ملتقى طهران.. وتعميق الفرز الوطني

جاء انعقاد ملتقى الحوار الوطني السوري في العاصمة الإيرانية طهران الأحد 18  11- 2012  كثاني مبادرة سياسية تجمع قوى وطنية من المعارضة والنظام على طاولة واحدة، بعد مؤتمر تموز التشاوري في دمشق 2011، ولكنها الأولى بعد تأكّد عقم العنف المتبادل عن إنجاب أي انتصار لأي من الأطراف المتقاتلة، كنتيجة محلية تعكس على الأرض السورية ميزان القوى الدولي بمحصلته الصفرية، وتؤكّد على مفردات الحلّ الآمن للخروج المنشود من الأزمة السورية بأقل التكاليف والخسائر على الشعب السوري، بوصفه حلاً سياسياً شاملاً عبر حوار وطني جامع، يتماشى مع الدور التاريخي للشعب السوري كجزء لا يتجزأ من محور الشعوب المقاومة والممانعة المعادية للإمبريالية والصهيونية.

بين الملتقى الوطني،والائتلاف اللاوطني

بالاطلاع على البيان الختامي للملتقى الوطني في طهران، ومقارنته بوثيقة «ائتلاف الدوحة» لما يسمى «قوى المعارضة والثورة السورية»، يتبين التناقض بينهما حول القضايا الجوهرية وخاصة الموقف من القضية الوطنية والديمقراطية.

- ففي حين يؤكّد الملتقى الوطني في البند الثاني من بيانه على «ضرورة الحوار الوطني الشامل بغاية الوصول إلى مخارج و بأقل التكاليف»، ينصّ البند الثالث لوثيقة الدوحة على أن «يلتزم الائتلاف بعدم الدخول بأي حوار أو مفاوضات مع النظام».

- ويتفق الائتلاف «على إسقاط النظام بكل رموزه وأركانه»،وعلى «دعم وتوحيد المجالس العسكرية الثورية ووضعها تحت مظلة مجلس عسكري أعلى»، التي تعني في التنفيذ العملي تدمير الدولة ومؤسساتها بدل «السماح لمؤسسات الدولة الخدمية بالعمل الآمن»، وبدل مطالبة «أطراف الصراع بإطلاق مجموع خطوات مفيدة بخلق أجواء الأمان للشعب السوري وتهيئة الأجواء لبدء الحوار ، وعلى رأسها ملف المعتقلين والمخطوفين ، وتسوية ملف الاعتقال القديم والمفقودين ، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المنكوبة» كما طالب الملتقى الوطني في طهران.

- وحول التناقض بين الرؤية الوطنية واللاوطنية في مسألة الديمقراطية، فإنه يتضح بالمرجعية المتخذة كمدد للشرعية، ففي حين طالب الملتقى بـ «إطلاق عملية سياسية وخارطة طريق يرسمها ويقررها السوريون أنفسهم دون أي تدخل خارجي، بغاية الوصول إلى التغيير الديمقراطي السلمي الشامل عبر صناديق الاقتراع». نجد أن ائتلاف الدوحة يستجدي كلّ جهات الأرض للاعتراف به، ويطلب شرعيته من القوى المعادية على طول الخط للشعب السوري، والتي لا تتردد في منحه بركاتها، فنرى فرنسا وأمريكا وتركيا ومجلس التعاون الخليجي-الصهيوني يعترفون بدميتهم الجديدة هذه، وأما الشعب السوري فلا يسأل رأيه، لأنّ ثلة «المعارضين» تلك، إمّا أنها تعتبر نفسها كلية المعرفة وأعلم بما في صدور السوريين، أو أنها تترفع عن سؤالهم لأنها تعاني كما النظام من المرض المزمن الذي طالما جعل عيون فضائهما السياسي المشترك البائد ينظر إلى الشعب كقطيع من الرعاع دورهم في الحياة هو التصفيق والتهليل وتقديم الأضاحي على مذبح المكاسب الانتهازية والأنانية الفاسدة. فالائتلاف يريد «تشكيل حكومة مؤقتة» يفرضها على الشعب السوري «بعد حصوله على الاعتراف الدولي»، وحتى حل تلك الحكومة المؤقتة لا علاقة للشعب السوري بها بل « بقرار يصدر عن الائتلاف». ويتابع ارتهانه للأعداء الدوليين والإقليميين للشعب السوري بتأكيده على أنّ « عضويته مفتوحة لكافة أطياف المعارضة السورية ثمرة للدعوة الموجهة من دولة قطر بالتنسيق مع الجامعة العربية»

- بالمقابل تأتي الرسالة التي بعثها الملتقى الوطني في طهران في البند الثاني عشر من بيانه حول إدانة الاعتداء الصهيوني الأخير على غزة فلسطين والجولان السوري، تأكيداً على التزام المشاركين فيه بالموقف الوطني التاريخي الثابت للشعب السوري، الذي يحاول عبثاً جبناء المعارضة اللاوطنية تشويهه، وتجاهله، استرضاءً لأمريكا والغرب الإمبريالي الداعم لهم وللصهيونية، بإدعاء أن هذا الموقف مفروض على الشعب من قبل النظام.

 

حول القضية

الاقتصادية-الاجتماعية

رغم كون الملتقى الوطني في طهران خطوة جيدة على طريق الحوار الوطني والمصالحة لحلّ الأزمة السورية، يبقى مجرد خطوة واحدة على طريق طويل، فهنالك عدة نقاط وملاحظات على هذا الملتقى منها:

 - قضايا الحوار، من المفهوم أنّ البيان يمثل توافقاً على القضايا الأساسية العامة المشتركة وطنياً بين السوريين معارضة وموالاة، وأنه ناقش ما يتعلق بتصور الخروج الآمن الإسعافي من الأزمة وسبله، ولكن الشيطان يكمن في التفاصيل، فلماذا لم يستطع المشاركون تضمين البيان الختامي إشارات صريحة للمسائل الاقتصادية-الاجتماعية، التي رغم كون حلها الجذري يتجاوز نطاق الملتقى، كونه حلاً بعيد المدى ويتعلق بمشاريع اليوم الأول بعد الخروج من الأزمة، إلا أنّ جزءاً من القضية الاقتصادية- الاجتماعية يتعلق مباشرة بالخروج الإسعافي للأزمة، فمثلاً حتى لو تمّ «السماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المنكوبة»، و«السماح لمؤسسات الدولة الخدمية بالعمل الآمن.»،  و «رفع مستوى المساعدات الإنسانية الاغاثية والمستعجلة منها خاصة المتعلقة بقضايا الطاقة والصحة والغذاء»، كما يطالب البيان الختامي، فهل يمكن ضمان وصول وتوزيع هذه المساعدات والخدمات على مستحقيها المحتاجين لها فعلاً، وعدم تعرضها للنهب والضياع بين أيدي الفاسدين، دون ابتكار آليات وأدوات قوية كافية وقادرة على ردعهم، ولا سيما الكبار منهم، وربما هنا بالذات يجب تطبيق أقسى قوانين الطوارئ، ولكن الموجّهة للدفاع عن مصالح الشعب ضدّ مستغليه. وهل يمكن تحقيق ذلك وغيره من حلول إنقاذية دون انعطاف ملموس وسريع نحو زيادة تحكم وتدخّل الدولة باقتصاد البلاد كما يجب أن تفعل في حالة الحرب؟ وهل تقدر الدولة أصلاً على هذا التحكم دون دعم ورقابة من الشعب نفسه، الأمر الذي يتطلب التسريع في تنفيذ مفردات المصالحة الوطنية التي باتت معروفة وبديهية.