الإصلاح السياسي: هل انتهى دور الشارع؟؟

ترتكز موضوعة «الإصلاح السياسي»، ضمناً، إلى وجود «خطأ سياسي»!. ولكن هل هناك فعلاً ما يمكن تسميته سياسة خاطئة وسياسة صحيحة؟.

الحقيقة أن السياسة كتكثيف للاقتصاد، ليست سوى تعبير مكثف عن مصالح الطبقات الاجتماعية المختلفة. فالسياسة الصحيحة بالنسبة للأغنياء، هي في الوقت ذاته خاطئة ومجحفة بحق الفقراء. ولكن بعيداً عن الصحيح نسبياً وعن الخاطئ نسبياً، فإن الصحيح بالمطلق هو أن أية سياسة يجب أن تبنى لكي تلبي مصالح المنتجين الحقيقيين، أولئك الذين يفنون عقولهم وأجسادهم في كد طويل ومتواصل، ويعمرون الحياة بدمائهم قطرةً فقطرة. على السياسة أن تلبي مصالح هؤلاء تحديداً، ومهما حاول «الاصطلاحيون» المراوغة وحتى لو نجحوا في استلاب حقوق الناس إلى حين، فإن الصحيح لا بد أن يصح وأن يدق ويزلزل الأبراج العاجية التي اعتلاها من اعتلاها..

إن مجرد القول بضرورة الإصلاح السياسي هو اعتراف ضمني بوجود أخطاء، والذهاب نحو الاعتراف بالخطأ بطريقة غير مباشرة، من خلال الدعوة للإصلاح، ليس إلا نتيجة مباشرة للظرف الموضوعي المستجد وبداية تغير ميزان القوى العالمي لمصلحة المنتجين لمصلحة السواد الأعظم من الناس، وضد مصالح القلة القليلة المستأثرة بثروات الكون وبتعب الشغيلة الذي أنتج تلك الثروات، والحديث عن ضرورة الإصلاحات ليس إلا تعبيراً أولياً عن هذا التغير في موازين القوى، وليس أشد تعبيراته، فما يزال الإصلاح المطروح شكلاً ينتظر ملأه بالمضامين التي ستحدد من هو المستفيد ومن هو المتضرر..

القول إن أحد أسباب ما حدث في سورية إلى جانب التلويح المستمر بـ«المؤامرة»، هو تأخر الإصلاح، يفترض ضمناً، أن توجه الإصلاح السابق سيبقى على ما هو عليه، ولكن سيتم تسريعه وتفعيله.. لكن هل كان التوجه الإصلاحي السابق في مصلحة الشعب السوري؟.. الأرقام والوقائع تقول غير ذلك، فالسياسات الليبرالية التي انتهجتها الحكومة المستقيلة (دون محاسبة على الأخطاء التي ارتكبتها)، جلبت الويلات على  الشعب السوري، ابتداء برفع الدعم والخصخصة والتشاركية التي ترفع قبعتها وتحني رأسها للسادة رجال الأعمال، وتمتهن حقوق العمال وتكيفها وفقاً لرغبات فخامة المستثمرين، وليس انتهاء بالتشريعات الجائرة بحق الناس والمناصرة للنهب الرأسمالي من تعديلات قانون العمل وغيرها..

لم يحدد رسمياً ما الذي يعنيه بالإصلاح، وإذا كان يقصد الاستمرار بالسياسات الاقتصادية نفسها، وبدرجة الحريات السياسية المتدنية ذاتها، فسيكون هو وحده المسؤول عن «فوضى خلاقة» تحرق بنيرانها ما تبقى من خضرة في سورية، بعد أن أجهزت سياساته الليبرالية على الجزء الأكبر منها.. وأياً كان ما يقصده النظام بالإصلاح، فإن الإصلاح الحقيقي لا يمكن أن يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام ما لم يتجند أصحاب المصلحة الحقيقية في الإصلاح للدفاع عنه ودفعه إلى الأمام، لأن المهمة رقم واحد من أجل الإصلاح هي ضرب الفساد، الذي خبر الشعب السوري جيداً عجز الطرق البيرقراطية عن ضربه، تلك الطرق المبنية على أساس هيئات تحدثها الدولة تحت مسميات مختلفة كلها تحمل مضموناً واحداً: هو الحرب على الفساد، وما إن تباشر هذه الهيئات عملها حتى يبتلعها الفساد ويضمها إلى زبانيته..

أصحاب المصلحة الحقيقية بالإصلاح ما يزالون حتى اليوم أكثريةً صامتة تنتظر الفرصة المناسبة لتطلق العنان لصوتها الحر، ولتعبر عن آلامها وأحلامها بعيداً عمن يدعون تمثيلها، وإن لم تتح لهؤلاء الفرصة الحقيقية للإسهام بتوجيه الإصلاح والدفاع عنه فإنهم سينتزعونه انتزاعاً!!

الفرق الوحيد بين الحالتين هو التكلفة التي سيضطرون لدفعها، لكن النتيجة النهائية واحدة.. إذ لن يصح إلا الصحيح..