محكمة أمن الدولة العليا أحياء على ذكراها!!
اعتـُقل أحد الشباب من منزله, فاعترف وأقر أثناء التحقيق (اللطيف) بأسماء أصدقائه الثلاثة عشر.. فأحضروا سريعاً هم أيضاً.
أحيلوا لسبب أو لآخر إلى محكمة أمن الدولة العليا الموقرة, فحار القضاة في أمرهم وفي دعواهم, لا أفعال جرمية, ولا تحريضات مذهبية, ولا أعمال مدانة.. إن هي إلا بضعة كتب اشتراها بعضهم من معرض مكتبة الأسد السنوي! سأل القاضي بعضهم: ماذا فعلتم؟ فأجابوا باستغراب بإشارات النفي! أردف: إذاً، ماذا كنتم تنوون أن تفعلوا؟ فرد أحدهم: وهل يعاقب القانون السوري على النوايا؟! القاضي من جديد: هل تنتمون إلى تيار فكري معين؟ فانبرى حَذِقـُهم مخاطباً سيادته: سيدي القاضي، نحن نعيش في بلد حر, الفكر فيه مصان, والاعتقاد مقدس, والنظر محمود, وما ذلك إلا بموجب الدستور العربي السوري.. ثم.. لم يقم أحدنا بأي فعل مخالف للقانون, ولا وجدمعنا شيء ممنوع, ولا يعرف عنا إلا السمعة الحسنة, إن هي إلا بضع كتيبات وجدها عناصر الأمن في مكتبة أحدنا, كان قد اشتراها في العلن!. استشعر بعضهم أن المحكمة مخرجتهم لا محالة, فهم لم يروا ما كتب المحقق الأمني في ملفهم, والذي اعتمده القاضي كما هو, فرجل الأمن -عنده - صادق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, وهو من عليه التكلان! وكان ما أراد رجل الأمن, فقد حكمت محكمة أمن الدولة العليا الاستثنائية – وقبل يومين فقط من مرسوم إلغائها المبارك – على مجموعة الرفاق تلك, بأحكام مختلفة تراوحت بين خمس سنوات وست! علماً أن ملفاتهم تكاد تكون متطابقة! استقبل المحكومون أحكامهم بمزيد من الرضا والتسليم لقضاء الأمن وقدره, إلا إن استسلامهم ذاك انفجر بسماع خبر إلغاء محكمة الأمن التي تعجلت في إصدار قرارها بحقهم, كي لا (يتشنططوا) بعدها أمام القضاء العادي، اللااستثنائي! محكمة أمن الدولة الاستثنائية – لمن لا يعلم – محكمة لها من اسمها حظ كبير, فهي استثنائية بكل المقاييس, وهي أمنية بمقاييس أخرى, لم يكن لمحامٍ أن يترافع أمامها دون إذن, ولم يكن له أن يقوم بدور إيجابي فيها, أو أن يترافع كما قد يفعل أمام أخرى, وثالثة الأثافي أنأحكامها تصدر في الدرجة الأخيرة, فلا طعون ولا رقابة على أحكامها! هؤلاء الشبان الثلاثة عشر – وهم مثال على ما أنتجته – يضرعون إلى الله كل يوم أن ينظروا في مرسوم الإلغاء, علّ تاريخه يتأخر يومين لا أكثر, يومين فحسب! سيتأمل أحدهم ذلك التاريخ لست سنوات قادمات, إن بقيت وزارة العدل مشغولة بمن هم أهم منهم! ولكن.. إن كان بمسيرة الإصلاح والقوننة القادمة من قد ينظر إلى أحكام محكمة أمن الدولة العليا نظرة استفهام ولا أقول إلغاء تلك الأحكام.. إن أقول إلا إصدار مرسوم يسمح بالطعن بأحكام محكمة أمن الدولة العليا - سابقاً - أمام محكمة عادية.. لعل ذلك فيه من الإصلاح بقدر ما ناله المدمنون المعفى عنهم أو يزيد, فلكم أصدرت تلك المحكمة أحكامها تجاه مدمني الفكر والقراءة, وعلّ بعض هؤلاء يقبل أن يتساوى مع أولئك! وإلا – فمع إلغاء محكمة أمن الدولة العليا – فسيبقى كثيرون أحياء على ذكراها!! أحياء.. ولكن.. شبه أموات!!
|