المحامي محمد عصام زغلول المحامي محمد عصام زغلول

القضاء الإذاعي والتلفزيوني!

مارس الإعلام الرسمي السوري منذ نعومة أظفاره - لا أظفارنا - أدواراً توعوية هامة جداً على الساحات والأصعدة المختلفة والمتباينة، الاقتصادية، والتربوية التعليمية، والشبابية التحررية، وغيرها غيرها من الأدوار الاجتماعية البناءة!

هذا ويتمتع جميلات ووسيمو مذيعينا بثقافات واسعة، وفصاحات عالية، تمكّنهم من تلبّس الدور الفعال كما يجب عليه، وكما هو عليه..

ولا شك أن تطور المجتمعات التسارعي، ألقى بظلاله على إعلامنا المتعاظم، خاصة في هذه الأزمة التي تمر بها البلاد، والتي كان فيها مثالاً مهنياً يحتذى، بل حُق أن يضرب المثل به!

لكن أحداً لم يكن يتوقع أن يتحول ويترقى هذا العملاق الإعلامي من مرحلة (الشرطة في خدمة الشعب) والتعليقة المشهورة (ندمان)، إلى مرحلة أعلى رتبة!

فالإعلام التلفزيوني والإذاعي اليوم يعلن اليوم أنه القضاء العادل.. الذي تكتشف لديه الجرائم، وتلقى في عتباته الاعترافات، ويحكم على شاشاته بإدانة المجرمين، والمسلحين، والقتلة، والمخربين!!

يخرج علينا أشخاص (مجرمون) يعترفون بجرائمهم، ويوضحون خطط تخريباتهم، ويذكرون أسماء شركائهم (درى أولاكم بما جرى أو لم يدر)، ويريحون القضاء الحقيقي – بنيابته وقضاة حكمه - من شر وتعب الاستجوابات والتحقيقات وجمع الأدلة وتوافر أركان الجريمة ودراستها، وقد يبقون للقضاء مهمة الحكم عليهم، أو ربما يحكم الإعلام - بالمعية - عليهم بأقصى العقوبات متذرعين بأن الاعتراف سيد الأدلة!.

وقد كنا نسمع من ذي قبل قول القاضي للمتهم، هل اعترافاتك أمام أجهزة الأمن صحيحة، وغالباً ما يكون الجواب: لا.. لأنها أخذت تحت الضغط، بين معكوفتين!!!

ولكن السؤال الذي قد يوجهه القاضي للمتهم الآن: هل اعترافاتك أمام أجهزة الإعلام صحيحة..؟!

هذا ويضاف إلى الدور القضائي المستقل الذي يقوم به الإعلام اليوم دور غريب.. معارض لسياسة الدولة، بل معادٍ لها!

ففي حين استقبل رئيس الدولة ذوي الطفل الشهيد حمزة الخطيب - الذي حفرت صوره القاسية تلافيف أدمغتنا – واعداً إياهم بتشكيل لجنة سريعة للتحقيق في ملابسات الحادث، ومحاسبة كل من يظهر التحقيق أنه الوحش أو المسخ الذي فعل ذلك.. في الحين ذاته.. عرض الإعلام المحقق والحاكم والقاضي.. اعترافات لأصدقاء حمزة الخطيب، أكدوا بكامل المسؤولية أنهم كانوا يتوجهون مع صديقهم حمزة للجهاد، حاملين أسلحتهم لضرب المساكن!! فيما أكد الإعلام عينه بشكل لا يدع أي مجال للريبة أن حمزة الشهيد لم يكن معتقلاً ولا للحظة واحدة!

إذاً فلمَ اللجنة التي سيشكلها رئيس الجمهورية، ولمَ التحقيقات ، ولمَ ضياع الأوقات؟! فها هو الإعلام قد حقق، وها هو قد حاكم، وها هو قد أظهر الحقائق دون نقصان!!

في الختام.. يبقى لي أن ألتمس من مقام الإعلام الكريم - كمحام - أن يبدأ باستقبالنا نحن المحامين.. مترافعين عمن تظهر تحقيقاته العظيمة أنهم مدانون أو مجرمون أو هالكون، باعتبار أن حق الدفاع عن أولئكم يكفله الدستور..

هذا إن كان الإعلام.. بكل علومه.. يعلم بوجود الدستور!!

أما وإن كان يعلم بوجوده، فهل يعلم بشأن الفصل بين السلطات.. اختصاصاتها واستقلالها؟!

وإن سمحت سابقاً الزراعة والصناعة وغيرها للإعلام أن يتدخل بشؤونها، فهل يا ترى سيسمح القضاء للإعلام، لا أن يتدخل بشؤونه، بل أن يأخذ دوره، ومهمته؟!

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.