محمد عصام زغلول محمد عصام زغلول

الطوارئيات.. وحالة الطوارئ!

أقرت الحكومة السورية مشروع قانون يقضي برفع حالة الطوارئ المعلنة في البلاد منذ ما يقارب الخمسين عاماً..

وقد نصت المادة 101 من الدستور السوري الصادر سنة  1973 م على أن:

(يعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ ويلغيها على الوجه المبين في القانون)

في حين ينص قانون حالة الطوارئ الصادر سنة 1962م في المادة العاشرة منه على أن:

(يكون إنهاء حالة الطوارئ من قبل السلطة المختصة بإعلانها ووفقا للأحكام المنصوص عليها في المادة الثانية من هذا المرسوم التشريعي)..

أما المادة الثانية المذكورة فتنص على أن:

(آ - تعلن حالة الطوارئ بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء المنعقد برئاسة رئيس الجمهورية وبأكثرية ثلثي أعضائه على أن يعرض على مجلس النواب في أول اجتماع له.)

الأمر الذي يظهر بجلاء هو تباين الحالتين المذكورتين، وهو إن كان – كما يقول البعض – تبايناً شكلياً، ولا يعنينا جوهرياً، إلا أن الظاهر أن الدولة قد جنحت للعمل وفق القانون السابق على الدستور الدائم، في حين أنه، وكما نبهنا غير مرة، متعارض، بل منسوخ بالدستور الدائم!

وذلك لا يمنع أن نذكر رأي بعض فطاحلة القانونيين، الذين يعتبرون أن حالة الطوارئ إنما فرضت في أصلها خلافاً للقانون المذكور، وخلافاً للدستور اللاحق، فهي لم تعلن في سالف الأزمان وفق أيٍّ من هذين التشريعين!

وبغض النظر عن الفلسفة القانونية، إلا أن ما أقرته الحكومة ما زال مشروعاً، لم يرتق إلى مرحلة صدوره وتنفيذه، بانتظار انتهاء أطواره الشكلية وإعلانه ونشره رسمياً مرسوماً تشريعياً.

ولكني أدعو الحكومة اليوم أن نرى إنهاءً عملياً للطوارئيات، ريثما يصدر المرسوم – وهو قريب فيما نظن – فيكون رفع تلك الطوارئيات مقدمة مطمئنة، وحالة راقية، وسبيل تهدئة، شكلاً ومضموناً!

ولتكن البداية في إخراج جميع المعتقلين السياسيين، والسماح بعودة المهجرين، وحماية التظاهرات السلمية! وغير ذلك كثير، فالبدء بها سيساعد في عملية تسريع الإصلاح وتحقيق حالة الدولة المؤسساتية.

أما الطورائيات التي يجب أن يتزامن رفعها مع رفع حالة الطوارئ فهي لا تقتصر على محكمة أمن الدولة، التي أقرت الحكومة مشروعاً آخر لإلغائها، فمن صلاحيات الحاكم العرفي:

الاعتقالات العشوائية - دونما إذن من النيابة العامة - إنما يتم باسم حالة الطوارئ!

والمداهمات والاقتحامات الأمنية للمنازل والمكاتب والمحال.. إنما يتم باسم حالة الطوارئ!

ووضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والإقامة والتنقل والمرور في أماكن أو أوقات معينة.. إنما يتم باسم حالة الطوارئ!

ومراقبة الرسائل والمخابرات أيا كان نوعها ومراقبة الصحف والنشرات والملفات والرسوم والمطبوعات والإذاعات وجميع وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها، وضبطها ومصادرتها وتعطيلها وإلغاء امتيازها وإغلاق أماكن طبعها.. إنما يتم باسم حالة الطوارئ!

وتحديد مواعيد فتح الأماكن العامة وإغلاقها.. إنما يتم باسم حالة الطوارئ!

وإخلاء بعض المناطق أو عزلها، وتنظيم وسائل النقل، وحصر المواصلات، وتحديدها بين المناطق المختلفة..إنما يتم باسم حالة الطوارئ!

والاستيلاء على أي منقول أو عقار، وفرض الحراسة المؤقتة على الشركات والمؤسسات، وتأجيل الديون والالتزامات المستحقة والتي تستحق على ما يجري الاستيلاء عليه.. إنما يتم باسم حالة الطوارئ!

ومعتقلو الرأي.. إنما أوقفوا باسم حالة الطوارئ!

والمبعدون عن الوطن، والمهجرون قسرياً، والممنوعون من السفر.. إنما منعوا باسم حالة الطوارئ!

والتعدي على اختصاصات السلطة القضائية.. إنما يتم باسم حالة الطوارئ!

وتسلط الجهات التنفيذية على جميع مناحي الحياة.. إنما يتم باسم حالة الطوارئ!

كل ذلك يجب أن يرفع قبل أو متزامناً مع رفع حالة الطوارئ، أما رفع حالة الطوارئ، وإلغاء محكمة أمن الدولة، دون إيقاف كل ما ينبني على ذلك، فما هو إلا دوران حول الذات، وعودة إلى النقطة نفسها!

فأهلاً بإيقاف الطوارئيات.. وبرفع حالة الطوارئ ومتعلقاتها كافة!

وأهلاً بمستقبل زاهر للوطن، في ظل نصوص القوانين المدنية، وعدالة القوانين الحضارية، وسيادة القانون.. القانون فحسب!