الحوار.. والدور الروسي
تتابع وسائل الإعلام السورية نشر ما جرى في جلسات الحوار الوطني على مستوى المحافظات، ورغم بروز نزعات وأفكار معارضة، إلا أن واقع ذلك الحوار ومجرياته يغلب عليها آراء تنتهي إلى «لا ضرورة» للإصلاح السياسي!! خاصة وأن مواضيع الحوار غير مقصورة على إصلاح العلاقات السياسية التي هي مفتاح كل إصلاح، ويمكن القول إن واقع العلاقات السياسية وما ينبغي أن تكون عليه، أمر ضروري لتوفر التعددية الحزبية الفعلية، وتعكس حقيقة الصراع الاجتماعي وتفضح الأشكال المشوهة له. وقد دلت تجربة الجبهة الوطنية التقدمية أنها لم توفر فعلياً وعملياً التعددية الحزبية، وهي مبنية على حالة لا مشروعية المعارضة، ويعود ذلك إلى أن التماثل والتماهي المطلوب من أحزاب الجبهة لم يقتصر على الأهداف الاستراتيجية، وتعداه إلى تماثل في التكتيك وممارسة الأنشطة الاجتماعية، وأدى ذلك إلى أن أحزاب الجبهة تأقلمت مع ذلك، ولعبت الأحكام العرفية وقوانين الطوارئ دورها التاريخي المعروف، وباتت تلك الأحزاب، وفي أفضل الحالات، تتلهى في مسائل الساحة الاقتصادية والمعاشية، ولم تعر نظراً لأهمية الانتقال من الاقتصادي والمعاشي إلى السياسي، حتى أن ما تضمنته برامجها من شعارات سياسية طويت مع انتهاء المؤتمرات. والخلاصة فإن ممثلي أحزاب الجبهة لم يكونوا محاورين، وفضلوا أن يستمروا كطية من طيات النظام ولازموا الصمت أو التأييد الكامل.
إن الحوار الجاري في المحافظات لا يمكن أن يكون بديلاً عن الحوار الوطني الفعلي، وإذا كانت جهات المعارضة قد قطعت مسافات بعيداً عن الحوار الوطني فإنها في المحافل الدولية، وخاصة حوارها مع المسؤولين الروس، ذهب باتجاه أن النظام السياسي لا يريد الحوار، وتجاهل وفد المعارضة الذي زار موسكو قبل أيام، وكان ذلك للمرة الثانية، تجاهلاً خطراً شعار «إسقاط النظام»، ناهيك عن أن هذا الشعار سد سبل البحث في الحوار، وتمركز وفد المعارضة على أن السلطة السياسية سدت سبل الحوار بخطتها الأمنية المستمرة التي عمت المحافظات السورية، وذهبت المعارضة في منحى آخر وهو أن نقطة البدء بالإصلاح تنطلق من إقرار دستور جديد لسورية، وكانت نقطة ضعف القوانين «الإصلاحية» هي أنها قوانين لا دستورية وتتعارض مع الدستور وليس لها نصيب من الحياة. والتساؤل ماذا بقي لدعوة روسيا لحوار بين هذين الحوارين؟.
سقنا ذلك كي نشير إلى أن الجهد الروسي الخاص بالساحة السورية وحواره اختار أن يكون على مسافة واحده من المعارضة من جهة والسلطات السياسية السورية من جهة أخرى، فهو أدان أعمال بعض القادة في المعارضة واعتبرهم إرهابيين، ولكنه نوه مراراً أن العنف الرسمي السوري طال المظاهرات السلمية. ومازالت روسيا تمانع العقوبات الدولية وتنتقد العقوبات الغربية، لكنها، أي روسيا، لا تستطيع أن تحل اقتصادياً محل الولايات المتحدة وأوروبا، وهكذا فإن الذي يستمر في الجعبة الروسية لمعالجة الوضع في سورية هو الحوار..