الهدنة مستمرة.. ولا أفق إلا لسورية الواحدة الموحدة
انقضى حتى لحظة كتابة هذه السطور حوالي الأسبوع منذ بداية «وقف إطلاق النار». وما يمكن تسجيله حتى الآن، يثبت ما ذهبت إليه «قاسيون» في عددها الماضي من أنّ هذه العملية ستمضي قدماً رغم محاولات العرقلة المختلفة التي ستتعرض لها. وأكثر من ذلك، فإنّ الأيام الماضية أثبتت أنّ الراغبين بالعرقلة لم يعد لديهم من القوة ما يكفي حتى للقيام بأية عرقلة جدّية.
إنّ وقف إطلاق النار الساري حالياً دفع إلى الواجهة جملة من الأمور:
أولاً: أبدى السوريون على اختلاف اصطفافاتهم وتصنيفاتهم ارتياحاً كبيراً للهدنة، وهو ما يعكس رغباتهم ومصالحهم العميقة المتعارضة مع الدعوات المتشددة التي لم تكف أطراف مختلفة عن إطلاقها منذ بداية الأزمة وحتى الآن، وهو ما يعبّر وضوحاً عن التّماوت الفعلي للفضاء السياسي القديم الذي لم يعد قادراً ولا معنياً بالتعبير عن السوريين ومصالحهم.
ثانياً: تسارعت، كما كان متوقعاً، عملية الفرز بين المسلحين بانضمام مجموعة كبيرة من الفصائل المسلحة إلى الهدنة وبتصاعد الصراع بينها وبين رافضي الهدنة وعلى رأسهم «داعش» و«النصرة».
ثالثاً: إنّ وقف إطلاق النار نفسه، وإن كان في شكله وقفاً لإطلاق النار بين السوريين، إلاّ أنّه في جوهره، الصيغة العملية الملموسة لكفّ الأذرع الإقليمية عن التدخل في الشأن السوري.
رابعاً: إنّ وقف إطلاق النار، هو العتبة التي تمّ إنشاؤها لاستكمال الحل السياسي السوري من منصة جنيف3، بما يسمح بتأريض مختلف أنواع المعيقات التي اشتغلت عليها الدول الإقليمية المعطلّة.
إنّ الخط العام الذي تسير ضمنه الأزمة السورية، يوضح مسألة في غاية الأهمية، وهي أنّ سرعة التكيّف الدولي مع ميزان القوى الدولي الجديد أعلى بكثير من سرعة التكيف الإقليمي الذي ما يزال متخلفاً عن فهم إحداثيات العالم الجديد، ولهذا تحديداً نراه يتخبط ويرفع سقوفه باستمرار ليعود وينزل تحتها وتحت السقوف التي سبقتها.
في السياق، ومع انتقال مركز الثقل من العسكري- الميداني باتجاه السياسي، على اعتبار أنّ الأول لم يعد ساحة للّعب الإقليمي، تقوم بعض الأطراف السورية والإقليمية بتقديم طروحات تستبق على إرادة السوريين، وتعارض مصالحهم العميقة، ومن شأنها عرقلة جنيف3، أي عرقلة الحل السياسي نفسه.
إن مخرجات الحل السياسي المعبّر عنها أولياً في بنود قرارات مجلس الأمن الأخيرة، ولاسيما 2254 و2268، وفي بيانات فيينا وميونيخ، بالتوازي مع أخذ إرادة عموم الشعب السوري بعين الاعتبار باتجاه إحداث التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والعميق والشامل، سياسياً واقتصادياً اجتماعياً، وعلى قاعدة تعزيز سورية الواحدة الموحدة أرضاً وشعباً، ستدفع موضوعياً باتجاه درجة أعلى من الوحدة الوطنية السورية، على اعتبار أن أية طروحات تقسيمية باتت وراءنا بحكم ميزان القوى الدولي الجديد الذي لا يسير بمصلحة واشنطن، والذي ينعكس على الأرض السورية.