تحت سقف واحد

ستكون تركة ثقيلة بالتأكيد تنوء تحت كاهلها أية حكومة قادمة، فالأيام الماضية الصعبة التي عبر فيها الناس عن مكنونات صدورهم وحاجاتهم أكدت حجم النواقص والثغرات الكبيرة التي طالما تحدثنا عنها ولم تجد آذاناً صاغية، وكانت الحكومة السابقة تفرغ بالكلمات والديباجات والوعود محتوى الشكاوى والصرخات، وتمد من عمرها على حساب عمر الوطن والمواطنين.

بالتأكيد الحكومة القادمة- وإن كنا لا نعقد عليها الآمال ليس بسبب تشاؤمنا، بل بحكم تجاربنا السابقة- ستصطدم بحجم المطلوب منها في هذا الظرف الدقيق الذي يمر به الوطن، ولن ترضي الجماهير العريضة التي عبرت لأول مرة وبصراحة وعلى تلفزيون رسمي عن متطلباتها الاقتصادية الكثيرة.

المواطن الصامت والعاجز والخائف فتح النار على الأخطاء دون مواربة، و دون خطط، المواطن المذعور من فاتورة الهاتف والكهرباء، من السوق المفتوحة ونتائجها الكارثية عليه وعلى أبنائه، المواطن الذي مل الخطط الخمسية التي لم تف بوعودها المخملية لسوري يعيش على حافة الفقر، المواطن المكبل بالرشوة وسطوة الموظف الفاسد، المواطن الحانق على المدراء والوزراء والمؤسسات التي تبيعه الكلام، وعلى الأرض تمنحه متعة الانتظار والتوسل.

المواطن المشغوف بالتعبير، والجالس على صدر محتقن من الفوضى التي لا يستفيد منها سوى المتخمين وصغار اللصوص، المواطن الذي أحس للوهلة الأولى أن ميكرفون التلفزيون والإذاعة، ومسجلة الصحفي ليست أدوات للوشاية، فانفتحت شهيته للشكوى بملء الحنجرة المكبوتة، المواطن الذي لم تعد ترهبه الكاميرا كمسدس، المواطن الذي يقول بأنه يحب الوطن، ويكره دعاة الوطنية، الوطنية التي يختبئ خلفها المدير والموظف وفي نفس اللحظة يمد يده إلى جيب المواطن أو صندوق الوطن.

الحكومة القادمة أمام استحقاقات المرحلة، وأهم ما فيها أنها لن تجد ذاك المواطن القديم، المواطن الصامت والخائف والمذعور، أهم استحقاقات الحكومة الجديدة مواطن جديد..اكتشف متعة التعبير، ومتعة البوح، مواطن لم تختبره الحكومات الماضية، مواطن طالما اعتقدت الحكومة المنصرمة أنها صنعت منه صاغراً، ومنتظراً للآمال الكاذبة.

المواطن الجديد الذي لم يفتنه الوضع الصعب، لم يرفع شعاراً طائفياً واحداً، ولا استعدائياً واحداً، مواطن يؤمن بأن الوطن هو كل من يحمل الهوية الوطنية، الجنسية السورية ومن في حكمها، داخل الوطن وخارجه، والسوريون الجدد الذين سينضمون إلينا تحت سقف الوطن.

المواطن الجديد الذي سمى مشكلاته بمسمياتها، وحدد متطلباته على قدرها، المواطن الجديد الذي تبين أنه سبق الحكومات في وعيه، وتجاوزها في وعيها وفي أضغاث أحلام منظريها، ببساطته أعاد تشكيل خارطة الأخطاء التي أوهمته بأنها إنجازات، وهاهو مع أول مباغتة لمتعة التعبير قال ما يريده ببساطة.

الآن ولن نتجاوز المطالب الجماهيرية الكبرى في وطن بقوانين تحترمه.. تبقى أولويات الحياة هواجس كبيرة للمواطن، واستحقاقات أكبر أمام حكومة عادل سفر القادمة، وبالتأكيد إن الوزراء المرشحين القادمين سيجدون مكاتب فاخرة ومطالب جمة، ويدركون أن التركة السابقة ليست بالهينة، ومطالب الناس يجب أن يستجاب إليها، وأن الخطط الاقتصادية ليست وعوداً لا حساب لها، والبرامج ليست لعبة لكسب الوقت، والمشاريع ليست مجرد أرقام وهمية لميزانية قادمة.

الكراسي في الأيام القادمة لن تكون وثيرة وناعمة، والمناصب عمل وليس برستيج، والليالي ليست سهرات في مرابع الفنادق، وليست استقبالات وأشرطة حريرية حمراء.

المرحلة الانتقالية التي يمر بها الوطن صنعت في أول إنجازاتها مواطناً على قدرها، مواطناً أثبت أنه بحجم المرحلة ولم يكن متخلفاً عنها.. وبالتالي على الحكومة القادمة أن تدرك هي الدرس والمرحلة، وأن زمناً جديداً تكتبه المرحلة لوطن من مصلحة الجميع أن يعيشوا تحت سقفه، وعلى سوية واحدة.. تحت قوس واحد لا يراهم سوى مواطنين فقط.