بوادر مخاض
أثبت الحراك الأخير على مستوى المنطقة والوطن، أن سورية ليست بمعزلٍ عن العالم والمنطقة وما فيهما من حراك ثوري وانفتاحٍ للأفق أمام الحركة الثورية..
وأنّ الشعب السوري لا ينسى حقوقه ولا ينذل.. وأنّ هذه الحقوق لا تُعطى مِنّةً وإنما تنتزع انتزاعاً..
لكن ما زال هناك من يكابر ليخفي مسؤوليته فيحيلها إلى مؤامرةٍ خارجية وهي ليست جديدة.. وهناك من يُماطل مراهناً على عامل الزمن حفاظاً على مكاسبه الكبيرة على حساب الوطن والشعب، مما يزيد الأمور تعقيداً.. وهناك من أحنى رأسه قليلاً للعاصفة محاولاً الاسترضاء.. أما المشاركون والمتورطون والساكتون - نتيجة مكاسبهم الضيقة - عما كان يعاني منه الشعب.. فقد أصابهم البكم، وباتوا لا يستحقون حتى الشفقة.. هذا إذا لم يعتبروا مسؤولين أيضاً عن اغتصاب الحقوق.. وفي أحسن الأحوال يمكن اعتبارهم شهود زور..
إنّ ما شهدته دير الزور مدينةً وريفاً، كأغلب أنحاء الوطن من حراكٍ سياسيٍ على الأرض وبأشكال مختلفة، منها كتابة شعارات ومطالب على الجدران في أحياء المدينة وموحسن.. بعضها ذو طابعٍ مطلبي لمنطقة وقرى، ومنها ما كان دنيئاً ويدعو للفتنة.. وكذلك من تظاهرات واعتصام شعبي – يكفلها الدستور وتستبيحها الأحكام العرفية وقوانين الطوارئ - أغلبها قام بها شباب في مدينة موحسن و بلدات الشحيل والقورية وغيرها.. وفي المدينة بدأها شباب نزلوا إليها من موحسن وانطلقوا من جامعي الصفا وعثمان ومن ثمة في أماكن أخرى في الأيام التالية، وهؤلاء تعرضوا للقمع والبلطجة من بعض المنافقين، إنماّ هو جزء من المخاض الناجم عن حَملٍ طال أمده قليلاً.. وناجمٌ عن وعي وليس كما يحاول البعض تصويره..
ومع تأكيدنا على رفضنا المعروف عنا لمحاولات إحداث واصطناع الفتنة، وعدم موافقتنا على فراغ الشعارات المرفوعة من مضامينها الحقيقية، فإنّ ما جرى هو تعبير مباشر عن احتقانٍ متراكم بسبب التهميش واغتصاب الحقوق وفسادٍ ونهب للمجتمع والدولة وتغييبٍ للحريات.. والأهم من ذلك أنّ طريقة التعامل مع هذا الحراك سواء على مستوى الوطن أو على مستوى المحافظة من تخوينٍ وقمعٍ وتجريمٍ ومحاولة استقطاب بتلبية حاجات شخصية واعتقالاتٍ لا زالت مستمرة وإن أفرج عن البعض.. بل أنه جرت محاولات لإحداث تشويهٍ وفتنة من المنافقين بالادعاء أنّ هؤلاء جاؤوا من محافظة أخرى وهم أكراد..
والأخطر في دير الزور هي البلطجة التي قام بها رئيس ما يُسمى منظمةٍ شعبية من المفترض بها أن تعبر عن حاجات الطلاب الشباب يرافقه مجموعة من حملة السكاكين والعصي والشنتيانات (السيوف المطوية) حيث هاجموا إحدى التظاهرات التي تهتف فقط، سورية حرية.. سلمية..
هذا الباحث عن منصبٍ سياسي رغم العديد من حالات الفساد في منظمته ومسؤول عنها.. هذه البلطجة التي لا يخفى على أحدٍ نتائجها الاجتماعية تمت تحت علم وبصر الجميع.. بينما مسيرات التأييد شُوهت من المنافقين والفاسدين حيث كانت توفر لها كل المستلزمات والحماية والسماح بخرق القوانين والأنظمة.. ووصل الأمر أن أصحاب الدراجات النارية أقروا أنهم كانوا يذهبون إلى أحد المسؤولين في الشرطة ويقبضون 300 ليرة قيمة البنزين، ويصولون ويجولون إرهاباً للمواطنين ومعرضين حياتهم للخطر.. وكذلك أصحاب السيارات، مما جعل المواطنين يستهجنون ذلك..
إننا إذ نذكر ما حدث.. هو لوضع النقاط على الحروف، وأولها المطالبة بإصلاحات حقيقية لا ترقيعية، سياسية واقتصادية اجتماعية وديمقراطية، ومحاربة الفساد الكبير، والإفراج عن الشباب المعتقلين وخاصة أنهم لم يرتكبوا جرماً بحق الشعب والوطن، ومحاسبة البلطجية ومن يحميهم..