المواطن السوري بين التآمر الداخلي والخارجي

 من يتابع الأحداث المتسارعة الآن في سورية، سواء من الداخل السوري أو من خارجه، ويمتلك شيئاً من الموضوعية في التحليل، وبالتالي في الاستنتاج، عليه أن يتوقف ولو لوقت قصير عند محطة مهمة ولها تداعياتها الملموسة على المستوى الوطني بشكل عام، وعلى مستوى الوضع المعيشي للمواطن السوري بشكل خاص، ألا وهي الخطة الخمسية العاشرة التي أقرتها الحكومة السابقة سيئة الصيت وفريقها الاقتصادي، الذي كان يقوده الدردري صاحب النهج الاقتصادي المدمر والمتستر بمقولة «اقتصاد السوق الاجتماعي»، فهذه الحكومة وفريقها الاقتصادي لهثا برعاية البنك وصندوق النقد الدوليين السوري وراء النيوليبرالية فأنهكا المواطن السوري والاقتصاد الوطني، وصولاً إلى انتهاك السيادة الوطنية، وهذا ما حصل حيث خرق الفريق الاقتصادي غير المأسوف عليه النصوص الدستورية عبر خصخصة مؤسسات القطاع العام تحت مسميات مختلفة - وهو ما حرمه الدستور السوري بشكل واضح - دون أية مساءلة أو محاسبة من أحد، وقد أسست هذه المرحلة التي استمرت طيلة خمس سنوات عجاف، للمرحلة الحالية، وهيأت لها، عبر مفاقمة الشأن الداخلي السوري المتمثل بإفقار الشعب والتفريط بإنجازات الجماهير، مما أدى إلى تفجر الوضع كما نراه اليوم.

المحطة الثانية هي محطة تغييب ومنع قيام حياة سياسية في البلاد، وهذا يعني حرمان الشارع السوري من الحراك السياسي لعقود من الزمن بظن خاطئ مفاده أن وجود الجبهة الوطنية وأحزابها يشكل سقف الوحدة الوطنية المنشودة لدى المواطن السوري، وقد جرت عملية إقصاء مقصودة للكثير من الأحزاب والتيارات السياسية الوطنية المتواجدة في الداخل، والتي لا تقل أهمية ووطنية وجماهيرية عن أحزاب الجبهة، وهذا أدى إلى تهميش لجزء كبير من المجتمع السوري.. فإذا ما أردنا تسليط بعض الضوء على الجبهة الوطنية بكل شفافية، وعلى مدى جماهيرية غالبية أحزابها، سنجد أن هناك هوة واسعة وعميقة تشكلت بينها وبين الجماهير، لدرجة أصبحت هذه الجبهة غير قادرة على التعبير عن طموحات الشارع السوري بجميع شرائحه، ما نتج عنه عزلة هذه الجبهة عن الجماهير، وبات ينظر إليها كعنصر مسبب لانفجار الأزمات المختلفة، سواء السياسية  أو الاقتصادية أو الاجتماعية.

هنا وجد المواطن السوري نفسه بين فكي كماشة، فكها الأعلى الفساد الذي يضغط على كل مناحي حياته، وفكها الأسفل وطنيته ولقمته وكرامته وإرادته كمواطن في هذا الوطن.. هذا المواطن الذي قاوم الحصار لسنوات عديدة بكل أنواعه، وبقي حاملا لواء المقاومة والممانعة، مضحيا بالغالي والنفيس، واقفا بكل شموخ وكبرياء بوجه المخططات الأميركية الصهيونية، ليجد بالمقابل من يتاجر بتضحيته ولقمته ولقمة عياله ومستقبل أطفاله، مهمشاً إياها بكل مفاصل الحياة، فباتت الأولوية لديه محاربة الفساد توازي مقاومة العدو الخارجي، مقتنعاً تمام القناعة بأنه من دون محاربة الفساد واجتثاثه، ومن دون تحقيق العدالة الاجتماعية، لا معنى ولا استمرارية لوقوفه بوجه المخطط الأميركي..

لقد تغلغل الفساد في  مفاصل المجتمع بشكل سرطاني، ليشكل جسر عبور للعدو الخارجي، وليس من المستغرب أن الفاسدين في داخل جهاز الدولة هم أحد أطراف المؤامرة، ودون أن يصار إلى مقاومة هذه المؤامرة عبر إيجاد دستور للبلاد يلبي تطلعات الجماهير، وعبر قانوني أحزاب وانتخابات عصريين، لن يكون هناك مخرج آمن من الأزمة.. ومن المعروف أن المواطن السوري غيور على وطنه وعلى كرامته، وبالتالي فإن هذه الخطوات سترفع سقف الممانعة والمقاومة عند الجماهير إلى أعلى مستوياتها. 

 

تثبت هذه الأزمة التي لم تصل ربما إلى ذروتها بعد، أن النظام أضاع وقتاً ثميناً بتلكؤه بمكافحة الفساد، والسؤال الآن الذي نراه على شفة كل مواطن: لماذا لم تفعّل لجنة مكافحة الفساد، أم أنها ولدت ميتة بالأساس؟ ولنفرض جدلا أنها مازالت حية ترزق، فما هي الصلاحيات التي أعطيت لها؟ وهل تستطيع أن تسأل هذا الحوت أو ذاك وتقول له: من أين لك هذا؟ ما يزيدنا شكاً وريبة أننا لم نسمع أو نقرأ أي شيء عن انجازات هذه اللجنة. فمئات المراسيم التي صدرت وستصدر سيكون فعلها محدوداً إن لم يصحبها إجراءات ملموسة ترضي الناس وتقنعهم.. وتحل المشكلة من جذورها، فلا قانون الأحزاب ولا الإدارة المحلية سيساهم باستقرار هذا البلد، إلا بعد القضاء قضاءً مبرماً على الفساد والفاسدين ومن يقف خلفهم. وعلى الدستور الجديد أن يتضمن تشريعاً صارماً بهذا الشأن، واعتبار من يمارس الفساد بمثابة من يرتكب الخيانة الوطنية العظمى.. عندها تكون الدفة الوطنية قد اتجهت باتجاه بر الأمان والاستقرار..