تسليم السلاح أم إلقاؤه؟
تتعامل قوى التشدد في النظام السوري مع المتغير السياسي الجديد بعقلية المنتصر، وتتغافل عن البرهان الذي قدمه الواقع السوري ليدلل على استحالة نجاح الحل العسكري الذي يضمن انتصار أحد قطبي الثنائية الوهمية «موال- معارض» على الآخر. وتأتي الدعوات المتكررة التي يوجهها الناطقون باسم قوى التشدد في النظام للمعارضة المسلحة بأن «سلمونا أسلحتكم، نعطيكم إذن الجلوس على طاولة الحوار..» لتشكِّل إحدى أهم فصول التعامل بعقلية المنتصر هذه. هذا ما يدفعنا إلى معرفة الفارق ما بين الدعوة لإلقاء السلاح، والدعوة لتسليمه..
لا غالب ولا مغلوب
من بديهيات العلوم العسكرية أنه لا يسلم أحد القطبين المتصارعين في الحرب سلاحه للقطب الآخر، إلا في تلك الحالة التي يكون فيها أحد القطبين هذا قد شُلَّت قدرته بالمطلق، وأخذت قوة موقعه في الحرب تتلاشى لمصلحة الطرف الآخر المنتصر بالضرورة. ولا يعني الانتصار هنا، تلك الجزئيات وتفاصيل النجاحات التي قد يحققها أحد الطرفين، خاسراً كان أم رابحاً، في ميدان محدد من ميادين الحرب، إنما المقصود من الانتصار هو أن يكون مجمل الخط البياني للحرب يشير بوضوح إلى تقدم أحد طرفي الحرب وتراجع الآخر..
في الحالة السورية، فإن كلاً من النظام السوري والمعارضة المسلحة فاقد للحظوظ التي تشير إلى إمكانية انتصار أحدهما، فالتوازن الدولي الصفري وما لحقه من توازن داخلي عسكري صفري قد وضعا حداً لمجموع هذه الآمال، ومهّد الطريق لظهور البديل المتمثل بالحل السياسي عبر الحوار وصراع الأفكار..
من هنا، وانطلاقاً من حقيقة أنه لا وجود لمنتصر في الحرب الحالية في سورية، فإذا ما اتجه بعض المسلحين إلى إلقاء سلاحهم، فإن في هذا خطوة منهم باتجاه اعتماد الحل السياسي بعد أن تشاطروا مع متشددي النظام مرارة استحالة ما سمي بالحل العسكري. والتعامل مع هذه الخطوة يجب أن يكون مسؤولاً، يأخذ في الحسبان الوضع الكارثي الذي وصلت إليه البلاد بعد سنتين من الانسحاق بين حجري رحى الحرب العسكرية.. وهنا يبدو الفرق جلياً بين القوى الوطنية التي دعت المسلحين إلى إلقاء سلاحهم والتكيف مع المتغير السياسي، وبين قوى التعنت والتشدد في النظام التي أرادت أن تضرب التوجه العام للمسلحين السوريين نحو الحل السياسي عبر فرض مطلب «تسليم السلاح» قبل الجلوس إلى طاولة الحوار، متمسكةً في ذلك بعقلية المنتصر الأوحد التي أثبتت مجريات الأحداث زيفها وبطلانها.
الضرورة الوطنية.. ملاقاة المسلحين
تبدو المطالبة بـ «تسليم السلاح» قبل الحوار، تماماً كمطلب «رحيل النظام» قبل الحل السياسي، فمن حيث الجوهر يتلاقى كلا الطرحين في تعنت من يتبناهما بمواقفه، وابتعاده عن العقلانية في الطروحات السياسية. إن مطالبة قوى التشدد في النظام للمعارضة المسلحة بتسليم سلاحها يهدف في الواقع إلى إرسال توصية غير معلنة إلى المعارضة المسلحة بأن «لا ترموا أسلحتكم، ولنستمر في حربنا» مما يعرقل الطريق أمام الحل السياسي الذي فيما لو اتخذ مساره الصحيح سيضر مواقع الفاسدين في كلا الطرفين حتماً، وسيستقطب ضده قاعدتهم الشعبية التي يعتمدان عليها كوقود لنار اقتتالهم..
وهنا يصبح واضحاً أن دعوات تسليم السلاح ما هي إلا محاولة لإثبات الوصاية على الحل السياسي من متشددي النظام، وبالمقابل فإن دعوات رحيل النظام قبل الحوار ما هو كذلك إلا محاولة مماثلة من متشددي المعارضة.
لا بد لنا من أن ندرك، أن ملاقاة المسلحين القابلين للحوار بروح المسؤولية التي تدرك جيداً الظرف الاستثنائي الذي تمر فيه سورية هو ضرورة وطنية تقع على عاتق السوريين جميعاً. وإن المسلحين هؤلاء لن يسلموا سلاحهم إلا في خطوات لاحقة، يكون النظام السياسي الجديد في سورية قد أخذ بالتبلور بعد الحوار والاتفاق ما بين السوريين على شكل سورية الجديدة التي ينشدون..