الأرضية المادية للحل باتت واقعاً
تشهد الساحة السورية منذ بداية الدخول العسكري الروسي، ظاهرتين أساسيتين، متزامنتين ومتصاعدتين: الأولى، هي تسارع صياغة الحل السياسي للخروج من الأزمة، من فيينا الأول والثاني إلى القرار 2254 ومن ثم ميونخ وجولات جنيف3 الأولى والثانية المنعقدة حالياً. حل سياسي يوحد السوريين، ويقود نحو تغييرات جذرية وشاملة وعميقة تفضي إلى حل المشكلات القديمة المتراكمة، والمشكلات المترتبة على الأزمة نفسها، وبما يتوافق أيضاً مع طبيعة العالم الجديد الذي تتراجع فيه واشنطن، ومعها يتراجع الاستعمار الجديد الاقتصادي، لمصلحة مساحات أوسع أمام الشعوب للتخلص من التبعية بأشكالها المختلفة.
الثانية، هي تحول «محاربة الإرهاب» من شعار مضلل وكاذب استخدمته واشنطن لسنوات طويلة، إلى واقع فعلي على يد الروس. وقد بات من الواضح الآن أن الجميع غدوا مجبرين على الالتحاق بركب المحاربة الجدّية للإرهاب بأسرع وقت.
إنّ تزامن وتصاعد هاتين الظاهرتين، الحل السياسي ومحاربة الإرهاب، هو التعبير الملموس عن كسر الشروط المسبقة التي طالما أطلقتها الأطراف المتشددة الداخلية والإقليمية بتقديمها أولوية على أخرى، والحق أن المسألتين هما - كما أكد «الإرادة الشعبية» مراراً- أولوية واحدة مشتقة من أولوية إنهاء الكارثة الإنسانية في سورية.
إنّ استمرار تراجع الإرهاب على الأرض السورية بعد انسحاب جزء أساسي من القوات الروسية، يثبّت أنّ خط محاربة الإرهاب في سورية قد وصل إلى نقطة اللاعودة، ومستنده الأساسي هو عملية «وقف الأعمال العدائية» التي أسهمت في تحديد الجبهات وتقليصها وتسريع الفرز بين المسلحين بين من هم مع الإرهاب ومن هم ضده بشكل كبير.
من جهة أخرى، فإنّ محاربة الروس للإرهاب، بدخولهم العسكري، وبدفعهم نحو وقف الأعمال العدائية ونحو جنيف3 وبانسحابهم، لن تقتصر ترجمته بتقدم على الأرض السورية في وجه الإرهاب، بل ستتعدى ذلك إلى احتمال صياغة تحالف دولي جديد محارب للإرهاب، يضم واشنطن إلى جانب موسكو، وهو ما يعني ضمناً إنهاء أي دور إقليمي أو داخلي معيق لعمليتي محاربة الإرهاب والحل السياسي. لذلك فإنّ التفاؤل الواضح الذي يظهر في جنيف3، ليس رأي الأطراف المشاركة بقدر ما هو انعكاس لنشوء وتقدم ورسوخ الأرضية المادية للحل السياسي.
إنّ بعض المعيقات لا تزال قائمة، سواء لجهة طبيعة التعامل غير العادلة مع وفدي المعارضة والتي لم ترق إلى مستوى القرار الدولي حتى الآن، وإن كانت شهدت تحسناً ملحوظاً مقارنة بالجولة السابقة، أو لجهة حرمان الاتحاد الديمقراطي من التمثيل حتى الآن، وهذه المعيقات إن استمرت ستكون كفيلة بتعقيد الوضع بشكل إضافي، وهذا لا يتناسب لا مع مصلحة السوريين، ولا مع القرار الدولي 2254، ولذلك فإنّ هذه المعيقات مرشحة للحل خلال أسابيع قليلة قادمة.
إنّ باب الحل السياسي مشرّع عن آخره، وهو الباب الوحيد لسورية الجديدة التي سيرسم ملامحها الشعب السوري.