لماذا إلغاء نتائج الانتخابات؟

أجريت انتخابات مجلس الشعب، في الظرف الحالي الذي لم يشهد التاريخ السياسي السوري ظرفاً يقاربه من حيث مستوى التأزم، وعمقه، في ظرف له سمات أهمها حالة الانقسام العميق من مختلف القضايا المطروحة على الساحة السياسية.

تجربة السوريين مع مجلس الشعب، خلال العقود السابقة هي تجربة مريرة، مورست خلالها العملية الانتخابية في إطار خانق سياسياً سمته غياب  الحريات السياسية وتكلس الإطارات السياسية القادرة على نقل الصوت والتعبير، وكل دورة انتخابية كانت ترسخ فكرة مجلس الشعب المتكلس والمعزول كأداة سياسية والمستلب، لحماية وتحصين مواقع أصحاب السطوة، وأزلامهم.
الحالة السياسية المشوهة التي كانت انتخابات مجلس الشعب خلال العقود السابقة تعبر عنها تعبيراً دقيقاً، كانت تمر كل أربع سنوات مروراً سريعاً شكلياً إلا أنها اليوم وفي مستوى التأزم والاحتقان الحالي، تأتي أشد قسوة، واستفزازاً، فمن قيامها في ظل التأزم والانقسام الحالي وفق العقلية الإقصائية ذاتها،  حيث قوانينها الناظمة، وآليات تنفيذها تابعة ومتكيفة مع نفس المصالح، مصالح الفساد المستشري في جهاز الدولة، والفساد الصريح المعلن لدى رجال المال والسلطة المستقلين.

 

المشاركين والمقاطعين:
العقلية الإقصائية التي سيرت العملية الانتخابية، أنتجت مع نتائج الانتخابات زيادة في عزل الفئات المقاطعة عن المشاركة في العملية السياسية، وعقدت بالتالي عملية بناء الثقة بإمكانية اختراق الحل السياسي لصفوف التعنت من كلا طرفي الأزمة.  وبالمقابل جعلت الفئات المشاركة في العملية السياسية أشد نقمة واستياءا بعد دخولهم العملية السياسية وخروجهم منها مع شعور بالخذلان أو أبعد من ذلك بالاستغلال.

 

الانتخابات خطوة لحل الأزمة:
كان للجبهة الشعبية للتغيير والتحرير الموقف الذي يقول بالمشاركة الواسعة، والنوعية، والتي تقوم بداية على اعتبار الانتخابات خطوة في طريق حل الأزمة، والدفع باتجاه تبني الحل السياسي ووعي دورنا في تسريع ولادته العسيرة وتوسيع الطيف الشعبي والوزن الذي يتبناه حلاً وحيداً وعميقاً بعيدا عن الشكلية. الانتخابات كجزء من عملية  بناء الحل السياسي، ومجلس الشعب كأداة متاحة يفترض استهلاكها بشكل كامل، وتم التعامل مع الانتخابات والحملة الانتخابية بعقلية نوعية هي عقلية جهة سياسية تعكس تمثيلاً شعبياً وتدخل الانتخابات ببرامج وحلول تتعلق بكافة جوانب الأزمة الوطنية العميقة، وتم الاستفادة من هذا الظرف، لبناء تجربة تراكمية تساهم في زيادة وتعميق  الوعي والفعل السياسيين، لدى الجبهة ولدى طيفها الشعبي وفي المجتمع عموماً، وهو ضرورة في ظل الوضع الحالي الذي يتميز بمستوى حراك ونشاط سياسي عالي، مقابل وعي سياسي منخفض.

انطلاقاً من وعي كل هذه الضرورات كانت المشاركة النوعية، ولم تقم على أوهام بأن هذه العملية الانتخابية الحالية ستحمل جديداً جذرياً، بل تقول مسبقاً بأن الانتخابات تقوم في ظل نظام انتخابي سيعيق إعطاء المجلس والانتخابات هذا البعد، إلا أنها تضع أيضا بالاعتبار أن الانتخابات الحالية تقوم  بعد تضحيات قدمها الشعب السوري بكافة فئاته واتجاهاته، وأثمان غالية ثمارها الأساسية هي التغيير الحقيقي المطلوب، ويفترض بعد كل هذا أن يفرض الشعب السوري إعادة توازن في تمثيله بمجلس الشعب على الأقل بحد كاف لمواجهة الفساد المتمترس، وراء حلوله الأمنية، والدفع باتجاه الحل السياسي.

 

ماذا بعد المشاركة..
تظهر نتائج الانتخابات، فشل في فرض وزن شعبي حقيقي، فبقيت البنية السياسية القديمة المعبرة عن الفاسدين وأزلامهم محمية وحتى أن النتائج توحي، بأنها قد كوفئت وتحالفت تحالفاً متيناً لم تستطع نواتات الفضاء السياسي الجديد اختراقها، ولا حتى المشاركة الفعالة من قبل الكثيرين الذين تجاوزا بوعي عالي مواقفهم الصحيحة والنقدية  من مجلس الشعب، وانتخبوا قوائم وبرامج تعبر عنهم.
وأتت الانتخابات أيضاً ضمن اختبارات لجدية البنية السياسية الحالية، في تطبيق التغييرات القانونية  الورقية التي تمخضت عنها بنية النظام وبالضغط بعد كل هذه الأزمة، وقد حققت فشلاً ذريعاً في هذه الاختبارات، حيث سجلت موقفاً واضحاً يعبر عن غياب القدرة والإرادة الجدية على مواجهة الفساد وحلفاؤه و أدواته التي يمثل مجلس الشعب والقانون الانتخابي تعبيراً واضحاً عنها.

فالمال المدفوع، متحالفاً مع سطوة وجوه وتحالفات سلطوية، فرضت أمراً واقعاً ووجِهت المشاركة الشعبية بسطوة جهاز الدولة، أو بسطوة الإعلام  لتصدر وجوه قديمة متكلسه كوجوه وطنية، وليخلط المدافع عن المكاسب والفساد والسطوة، مع المدافع عن الوطن والبلاد في  ديباحات عاجلاً أم آجلاً ستفقد كل مضمون لها..
أفشلت أهم مفرزات التغيير المفترض وهي الدستور بمادته الثامنة الجديدة فشلاً ذريعاً عندما دخلت حيز التنفيذ، حيث عبرت العملية الانتخابية أوضح تعبير عن  شكلية أي إصلاح، إذا لم يدعم بوزن شعبي مدافع عنه، فالتعددية السياسية شعار المرحلة، قد استثنت منها انتخابات مجلس الشعب، والتي قامت تحت راية المادة الثامنة القديمة، وهذه العملية لم تتم تلقائياً، أي ليس الوزن الضعيف للطيف السياسي الجديد هو المعيق، وإنما الإعاقة المباشرة باستخدام سلطتين متحالفتين، هما هيمنة المال، وهيمنة جهاز الدولة والعقلية البعثية الأمنية التي تتعامل مع الفئات الواسعة فيه بعقلية الضامن والمانح، والمتحكم، حيث كانت القوائم الجاهزة التي تتربعها وجوه الفضاء السياسي القديم والمستهلك هي القوائم المعتمدة، بالإضافة إلى استخدام هذه السطوة في عملية التزوير التي وقائعها كثيرة وصارخة.

 

إلغاء نتائج الانتخابات:
مجلس الشعب بتشكيلته الجديدة القديمة، مستلب كلياً كما في السابق لصالح أصحاب السطوة المالية وأزلامهم، أي فشلت العملية الانتخابية في تحويله إلى إطار سياسي ينقل وزن شعبي إلى مواقع القرار، وبالتالي الانتخابات كخطوة باتجاه حل الأزمة، أيضاً لم تتقدم نحو الأمام، ولم ترمم إطلاقاً من فجوة الثقة الكبيرة بين جهاز الدولة والشعب، لا بل زادتها اتساعاً وعمقاً، وهو ما يشكل في الوضع الحالي عاملاً جديداً لزيادة تعميق الأزمة الوطنية، ويعتبر بمثابة حل أمني  بحت، يقصي التمثيل الشعبي، ويتبنى مصالح الفساد، ومن هنا كانت المطالبة  بإلغاء نتائج الانتخابات، فانتخابات لا تدفع إلى الأمام باتجاه الحل، ستدفع نحو الوراء كثيراً وهو ما يتناقض تماما مع عقلية مشاركتنا  التي تضع حل الأزمة الوطنية سمتها الأول..