لا يزاودنّ أحدٌ على وطنية الشعب السوري!!

نالت سورية استقلالها في 17 نيسان 1946، ولم تكن مصادفة أن تستقل سورية قبل معظم بلدان العالم الثالث، بل تكاد تكون أول من نال استقلاله من بينها، ويعود ذلك قبل كل شيء إلى الثورات المتتالية التي خاضها الشعب السوري طوال عهد الاحتلال، بدءاً بثورة الشيخ صالح العلي 1919 ثم معركة ميسلون 1920 ومروراً بالثورة السورية الكبرى 1925-1927 والتحركات المقاومة التي لم تتوقف يوماً واحداً طوال فترة الاحتلال، تلك المقاومة الصلبة التي أسست لهوية وطنية سورية هي ما يحمله اليوم السوريون في جيناتهم وفي قلوبهم..

بعد فترة قصيرة من الاستقلال، بدأت الانقلابات تتناهش الموقف الوطني السوري من تعامل حسني الزعيم وسامي الحناوي مع الأمريكان إلى تعامل الشيشكلي مع الفرنسيين،  الأمر الذي أودى بهذه الحكومات إلى مزابل التاريخ، إذ نبذها الشعب السوري وما تزال لعناته تلاحقها في قبورها.. واستمرت سورية على هذه الحال، حيث تعاقبت الحكومات ولم يطل الزمن بأية حكومة لا تتخذ موقفاً واضحاً ومعادياً للكيان الصهيوني ولأمريكا، حتى جاء حكم البعث الذي طال الأمد به نتيجة اتخاذه الموقف الوطني المناسب لهوى ومزاج الشعب السوري، إضافة إلى الظرف العالمي ثنائي القطبية الذي فسح المجال لفترة استقرار حذر وكمون متراكم هي ما رأيناه مجسداً في بقاء جميع الأنظمة العربية على حالها لعقود متتالية..

اليوم، أمام المد الشعبي الذي اجتاح العالم بأسره، وفي مقدمته العالم العربي تحاول الأنظمة المختلفة إبراز أوراقها الرابحة أمام شعوبها لكي يتجاوزها المد دون أثر يذكر، ولعل الورقة الوطنية واحدة من أكثر الأوراق حساسية والتلويح بها يكلف غالياً، في حالة خاصة هي حالة الشعب السوري، حين يقدم الموقف الوطني في سلة واحدة مع الفساد ليقال للسوريين: إما أن تقبلوها كاملة، أو أن تذهبوا إلى الفوضى، فأول إجابة ضمنية ستكون لسان حال الشعب السوري هي: لا يمنن أحد علينا بمواقفه الوطنية، فتلك مواقفنا التي بنى عليها مواقفه المعلنة، ومن يقرأ تاريخ سورية جيداً سيعلم أنه لا يمكن لنظام غير وطني أن يحكم سورية، ولو اجتمع العالم بأسره ليؤيده. وعليه فإن تغريب الجانب الوطني وإبعاده طوال سنوات لم يكن خافياً على الشعب السوري، فحين يتعارض الموقف السياسي المبدئي مع الموقف الاقتصادي الاجتماعي الداخلي، فإن مآل ذلك هو استرجاع الناس لقضاياهم الوطنية ممن يدعي حملها. وللتوضيح أكثر فإن السياسة التي تخدم الأغنياء وتسد أفواه الفقراء والمظلومين، السياسة التي تفضل عدم إقلاق راحة كبار النهابين فتترك تهربهم الضريبي لهم وتسد عجز موازنتها من جيوب الفقراء عبر التضخم ورفع الدعم، هي في المحصلة تصب مصباً غير وطني، فحين دخل الاحتلال الأمريكي إلى العراق هاجرت في الشهر الأول معظم رؤوس الأموال خارج البلاد، وبقي العامل والفلاح متشبثاً بأرضه مدافعاً عنها، مقاوماً احتلالها وباذلاً دمه ودم أطفاله في سبيلها، لذا فإن أية سياسة تعتمد على مغازلة رؤوس الأموال ورجال الأعمال وتترك الفساد يضرب وينهب على هواه، هي في المحصلة سياسة تغرّب الجانب الوطني عن الناس لتجعله عبئاً على صدورهم، لأنهم هم وحدهم من سيحملون القضية الوطنية في ساحات القتال كما حملوها دائماً تحت ضجيج الآلات وفوق الحقول الجافة وفي الجامعات المتهالكة وتحت شمس الرأسمالية الحارقة والمميتة..

وكما كان العظمة نواة لوحدة وطنية شريفة، فهنالك وفي الزمن نفسه الذي بذل فيه العظمة ورفاقه دماءهم في سبيل سورية، هنالك من حمل عربة الجنرال الفرنسي غورو واضعاً على فمه لجام الاستعمار ليحفظ مصالحه الخاصة الانتهازية والتافهة.. الموقف الوطني لا يتجزأ، فمعاداة أمريكا والصهيونية لا تستقيم إلا بسياسات اقتصادية- اجتماعية تصب في مصلحة السواد الأعظم من الشعب السوري، وبحريات سياسية تسمح لهؤلاء بالتعبير عن أوجاعهم بأصوات حرة وقوية، وبديمقراطية شعبية حقيقية تجند السوريين الشرفاء للدفاع عن مكتسباتهم وتمكنهم من ضرب الفساد المستشري ومحاسبته، وحينها فقط نستطيع ضمان وحدتنا الوطنية وموقفنا الوطني..

لذا لا يزاودن أحد على وطنية السوريين!.