الهجوم على جبهة الحل السياسي
تكشف تطورات الأيام القليلة الماضية عن أزمة القوى الإقليمية والدولية ذات المواقف المتشددة والداعمة للعنف في سورية، وتستمر الاتصالات الدبلوماسية في هذا السياق لتوضح حجم مأزق القوى المختلفة المؤججة للصراع في سورية الأمر الذي سيؤدي بالضرورة إلى تراجعها لاحقاً وقريباً باتجاه فرض الحل السياسي عليها.
إن هذا الوضع يؤكد صحة الموقف الذي طالما تم التعبير عنه، بأن لا أحد قادر على حسم المعركة بالمعنى العسكري، وأن الخيار الأساسي هو الخيار السلمي القائم على الحوار فرغم قعقعة السلاح المستمرة فإن القوى المتشددة تعيش حالة من انعدام الوزن، وتترك فراغاً ينبغي الإسراع في استثماره..
لا شك أن بدء تراجع تلك القوى الاقليمية والدولية وتخبطها، القوى التي جعلت من نفسها طرفاً مباشراً في الأزمة، يأتي نتيجة منطقية لتبلور ميزان القوى الدولي الجديد أكثر فأكثر، فتراجع الدور الأمريكي على المستوى الدولي يؤدي حكماً الى تراجع دور الوكلاء الاقليميين وإلى التخلي حتى عن بعض حلفائهم في الداخل عبر إيهامهم بإمكانية الحسم وتقديم الوعود الكاذبة لهم بالتدخل، ورأينا كلينتون تنعي مجلس اسطنبول ليتحول إلى ما يسمى المبادرة الوطنية بعد أن انتهت وظيفة الأول، ولكن ذلك لا يعني بأن الأهداف قد تغيرت بل أن ما يجري هو فقط تغيير في الأدوات والوسائل.
وإذا كان الوضع الإقليمي والدولي الناشئ يشكل عاملاً هاماً لفتح الطريق أمام الحل السياسي، فإن الحل لا يمكن أن يكون إلا داخلياً لأن النتيجة الطبيعية لتوازن دولي صفري هو تقدم أولوية الحل الداخلي، ولهذا ينبغي الاستعداد للحل الداخلي ونزع زمام المبادرة من يد القوى المعادية لسورية كوطن وشعب والهجوم على جبهة الحل السياسي، وخصوصاً في الوقت الحرج الذي ينتقل فيه الأعداء من سيناريو إلى الذي يليه عبر إعادة هيكلة المعارضة المرتبطة بالخارج بشكل يسمح لها بلعب دور أكبر في الداخل، ولذا يجب معاجلتها ببدء حوار وطني يهشم بنيتها الغضة ويقطع عليها الطريق الذي تنوي مع من وراءها من خلاله سرقة دم السوريين.. ومن هنا فإن الرأي الذي يردده البعض في النظام والقائل بتأجيل الحل السياسي إلى ما بعد حسم المعركة عسكرياً من شأنه أن يضيع فرصة الاستفادة من توازن القوى الدولي الجديد ومن الظرف الراهن الهش للمعارضة غير الوطنية، وإذا كان تجريب العنف والحلول العسكرية لم يقدم حلاً طوال الوقت الماضي للأزمة فإن المؤكد أن مزيداً من العنف سيولد مزيداً من العنف، وينبغي لذلك فسح المجال أمام الحل السلمي القائم على الحوار ليجرب حظوظه في وقت لم ينجح فيه ما هو سواه في الخروج من الأزمة..
إن استحالة الحل العسكري في الظروف الحالية لا تقلل من دور وقيمة الجيش العربي السوري، وهذا بالذات ما يحمّل كل الوطنيين مسؤولية إضافية في الدفاع عنه والحفاظ عليه وإخراجه من دوامة العنف المتصاعد عبر تسريع الحل السياسي كي يستمر في دوره الوظيفي في مواجهة العدوان الخارجي وخاصة (الاسرائيلي).
وانطلاقاً من كل ذلك فإن القوى الوطنية السورية مدعوّة إلى حسم خياراتها والبدء فوراً بحوار وطني جدي وعلني يخلق الأمل عند السوريين ويعزز من دور المواقف الدولية والإقليمية الناشئة.
إن الحوار المنشود وانطلاقاً من كل التعقيدات القائمة يجب أن يتجاوز تجربة اللقاء التشاوري في تموز 2011 التي جُمدت، ويجب أن يكون غير محدد زمنياً أي مفتوحاً، ومصحوباً بإجراءات ملموسة على الأرض تعزز ثقة الشعب، كما يجب عدم إغلاق قائمة المشاركين، فهذا الحوار إذا كان صادقاً وجدياً فستشارك فيه قوى كثيرة لاحقاً بالتأكيد. كما أنه يجب إبقاء جدول الأعمال قابلاً للتطوير باكتمال دائرة المشاركين فيه..
والحوار وفق هذه الصيغة يتوافق مع صمود الشعب السوري الذي أظهر حساً وطنياً، وشعوراً عالياً بالمسؤولية خلال فترة الازمة، أما المزيد من التسويف والمماطلة فسيفرّط بكل تضحياته التي قدمها دفاعاً عن وحدته ووحدة أرضه.
إن الانتقال إلى الحل السياسي وإجراء الانعطاف التاريخي المطلوب سيغير كل احداثيات الأزمة وسيحرق كل الاوراق التي يراهن عليها أعداء الشعب السوري الذين يجدون البيئة المناسبة لتنفيذ مشاريعهم في أجواء العنف.