علاء عرفات علاء عرفات

نحو مصلحة المجتمع والوطن

برهنت الأحداث منذ 15 آذار الماضي أن سورية قد دخلت مرحلة جديدة، فالبلاد قبل هذا التاريخ شيء وبعده شيء آخر، وإن كان الواضح كيف هي سورية قبل 15 آذار 2011 فإنها بعده ليست كذلك حتماً.

إن الحراك الشعبي الذي بدأ وأخذ يتسع، والذي ترافق مع عنف وإراقة دماء، قد انطلق على أرضية التناقضات الاقتصادية- الاجتماعية التي أججتها السياسات الليبرالية الاقتصادية، والتي أدت إلى وقوع أضرار هائلة بالاقتصاد الوطني وخاصة في الصناعة والزراعة، فنتج عن ذلك تدهور الوضع المعاشي بشدة، وتزايد الفقر والبطالة، وارتفاع منسوب الاستياء في المجتمع. وكان قد سبق هذا الحراك على مدى سنوات مقاومة شديدة اتسمت بطابع اجتماعي شعبي ضد هذه السياسات، وتركز على ممثليها في الحكومة السابقة (الفريق الاقتصادي)، ولم يتمكن هذا الإجماع من وقف هذه السياسات التي استمر تطبيقها حتى الآن.

أي إن هذا الحراك لم يأت من فراغ، ولا من فعل مؤامرة خارجية، بل فرضته الوقائع الاقتصادية –الاجتماعية، وإن كانت قد شجعته تلك الانتفاضات والثورات التي تفجرت مؤخراً في البلدان العربية.

إن المؤامرات الخارجية كانت وما تزال موجودة، وستبقى موجودة، وستتعاظم ما بقيت الامبريالية والصهيونية واشتدت أزمة النظام الذي يمثلانه، وهذا الوضع يجعل مهمة تحصين الوضع الداخلي في مواجهتها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً مهمة قائمة ورئيسية.

في الوضع الراهن، ومع استمرار التحركات الشعبية ظهرت مسألتان خطيرتان:

الأولى: العنف الذي رافق الحركة الاجتماعية وصولاً لإراقة الدماء واستمرار ذلك...

الثانية: ظهور عملية شحن طائفي سريعة ومحاولة إظهار أن هناك صراعاً بين طائفتين في البلاد.

إن الشحن الطائفي استند على إراقة الدماء، واذا استمر يمكن أن يهدد بشدة الوحدة الوطنية، ويحقق هدف المؤامرة الخارجية بتفتيت البلاد، وبناء على ذلك فإن البحث عن الأصابع الخارجية والمتآمرة يجب أن يجري في هاتين النقطتين، لذلك لا بد من ملاقاة الحركة الجماهيرية عبر ملاقاة مطالبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإيقاف إراقة الدماء ومحاسبة المسؤولين، والبدء بالإصلاحات المعلن عنها بشكل سريع وفوري، بما يؤمن أعلى منسوب للحريات السياسية للمجتمع وأعلى مستوى من الوحدة الوطنية.

وإذا كانت الإجراءات السياسية السريعة ضرورية، فإن الإجراءات الاقتصادية الاجتماعية لاتقل أهمية عنها ولا ضرورة.

إن تغيير الحكومة لا يلبي شيئاً ما لم يتم:

• القطع الفعلي والتام مع السياسات الاقتصادية اللبرالية السابقة ومحاسبة المسؤولين عنها.

• إطلاق حملة حقيقية مستندة إلى قوى المجتمع لمكافحة الفساد وخاصة الكبير منه.

• صياغة سياسات اقتصادية جديدة تؤمن أعلى مستوى من النمو وأعلى مستوى من العدالة الاجتماعية، وحل مشكلات الفقر والبطالة ومستوى المعيشة المتدني وفق خطط واضحة وجداول زمنية محددة.

• وضع معايير محاسبة للحكومة الجديدة، تنطلق من أهدافها المعلنة عبر بيانها الوزاري، ومقارنة أدائها مع الواقع العملي.

إن الأحداث الحالية تثبت بما لايدع مجالات للشك أن بلادنا لايمكنها أن تتحمل السياسات الاقتصادية اللبرالية الجديدة، وإن هذه السياسات لايمكنها أن تنجز إلا الاستثمار في الفساد، ولا يمكنها أن تنتج إلا الإفقار ورفع مستوى التناقضات بما يهدد أمن الوطن والوحدة الوطنية.