الغرب في سبيل الإبقاء على جوهرها الاقتصادي-الاجتماعي والسياسي. إنها الحقيقة التي على أساسها يُفسَّر التوجه العام نحو اعتماد الحل السياسي بديلاً وحيداً عن الحرب العسكرية، وللحل السياسي الحقيقي مناخه الخاص الذي يمكن له أن ينمو فيه ليثمر للسوريين التغييرات الحقيقية التي ينشدونها.
إن العمل على تأمين هذا المناخ يبدأ بخطواتٍ يجب أن يتم إنجازها اليوم مما يسهل الحل السياسي من جهة، ويزيد من مقومات نجاحه من جهةٍ أخرى.. إن إنجاز هذا العمل هو مهمة تقع على عاتق السوريين جميعاً، وهذا ما لا يمكن إنكاره أو توريته، ولكن التعميم هذا لا يعني إسقاط المهام المباشرة الملقاة على عاتق أطراف الأزمة مهمة تحقيقها في أسرع وقتٍ ممكن، وهنا يمكن الاعتماد على جملة من القضايا العالقة التي يمكن لها، فيما لو عولجت، أن تزيد من التوجه العام نحو الحل السياسي وتوفر بعضاً من الوقت اللازم لمعالجتها على طاولة الحوار السياسي في آن معاً..
أ. وقف العنف من كلا الطرفين:
يتم تداول مطلب وقف إطلاق النار من البعض على أنه شرط لا يمكن دون تحقيقه، بشكلٍ تام، التوجه نحو الحل السياسي عبر الحوار، بينما في الواقع يمكن تخطي هذا المطلب والبدء بالحوار، فهو كفيل بتقليص حجم العنف لمصلحته فيما بعد إذا ما كان جدياً وتطرق للمطالب المحقة التي يرفعها بعض المسلحين السوريين، إلا أنه ورغم إمكانية الحوار في ظل تضاؤل العنف لا يمكن نفي دور وقف إطلاق النار في تأمين المناخ المناسب للحوار.
من هنا يجب أن تتضافر جهود السوريين جميعاً في سبيل تحقيق وقف العنف، وذلك عن طريق تفعيل دور لجان المصالحة الوطنية في المحافظات والقرى السورية بما يزيد من الميل العام للمسلحين السوريين نحو الاقتناع بضرورة الانخراط في العملية السياسية في البلاد.
ب. ملف المعتقلين السياسيين:
ضيَّق النظام الخناق على الحركة الشعبية عبر الاعتقال، ليشكل ملف المعتقلين السياسيين، طوال شهور الأزمة، مساحةً للاستثمار السياسي من كلا الطرفين. فبعض قوى «المعارضة» اللاوطنية وجدت في تبنيه كمطلب سبيلاً لتضفي على نفسها شرعيةً ما، والنظام يبقي عليه دون خطواتٍ جديَّة لحله، ليستعمله كورقة في أي حوارٍ سياسي مرتقب، وهنا تجدر الإشارة إلى أن المبادرة الحكومية للحل السياسي قد أجلت البت في هذا الملف إلى مراحل متأخرة من بنود المبادرة، إذ يجب حسب المبادرة «وقف العنف، ضبط الحدود، وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين، البدء بتأهيل البنى التحتية للمناطق المتضررة، عودة المهجرين، تقديم ضمانات لمعارضة الخارج لدخول البلاد ... إلخ» ليصار بعد ذلك كله إلى إطلاق سراح المعتقلين السياسيين «ممن لم تثبت إدانتهم» !!
إن العمل على إطلاق سراح المعتقلين السياسيين بشكلٍ فوري هو ضرورة وطنية بامتياز، لأن اتخاذ هذه الخطوة يقطع الطريق على من يريد أن يستثمر هذا الملف لمصلحته أولاً، ويسرع من وتيرة الحل السياسي بما يبنيه من عامل ثقة ضروري لتحقيق المصالحة الوطنية ثانياً..
جـ. ملف المهجرين والمتضررين جراء الأحداث:
فتحت الأزمة الباب لما لا يقل عن 2.5 مليون حالة نزوح داخل سورية ( تقرير وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل)، عدا عن حالات النزوح لبلاد الجوار، التي يقاسي فيها السوري ما يقاسيه من سوء معاملة وإهمال. وأصيبت كذلك الممتلكات الخاصة للمواطنين السوريين بأضرار كارثية..
في الواقع، إن التسريع في التعويض على المتضررين من جهة، والعمل على إعادة المهجرين إلى منازلهم من جهةٍ أخرى من شأنه أن يخفف الأعباء على الحل السياسي، فذهابنا إلى طاولة الحوار محملين بإشكاليات قطعنا شوطاً جيداً في معالجتها سيوفر في الحد الأدنى الوقت والجهد اللازمين لإنجاز المهام الكبيرة التي ستتمخض عن الحوار السوري..