عشية الحوار.. لابد من حيز للآخر
تؤكد النظرة المتأنية إلى الوضع الراهن في سورية اليوم أن المناخ السياسي السائد يفتقد إلى حيز كاف من تقبل الآخر مساعد على إطلاق حوار وطني، وضامن للسير بالبلاد إلى معبر آمن نحو المستقبل، ويبدو واضحاً أن أهم تجليات ضيق هذا الحيز هو استمرار اعتماد الحل الأمني فقط، وإن التخلي عن تخوين المحتجين السلميين، سيكون مؤشراً على انفراجة قادمة، لاسيما إذا تزامن مع التخلي التدريجي عن الحل الأمني الذي يفضي في نهاية المطاف إلى إخراج قوى الأمن وما تحمله من أسلحة خارج لوحة الأحداث، بما يسقط حجج «المندسين المسلحين»، ويمنعهم من ممارسة «أجندتهم الفوضوية» التي يجب أن يقف أبناء الوطن جميعاً في وجه تنفيذها.
أما على الضفة الأخرى، وبمعزل عن القوى المشبوهة التي تسعى لامتطاء حركة الاحتجاجات، فيبقى على المحتجين الذين يخرجون للتظاهر السلمي أن يعيدوا التفكير بشعاراتهم بحيث يطهرونها مما شابها جراء محاولات «التجيير» المستمرة منذ بدء الاحتجاجات، وصولاً إلى جدولة مطالبهم بشكل أكثر وضوحاً يعينهم في تحصيلها، ناهيك عن تحصيل رضا الشرائح الصامتة والنظام في الوقت نفسه، وبهذا يصبح القول إن على المتظاهرين التخلي عن رفع شعار «إسقاط النظام»، في حين يكون على الطرف المقابل الاعتراف بشرعية التظاهر السلمي والتوقف عن النظر إلى المحتجين بعين الريبة فقط، ومن نافذة العلاقة بالتدخل الأجنبي الذي يرفضه كل السوريين بمن فيهم المتظاهرون أنفسهم على أغلب تقدير، وعليه فإن هؤلاء- الأخيرين- بحاجة إلى مساحة لا قلق فيها بحيث يتمكنون من صياغة مطالبهم المحقة والاتفاق عليها، ومن تنظيم نشاطاتهم السلمية تحت شعارات ترسّخ شعورهم بالانتماء الوطني من جهة، ويؤكدون من خلالها تمسكهم بحقوقهم المشروعة وبالوحدة الوطنية وبنهج المقاومة من جهة أخرى.
كل ذلك في سبيل تحقيق التهدئة المطلوبة لخلق مناخ صحي غير متوتر يساعد في إطلاق الحوار الوطني الحقيقي الهادف إلى ضمان مستقبل سورية ومستقبل أبنائها ومنتجيها. ولئلا تفهم هذه الاقتراحات خطأً فلابد من التأكيد على أن الهدف منها هو خلق مناخ أولي يساعد في تقريب وجهات النظر تمهيداً لإطلاق الحوار الوطني المرتقب واستمراره على أرضية صلبة يمكن لها أن تفضي إلى نتائج تقطع الطريق على التدخل الأجنبي الذي لا يسوغه سوى استمرار القمع والخلط بين المدنيين و«المندسين» من جهة السلطات، واستساغة بعض «المحتقنين» لما تروجه القوى المشبوهة في الخارج من شعارات، شكلها الظاهري يضمر أهدافاً تضر بمصالح كل السوريين بمختلف شرائحهم.
والأمل كله معقود الآن على ما سيقدمه الحوار الوطني- الذي يجب أن يبدأ بأسرع وقت ممكن- لأجل وضع سورية وطناً وشعباً على السكة الصحيحة نحو مستقبل تحدد ملامحه جميع القوى الوطنية من متظاهرين وأحزاب وقوى سياسية وهيئات مدنية ممثلة بجمعيات المجتمع الأهلي والشخصيات المثقفة الواعية إلى انتمائها، على أن يكون الحوار علنياً وشفافاً تنقل وقائعه مباشرة عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وتدعى إلى مؤتمراته الصحفية كل وسائل الإعلام العالمية والمحلية، وذلك على الأقل بعد الاتفاق على النقاط الأساسية القابلة للنقاش.
تعيش سورية وطناً واحداً موحداً.. يعيش الشعب السوري العظيم حراً مقاوماً.. ويسقط التدخل الأجنبي وأشخاصه أينما وجدوا.