نحو حوار وطني شامل علني وشفاف

جاء مرسوم العفو الصادر عن السيد رئيس الجمهورية وما تبعه من قرار بتشكيل هيئة مهمتها وضع الأسس لحوار وطني، في ظروف داخلية وخارجية معقدة تتطلب مواجهتها جهوداً خارقة وإبداعية في معالجتها على المستوى الوطني والاجتماعي والديمقراطي.

ففي ظروف ازدياد مخاطر التدخل الخارجي الدولي السافر وعلى جميع المستويات بشؤون سورية الداخلية، عبر التصريحات وفرض العقوبات والحملات الإعلامية المعادية، والتحضير لاتخاذ قرارات في مجلس الأمن وصولاً لعقد ما يسمى «مؤتمر أنطاليا» في تركيا الأطلسية، جاء استحقاق الدخول في حوار وطني لمعالجة الأزمة الداخلية وضرورة الخروج منها بحلول جذرية حقيقية وشاملة ودون تأخير، لأن المصلحة الوطنية العليا تتطلب ذلك بعد كل ما شهده وطننا من تراكم للمشكلات وازدياد منسوب الاستياء الشعبي وخطورة حجم الفجوة بين المجتمع والدولة مما يعرض الوحدة الوطنية لأكبر المخاطر.

عند الحديث عن الحوار الوطني في سورية، لابد من التأكيد على أنه ينبغي ألاّ تشارك فيه إلاّ قوى لا شبهة وطنية عليها لا في ماضيها ولا في حاضرها، وخصوصاً فيما يتعلق بمسألة الاستقواء بالخارج على الوطن.

وإذا كان الحوار الوطني وسيلةً، فإن الهدف الأكبر لما ستصل إليه سورية بعد الحوار هو تعزيز الوحدة الوطنية والدفاع عن كرامة الوطن والمواطن حتى يتسنى لها مواجهة أعداء الخارج وأتباعهم في الداخل.

وهنا لابد من التأكيد على ضرورة إجراء حوار وطني علني وشفاف لا تشارك فيه قوى سياسية وطنية مستقلة فقط، بل يجب أن تشارك فيه كل قوى المجتمع المهتمة بالشأن العام، وهذا يتطلب أن تكون جلسات الحوار ومواضيعه معلنة على كل وسائل الإعلام الوطني المرئية والمسموعة والمقروءة والإلكترونية، حتى لا يشعر أحد ما في المجتمع أن هناك من يقرر عنه دون علمه ومشاركته.

وهذا يؤدي إلى إقناع الشارع والرأي العام الداخلي بأن الحوار وطني صرف ولا يتأثر بإملاءات خارجية، وكذلك لا يخضع لأية اعتبارات عرقية أو عشائرية أو مناطقية أو فئوية، وهي مفاهيم مرفوضة وتعيدنا لما قبل قيام الدولة الوطنية الجامعة.

نحن مع الإسراع في إطلاق الحوار دون أن يعني ذلك القفز فوق ضرورة إنضاج كل القضايا التي ستطرح على بساط الحوار الرصين والمسؤول، خصوصاً أن الحوار هو ممر إجباري للخروج من الأزمة ووضع الأسس الصحيحة لبناء الدولة القوية والعادلة، والتي على رأس أهدافها تأمين كرامة المواطن في «كلمته ولقمته» لأنه الأساس في الدفاع عن كرامة الوطن.

إن اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين تؤكد أن أهم مواضيع الحوار العتيد يجب أن تتمركز على ثلاثة اتجاهات رئيسية هي:

1 ـ اقتصادياً واجتماعياً:

التأكيد على دور الدولة الاقتصادي- الاجتماعي ومنع تمركز الثروة بأيدي قلة من طواغيت المال حتى تتمكن من معالجة قضايا الفقر وغلاء الأسعار وازدياد معدلات البطالة وتردي معدلات النمو وغياب العدالة الاجتماعية، وهذا يتطلب:

ـ القطع الكامل مع السياسات الاقتصادية الليبرالية المتوحشة التي طبقت في مرحلة الحكومتين السابقتين، واللتين يجب محاسبتهما سياسياً وشعبياً وقانونياً.

ـ وهذا يفرض التفكير بصياغة نموذج اقتصادي جديد قادر على تحقيق أعلى نمو ممكن وأعمق عدالة اجتماعية، ولدى سورية كل الإمكانات لتحقيق ذلك.

ـ الحرب على قوى الفساد واجتثاثها لأنها تتحمل القسط الأكبر مما يحدث في البلاد الآن، وكنا ومازلنا نصفها بإحدى أهم بوابات العبور للعدوان الخارجي.

2 ـ على المستوى السياسي والديمقراطي:

ـ إذا كان قانون الانتخابات الحالي قد أضعف وشل الحركة السياسية في البلاد، وأنتج سلطة تشريعية غير قادرة على محاسبة السلطة التنفيذية، فإن مشروع قانون الانتخابات الجديد وبصورته الحالية- ولا يتسع المكان لمناقشته تفصيلاً- لا تجعله يختلف عن سابقه إلا في القضايا الشكلية- الإجرائية، وهذا يتطلب من المشاركين بالحوار الوطني معالجة الخلل في مشروع القانون الجديد بحيث يتحول إلى قانون عصري تكون فيه البلاد دائرة انتخابية واحدة وعلى قاعدة النسبية.

ـ الإسراع في إصدار قانون للأحزاب على أساس وطني شامل يمنع قيام أية أحزاب على أساس الانتماء القومي أو الديني أو العشائري، وهذا يتطلب إجراء التعديلات الدستورية المطلوبة، والتي يريد البعض الآن سحبها من التداول.

ـ إصدار قانون الإعلام والمطبوعات بما يؤدي إلى قيام السلطة الإعلامية الرابعة ولعب دورها في كشف مواقع الخلل والحرب على الفساد وتعميق الثقافة الوطنية في البلاد.

3 ـ على المستوى الوطني العام:

ـ طرح موضوع تحرير الجولان على الشعب كقضية وطنية جامعة عبر المقاومة الشعبية واستعادة زمام المبادرة والانتقال من دور الممانعة والدفاع إلى دور قيادة المقاومة لتحرير الأرض واستعادة دور سورية الإقليمي عربياً وفي كل هذا الشرق العظيم.

ـ إن ما نراه الآن من ازدياد العدوانية الأمريكية- الصهيونية تجاه بلدنا وشعوب المنطقة لا يمكن مواجهته والانتصار عليه إلاّ بتعزيز الوحدة الوطنية وتعبئة قوى المجتمع على الأرض استعداداً للمواجهة المرتقبة والقريبة، لأن استراتيجية التحالف الإمبريالي- الصهيوني هي نقيض السلام على طول الخط.

وهذا يجعل الالتزام بخيار المقاومة الشاملة أحد أهم ركائز الحوار الوطني المنتظر.