الفأس والرأس.. ونتائج السياسات الحكومية
تعوّد الفقراء السوريين على مدى سنوات طويلة أنْ يمشوا «الحيط الحيط..»، لأنّ «سترة» الدعم الحكومي رغم أنّها رثّة ورقيقة، كانت توفّر حدّاً أدنى من الدفء، وكانت جيوبها تحمل راتباً يكفي لآخر الشهر، وحلوى للأطفال في الأعياد، ومصروفاً لتعليم أجيال الوطن وتخليصه من التخلّف والأمّية، والمحافظة على صحّته وقوّته الجسدية والعقلية، التي يعود إليها الفضل في كلّ المكتسبات التاريخية لسورية.
في تلك السنوات، سنوات الدعم الضائعة، لم تكن تستفحل السرقة والجريمة كما في العقد الأخير، إذ ارتفعت مؤشرات القتل العمد والسرقة بنسبة 400% بين عامي 2000 و2007، كما وصلت أعداد مدمني المخدرات إلى نحو 3000، وأوكار الدعارة في دمشق وحدها إلى أكثر من 40 ألفاً (على ذمة الإحصاءات، والرقم أعلى يقيناً) بسبب سياحة القذارة، وازدياد أعداد السوريات المهمشات والعاطلات عن العمل، واليائسات لدرجة الوقوع في براثن تجّار لحوم البشر، ومسالخ السوق الحرة، السوق المفتوحة على قذارة أباطرة المافيا العرب والأجانب، وشركائهم المحليين من رجال وسيدات المال والأعمال.
في الوقت الذي يتباكى فيه أصحاب مشاريع الخير والإحسان على المعاقين جسدياً وعقلياً، يتم تجاهل البطالة التي وصلت إلى 30%. أليس العاطلون عن العمل معاقين أيضاً؟ أليسوا معاقين عن تحقيق أحلامهم في العيش بكرامة رغم سلامتهم الجسدية والعقلية؟
يكاد لا يمر يوم على فقراء الشعب السوري، إلا ويحنّون فيه إلى الماضي، الماضي الذي لم يكن مثالياً بالضرورة، ولكن كان ما يزال فيه بقية من التكافل الاجتماعي، ودولةٌ ترعى مواطنيها، والكثير من الكرامة، والاعتزاز بالعِلم والتعليم.. بالأستاذ المقدّس، والطالب المُجدّ، الذي كان له هيبة في المجتمع، وكان دائماً مشروع موظّف محترم، وليس مشروع عاطل عن العمل. زمان القطاع العامّ، الذي كانت فيه يد الشرفاء هي العليا والأقوى، وكانت تجاهد لتنظيفه من الأيادي الفاسدة، في معركة خسر فيها الخيرُ على ما يبدو، وانتصر الشرّ الذي نهب وسرق ثمّ خصخص.
ماضي الجامعة الوطنية الجميلة التي كان يستطيع الالتحاق بها أيُّ مجدّ، فقيراً كان أم غنياً، ليتعلّم كيف يخدم وطنه أكثر، وليس الجامعة الحكومية التي تشترط معدلات تعجيزية، أو الجامعة الخاصة التي تنهب مبالغ طائلة.
ذلك الماضي الضائع، الذي شدّ فيه أبناء الشعب السوري الأحزمة على بطونهم كُرمى لتأمين سلاح يليق بأبطالهم ومقاوميهم، من أجل الدفاع عنهم ضدّ العدو الصهيوني، وحفظ أمنهم ضدّ مفسدي الداخل، ولم يتخيّلوا يوماً، أنّه يمكن أن يُوَجَّه إلى صدورهم العارية، وقلوبهم النابضة بحُبّ الوطن، وحناجرهم المستغيثة من الفساد، والمستصرخة من ألم الفقر والقهر والحرمان!!
صرخ العراة! صرخوا من ضيق أزقّة العشوائيات والأحياء الشعبية، التي لم تتغير إلا نحو الأسوأ، طوال السنوات التي قضاها هؤلاء وهم يذهبون بسلام إلى عملهم، ويعودون بسلام إلى أطفالهم، وينامون بسلام في زرائب تسمّى بيوتاً، ويحلمون بسلام في مساكن جمعيات الوعود والتسويف، بينما ترتفع من حولهم أبراج وقصور، وتعلو وتعلو، وتتركهم في الحضيض.
فهل نفع الصراخ حتى الآن في فتح الآذان الصمّاء، تلك الآذان التي لم تستجب للدراسات والتحليلات العلمية، التي طالما حذَّرَت من فأس الليبرالية الجديدة، واقتصاد سوقها المفتوح كالنار على المجتمع، تلك الفأس التي صُبّ حديد بلطتها من مصهور حقد الإمبريالية والصهيونية على وطننا، ورُبطت قبضتها بحبل يمسكه عملاء الفوضى، ليلوحوا بها فوق رؤوسنا جميعاً. أم هل يحتاج الأمر إلى تحرّك عملي وجماهيري وطني كبير، يلتحم فيه كلّ الشعب الكادح، وكلّ الوطنين الشرفاء صفاّ واحداً ضدّ الفساد والمفسدين، وضدّ عملاء الإمبريالية والصهيونية الذين يحاولون شقّ الصفّ وتفجير الاحتقان على طريقتهم، مستغلين أية فوالق طائفية أو مذهبية أو عشائرية أو قومية؟
هل نترك أنفسنا وبلدنا ووحدتنا الوطنية وقضية أراضينا المحتلة تحت رحمة تلك الفأس، أم نرمي بها ونحمل عوضاً عنها مطرقة العامل، ومنجل الفلاح، وسلاح الجندي المقاوم، وقلم المثقّف الثوري، من أجل إنقاذ الوطن؟