ستيركوه ميقري ستيركوه ميقري

قانون الطوارئ.. واختلالات «البناء الفوقي»

خلّف تطبيق حالة الطوارئ في المجتمع السوري لفترة زمنية طويلة قاربت 48 عاماً ونيف، آثاراً سلبية كبرى، طالت البناء التحتي والبناء الفوقي للمجتمع السوري، وبما أننا قد تناولنا هذه التأثيرات سابقاً على البناء التحتي مع بعض الإضاءات السريعة على تأثيراتها في البناء الفوقي، لذلك لابد من التطرق لها بشكل أوسع لتبيان آثارها السلبية على هذا الجانب.

البناء التحتي والبناء الفوقي

والعلاقة بينهما

لقد علمتنا الماركسية وفلسفتها المادية التاريخية، أننا عندما نتحدث عن البناء التحتي للمجتمع، فإننا نقصد الحياة المادية، التي تتكون من القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج. والخاصية الأهم لهذا البناء، هي أنه يشكل الأساس الواقعي الذي يقوم عليه البناء الفوقي للمجتمع، أي مجمل آراء وأفكار المجتمع السياسية، والفلسفية والسلوكية، والجمالية، والدينية.. وكذلك العلاقات والمؤسسات والتنظيمات المطابقة لها، فالحياة الفكرية للمجتمع هي انعكاس لحياته المادية. وعلى العموم فإن شكل أسلوب الإنتاج المادي هو الذي يحدد ويقرر شكل ملامح المجتمع وأفكاره ومؤسساته، وهذا الانعكاس أو التطابق بين البناءين الفوقي والتحتي لا يكون تاماً في أغلب الأحيان، بل قد يتخلف أو يتقدم أحدهما بالنسبة إلى الآخر.

 

تطور «التحتي»

وتأثيراته على «الفوقي»

 

بعد عمليات التأميم التي جرت خلال الوحدة السورية المصرية، واستكمالها بعد 8 آذار 1963، تأسس القطاع العام وتوسع توسعاً لافتاً في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وأصبح هذا القطاع رائداً، وأضحى فعلياً قاطرة للنمو، واستطاع أن يؤمن نحو 75% من موارد الخزينة العامة، الأمر الذي مكّن الدولة من ممارسة دور اجتماعي هام، تبدّى من خلال سياسة الدعم التي مارستها الحكومات المتعاقبة من خلال الاستثمارات الكبرى، وتشغيل اليد العاملة، والعناية بالصحة والتعليم والسكن والنقل... إلخ.

ولكن بالرغم من هذه التطورات الإيجابية، إلا أنها لم تنعكس في بناء فوقي سليم، رغم الحديث عن التوجهات الاشتراكية «المادة 1 من الدستور»، ونشوء الجبهة الوطنية التقدمية. وبدلاً من التأثير الإيجابي للتطورات الاقتصادية، نمت البرجوازية الطفيلية وتحالفت مع البرجوازية البيروقراطية، مما أدى إلى حدوث تراجعات جدّية عن كل المكتسبات التي حقّقها السوريون من خلال وجود القطاع العام وتوسّعه، إذ كان أمامه طريقان، تنبأ الشيوعيون بهما منذ ستينيات القرن الماضي: فإما أن يتحول إلى قطاع اشتراكي، أو أن يتحول إلى قطاع رأسمالية الدولة ينتج برجوازية جديدة ترث امتيازات القديمة حتى لو لم ترث ملكيتها ، وهذا الأخير هو ما تمّ فعلاً. ونتيجة لتراجع وانكماش المكتسبات الاقتصادية أصبح البناء الفوقي معطوباً وبقي متخلفاً وغير متطابق مع البناء التحتي، فما هي الانعكاسات على البناء الفوقي نتيجة التردي الذي أصاب البناء التحتي؟

تقول الماركسية :«إن الطبقة التي تمثل القوة المادية السائدة في المجتمع، هي في الوقت نفسه قوته الروحية السائدة»، وهذا يعني أن الأخلاق السائدة في أي مجتمع هي أخلاق الطبقة السائدة فيه، وفي مجتمعنا السوري فإن الطبقة السائدة حالياً، وكما بيّنا آنفاً هي البرجوازية بشقيها المتحالفين (الطفيلي والبيروقراطي)، وبالتالي فإنّ أخلاقها هي السائدة حالياً.

إنّ هذا التحالف بين البرجوازيتين، ومحاولتهما الحفاظ على امتيازاتهما ومكتسباتهما، كان يقتضي حدوث تغييرات في البناء الفوقي، يساعدهما في البقاء والسيطرة حتى تتماهى موضوعياً التغييرات الحاصلة في البناء التحتي مع التراجعات التي لابد منها في البناء الفوقي.

 

التغييرات السلبية في البناء الفوقي

 

1- التجرؤ على مخالفة الدستور:

وكانت هذه العملية من أهم التغييرات التي حدثت بل وكانت الأساس لكل الأخطاء والعيوب والنواقص التي شابت البناء الفوقي. وكما هو معروف فإن مشروعية أية دولة بوصفها عقداً اجتماعياً، هي أمرٌ مرهون بصيانة الحريات العامة للأفراد والمجتمع، إلا أنّ المادة الرابعة من قانون الطوارئ أدّت إلى سحب تلك الحريات وتقييدها وجعلها رهينة لدى السلطة التنفيذية، وأصبحت الحريات العامة التي صانها الدستور السوري من الأمور المنسية، وسادت الأحكام العرفية المفروضة بقوة قانون الطوارئ، وأطلقت يد السلطة التنفيذية في وضع قيود على الحريات العامة، وتعطيل الدستور، ومخالفة نصوصه بشكل صريح، كما أنّ تلك الأحكام دفعت السلطة التشريعية أيضاً إلى إصدار قوانين مخالفة للدستور.

إن أهم سمة من سمات القانون هي أن يحقق العدالة أولاً، وأن يتوافق مع نصوص الدستور ثانياً. وهكذا فإنّ صدور أي قانون مخالف للدستور يجعل من هذا القانون قانونا فاسداً. ووصل الأمر بالسلطة التنفيذية إلى مشاركة السلطة التشريعية في التشريع، وذلك عبر ما يسمى باللوائح التنفيذية، التي تصدرها عند وجود حالات غموض في القانون، وما أكثرها.

إنّ عدم حصر تطبيق قانون الطوارئ بالجوانب الثلاثة التي يمكن فرضه فيها، وطول المدة الزمنية لسريانه، ومخالفته للدستور، هي أمورٌ يمكن اعتبارها فساداً تشريعياً، وقد أدّت إلى انتشار شتّى أشكال الفساد الأخرى، واستشرائها بشكل جنوني، مما أدى إلى نهب غير مسبوق للقطاعات الإنتاجية والإدارية في كل مفاصل الدولة. وبصرف النظر عن التفريق بين الفساد الكبير والفساد الصغير، أصبح الفساد حقيقة موضوعية لا يجوز التعامي أو التغاضي عن مكافحتها واستئصالها بوصفها حاجة موضوعية للتطور اللاحق للمجتمع السوري المهدد جدياً بوجوده، إن لم يتم القضاء على هذا الفساد المتسرطن الذي يحتاج أولا وأخيرا إلى توفر الإرادة السياسية للقضاء عليه..

 

2- الثنائية الوهمية والحراك السياسي:

تنص المادة الثامنة للدستور السوري على أن: «حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية»، وإذا كانت أحزاب الجبهة تشكّل أصلا قوى المعارضة وهي ضرورية جداً لسير الحياة السياسية ، فإنّ تشكل الجبهة ومشاركة الأحزاب المكونة لها في الحكومة، أدى إلى ذوبان المعارضة فعليا، ولا تستقيم الحياة السياسية دون وجودها، وأما وجود الأحزاب والقوى السياسية خارج الجبهة فقد أصبح ضعيفاً، بل قل معدوماً، وذلك بعد انسحاب الأخوان المسلمين إلى خارج سورية، أما الأحزاب الأخرى فهؤلاء ليسوا معارضة بالمعنى الصحيح للكلمة لسببين الأول: لم يكن لديهم قاعدة اجتماعية، اللهم إلا الإخوان الذين انحسرت جماهيريتهم بعد أحداث حماة، والثاني: بسبب تضييق النظام عليهم في الداخل وملاحقتهم، ودك بعضهم في السجون. وأمام هذا الواقع تحولت أحزاب الجبهة التي استفادت وحصلت على امتيازات خاصة وعامة، وكبيرة وصغيرة، وأدبية ومادية، وعلنية ومستترة، تحولت إلى معارضة خجولة في البداية، ثم إلى معارضة معدومة فيما بعد نتيجة لسياسة الترهيب والترغيب التي مورست تجاهها، وأصبحت هذه الثنائية (السلطة والمعارضة) ثنائية وهمية موجودة على الورق وغير موجودة فعلياً. ونتيجة لغياب المراقبة والمحاسبة لما تقوم به السلطة التنفيذية وخصوصاً من جانب هذه الأحزاب التي كان من الضروري بقاؤها كمعارضة جدية تمارس دورها الأساسي في المراقبة والمحاسبة، أدى إلى سيطرة وهيمنة السلطة التنفيذية على الحراك السياسي وعلى قواه وأحزابه المكونة له، بما فيها حزب البعث العربي الاشتراكي، ففقدت الجبهة جماهيرها وقاعدتها الشعبية، وأضحى الشارع السوري فارغاً ومعرضاً لكي تملأ فراغه قوى أصولية رجعية متخلفة، الأمر الذي أضر بمبدأ علمانية الدولة على أساس «الدين لله والوطن للجميع»، وأضحت السلطة السياسية مهتمة، وباستمرار، في الحصول على رضا هذه القوى مهما كان الثمن، وتعديل قانون الأحوال الشخصية واللغط الذي نشأ عنه أكبر دليل على ذلك، وبالمقابل أضحى الخطاب الديني بوقاً للدفاع عن السلطة والتغاضي والقفز عن أخطائها سمة لهذا الخطاب المتخلف والذي تميز دائما مع وجود بعض الاستثناءات بالمناورة والمداراة لها، وكما يقال بالعامية «بتمسيح الجوخ»، في حين أن الحديث الشريف يقول: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وهذا أضعف الإيمان»، وهنا لابد من التحذير الجدي من بعض الأطروحات الطائفية التي يتفوه بها البعض، ولا ننسى بأن بلدنا ومنذ نشوئه كان الناس يعيشون به في محبة ووئام، ففي الطائفية مقتل للوطن وانتحار لمن يدعو إليه أو يمارسه انتهازاً للمنافع ولابد من الوقوف ضده باستمرار لا يلين.

 

3- الهيمنة على النقابات والاتحادات وهيئات المجتمع المدني:

إن الهيمنة على أحزاب الجبهة ترافق وتوازى مع الهيمنة الكاملة على اتحاد نقابات العمال واتحاد الفلاحين والنقابات المهنية والجمعيات وكل هيئات المجتمع المدني، وعلى سبيل المثال فإن عدد الجمعيات الأهلية في مصر بلغ في العام الماضي 40،000 جمعية، ولم يتعد الرقم في سورية الألف فقط، كما يجري التدخل بحياتها اليومية ونشاطاتها وانتخاباتها، وتحت ستار محاربة الإرهاب المفروضة على بلدنا يجري تقليصها باستمرار، كما تعرضت النقابات والاتحادات لقمع مزدوج، قمع الأنظمة والحكومات إلى جانب تخلي وتراجع النقابات عن أداء دورها الذي تراجع لمصلحة العلاقة الودية مع الحكومات وعلى حساب أعضائها من العمال والفلاحين والحرفيين والمهنيين.

4- انتشار فلسفة الأنا والاغتراب وانتشار أخلاق البرجوازية الطفيلية اللامبالاة والهجرة:

لقد أحدث هذا الواقع السلبي الذي أصاب البناء الفوقي للمجتمع السوري عطباً موجعاً وجديا للمنظومة الأخلاقية للمجتمع، هذا المجتمع الذي كان يتسم سابقاً بعادات وتقاليد عميقة وعريقة موروثة من الأجداد، كالكرم والصدق والمروءة والإحسان والعمل والنجدة والشفافية والدفاع عن الحق وعن الوطن والشجاعة والإيثار والإقدام والتسامح والقيم وصلة الرحم والحفاظ على العلاقات الأسرية والتعاون والغيرية والاعتزاز والفخر والحفاظ على التراث وحب الوطن والاندفاع إلى الشهادة لحفظه وصيانته من الأعداء داخليين كانوا أم خارجيين ونظافة اليد واللسان والوطنية الصادقة ، كل هذه السمات العظيمة والجميلة والتي تشكل قيما أخلاقية، كان الحفاظ عليها يشكل سورا قويا لحماية الوطن، وبسبب سيادة أخلاق البرجوازية الطفيلية المتحالفة مع البيروقراطية ضعفت أو تراخت أو غابت كليا ليحل محلها نقيضها وبشكل سافر وغير مسبوق، وأصبحت فلسفة الأنا هي السائدة على مبدأ «ربي أسألك نفسي» وبسبب انتشار الفقر وتراجع الطبقة الوسطى والغلاء والبطالة المقنعة وغير المقنعة وغياب العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة، أصبح الحل الفردي هو السائد سواء تم بطرق مشروعة أم غير مشروعة، وأصبح أمراً عادياً أن يزاول الفرد عملين أو ثلاثة وأصبح المال العام سائبا ومعرضا للنهب والسرقة، وأصبحت اللامبالاة وضعف المسؤولية من سمات العاملين، وضعفت الإنتاجية والإنتاج، وصارت بعض فئات الشعب وخصوصا الشباب وذوي المؤهلات العلمية العالية لا ترى الخلاص إلا بالهجرة لخارج الوطن، وأصبحت سورية من أولى بلاد العالم في تصدير العقول العلمية والتي تكلف الشعب السوري مبالغ طائلة في تعليمها وتأهيلها العالي ، وبدلا من أن يستفيد الوطن منها يتركها لكي يستفيد منها الآخرون على طبق من ذهب، ودون أن يتكلف قرشا واحدا في تعليمها وإعدادها وتخريجها كعمالة علمية مؤهلة للقيام بعملها على أكمل وجه وعلى أحسن ما يكون.

5- غياب الصحافة الحرة وتدني أدائها:

نصت المادة 38 من الدستور على أنه: «لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية علنية بالقول والكتابة وكافة وسائل التعبير الأخرى وأن يسهم في الرقابة والنقد البناء بما يضمن سلامة البناء الوطني والقومي ويدعم النظام الاشتراكي وتكفل الدولة حرية الصحافة والطباعة والنشر وفقا للقانون»، في حين أن المادة الرابعة من قانون الطوارئ الفقرة ب نصت على :«مراقبة الرسائل والمخابرات أياً كان نوعها، ومراقبة الصحف، والنشرات، والمؤلفات، والرسوم والمطبوعات والإذاعات وجميع وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها وضبطها ومصادرتها وتعطيلها وإلغاء امتيازها وإغلاق أماكن طبعها.

ج- تحديد مواعيد فتح الأماكن العامة وإغلاقها».

من الواضح أن نص المادة الرابعة من قانون الطوارئ قد ألغى عمليا المادة 38 من الدستور، على الرغم من أهمية «صاحبة الجلالة» الصحافة الحرة، ومما لاشك فيه أن الدور الأول للصحافة في البلدان الديمقراطية هو مراقبة فعاليات المجتمع كلها وإلقاء الضوء عليها، وعلى رأسها القرارات والإجراءات الحكومية وسلوك أفرادها وباقي الموظفين والعاملين في الدولة وكامل الفعاليات المدنية في المجتمع، وضرورة إتباعهم للقوانين والأنظمة المرعية، وكم من حكومات سقطت أو وزراء عزلوا أو اضطروا للاستقالة بسبب مقال في هذه الصحيفة أو تلك، بل إن الصحافة بمختلف وسائلها المقروءة والمسموعة والتلفزيونية والاليكترونية أصبحت الآن الوحيدة القادرة على التأثير في المجتمعات وتكوين رأي عام فيها، والكل يتسابق في إبراز الحقيقة وعدم التستر على الأخطاء بصرف النظر عمن ارتكبها وخالف الأنظمة والقوانين، وقد تم تشكيل «منظمة مراسلون بلا حدود» من أجل الحفاظ على حرية الصحافة على مستوى العالم.

وتحولت «صاحبة الجلالة» هذه إلى خادمة تابعة مطيعة للسلطة التنفيذية، وبوقاً من أهم أبواقها، وتتكون من ثلاثة أقسام وهي: الصحافة التابعة للدولة، وعادة ما تصدر بلون واحد مع بعض الاستثناءات التي لا تذكر، وصحافة أحزاب الجبهة، وصحافة القطاع الخاص، وتتشارك جميعها بأن لها خطا وبروباغاندا لا يحق لها أن تتجاوزها إطلاقا، فتأقلموا معها وأصبحت أمراً عادياً في كتاباتهم، ويشكل هذا الخط سيفا مسلطا على رقاب الصحف والصحفيين تحت طائلة الطرد والمنع من الكتابة والحجب والإغلاق، لذلك أحجمت الصحافة عن ممارسة دورها الأساسي في مراقبة السلطات الأخرى، بل بات واجباً عليها التمجيد وبشكل مجاف للحقيقة وللواقع، ويصل أحيانا لدرجة (الغباء) في التعاطي مع الأحداث الطارئة، أما الإشارة إلى الأخطاء والعثرات فليس من مهامها أو ضمن أجندتها، وهذا ينطبق على صحافة القطاع الخاص، ونوعا ما على صحافة أحزاب الجبهة التي مرت بمرحلتين، الأولى: وكانت صحافتها مغلقة وغير علنية وكانت تراقب مراقبة تامة، وكثيرا ما كان يجري حذف مقالات أو أجزاء منها، والثانية: أصبحت علنية وتطبع صحفها لدى مطابع الدولة وبدلا من قيامها بممارسة دورها في المعارضة إلا أنها عموما تتطابق في أكثر الأحيان مع السياسة العامة للدولة وسمح وجود هامش ديمقراطي بصدور بعض الصحف لبعض القوى والأحزاب المتفرقة إلا أنها عموما غير علنية ولا تباع في الأسواق عموماً ابتعدت الجماهير عن الصحافة بأنواعها التي أصبحت لا تعبر عن مصالحها.

 

6- خلل في الحراك الثقافي والفكري والفني والمسرحي و الرياضي وميادين الإبداع المختلفة:

وهنا أيضا تستطيع الحديث بلا حرج، فالعمل الثقافي والفكري محتكر من الاتحاد العام للكتاب العرب المتماهي كليا مع السياسة العامة للدولة، وكذلك العمل الفني والمسرحي عبر نقابة الفنانين ورغم حدوث تطور هام على الدراما السورية وأصبحت تنافس الدراما العربية والمصرية خصوصا، إلا أنها بقيت أمام خط مرسوم لها ولا تستطيع تجاوزه، ويتمثل بأنها عند تناولها للمواضيع المحلية سياسية كانت أم اجتماعية تاريخية أم معاصرة تعمل على تفريغ وامتصاص أحاسيس المشاهد المشحون دون أن تبدع الحلول أو حتى تلمح لها، لذلك بقي دورها قاصرا غير مكتمل، أما المسرح فرغم قلة الأعمال المسرحية إلا أنه على العموم غير موجود عمليا، أما القطاع الرياضي فهو ممسوك أيضا عبر الاتحاد الرياضي العام الموجه سياسيا، وتلعب الواسطة والمحسوبيات وعدم الحيادية دورا أساسيا في الرياضة، لذلك فإن الانجازات الرياضية وخصوصا حاليا ضعيفة وتكاد لا تذكر، وأما ميادين الإبداع الأخرى فهي أيضا مقيدة بقيود عديدة وكمثال عليها الاختراعات التي يقوم السوريون بإنجازها، وعلى قلتها فإنها لا تجد طرقها للتنفيذ بسبب ضعف الإمكانات وغيرها.

أخيراً نقول إن وطننا يقف الآن أمام مفترق طرق، بعد أن ازدادت مشاكلنا وتفاقمت وأصبح لا مناص لدينا من أن نجري الإصلاحات التغييرية الضرورية بأسرع وقت ممكن، فالدولة تعاني خللا في بنائها التحتي وبنائها الفوقي..

«الوطن يتسع للجميع» ويذخر هذا الوطن بالعقلاء الذين يضعونه في قلوبهم وأفئدتهم خوفا عليه من الضياع، فإن لم نبادر لإجراء إصلاحات تلافي الأخطاء سندخل في نفق مظلم من يخرج منه منتصرا سيكون أكبر الخاسرين، وحتى نكون متفائلين نقول إن أسوأ من هذا الوضع يمكن أن يحدث، فلنعمل من أجل يومنا وغدنا ولنجعل إطلالة المستقبل تأتي إلينا فاتحة جناحيها على كل ما هو جميل ورائع..