فاتح محمد جاموس فاتح محمد جاموس

الأزمة الوطنية الشاملة تدمر كل شيء في طريقها حزبنا (حزب العمل الشيوعي في قلب الأزمة)

قراءة وموقف - ملاحظة أولى:
سألني ويسألني يوميا العديد من الرفاق والأصدقاء، ومن أوساط النخب السورية، والإعلام، لماذا أبقى صامتاً ولا أرد على البلاغ الموقع باسم هيئة «المكتب السياسي» المتعلق بي شخصيا، بنشاطي وممارساتي في حقليّ السياسة والتنظيم، وموقعي في الحزب؟ما هي حقيقة الأمور؟ ولماذا أترك التفاعلات حرة وذات طابع فوضوي ضار؟ أتركها للشامت والثرثار، للمتطرف والقمعي، للثأري والعقابي من وسط الحزب، وخارجه بشكل خاص؟ أليست تجربتكم بكل دروسها ملكا للجميع؟ أليس أمر توضيح الحقائق وموقفك واتجاهات الرأي عندكم مفيداً وضرورياً في ظل الأزمة التي يعيشها الوطن؟أليست أزمة حزبكم تعبيرا تفصيليا غنيا وهاما للتفاعل والخضوع للأزمة الوطنية العامة وفي قلبها؟.

بصراحة، غالبية هذه المسائل صحيحة ما عدا أنني تأخرت أو أتأخر بالرد والتوضيح، فأنا لم أتأخر، والأمر يحتاج للتريث والهدوء، ومن جهتي هذه طريقة في التعاطي مع مثل هذه القضايا الحساسة، وأرغب فعليا بترك مجال ووقت للتفاعل الحي والغني، للتشاور وسماع الآراء، هكذا تصبح قدراتي ورغبتي وإرادتي في التعاطي معها بعد التفاعلات الواسعة والغنية، تصبح أكثر دقة وعقلانية وشفافية، وحماسا غير عصبي، كما أكون قد تركت مسافة فاصلة فعلية لأبتعد عن ردود الفعل والاتهامات، عن الخفة العقلية والشخصية، عن إمكانية إهمال قيم أساسية تتعلق بالأمانة الحزبية والأمانة للحقيقة، وتتعلق جدا بالوفاء لمفهوم الرفاقية والكفاحية، وربما ضرورة تناول الأمور بشيء من «الفكاهة» إن أمكن، مع معرفتي الطويلة، الواسعة والعميقة، بالنخب السورية، وتقاليدها فيما يتعلق بالخلافات التنظيمية والسياسية، التلطي والشكوك، الاتهامات الكبيرة وافتعال معارك ضاجة صاخبة، خارج الحقول الفعلية للتناقضات والصراعات والمعارك الحقيقية، وتعويض عقد النقص لغياب الفعالية والتأثير، أو غيرها من الأسباب، التخلي عن الأسس والمعايير المتفق عليها، التخلي عن الوعي والممارسة الديموقراطية، السرعة في القرارات العقابية لإرباك وشل الخصم! الاتكاء على شرعيات كبيرة «مقدسة، أو محرمة» ومحاولة استخدامها في الخلافات وفرضها، ومن المؤسف أن مجموع هذه السمات السلبية في تاريخ خلافات النخب السورية، والتي حاولنا طويلا في حزب العمل الشيوعي تجاوزها إلى قيم أخرى نقيضة، يبدو أنها دخلت من نوافذنا وفجواتنا الكثيرة المشرعة من زمن غير قصير لمثل هذه الرياح السامة.

ولأنه من الصعب إن لم يكن مستحيلا الاكتفاء بتعليق مكثف وموجز، ملتبس وغير واضح، ضار أكثر مما هو مفيد كما حصل في حالة بلاغ الرفاق، يمكن ويجب تقديم موقف أولي في إطار مجمل المعايير والقيم التي أكدتُ عليها قبل قليل، ويبين إطار الخطوات القادمة وطبيعتها، التي سنقدم عليها نحن الرفاق الآخرين، والاستقطاب الحزبي ثم السياسي الذي سيحصل، أو المحتمل، وأعتبر ما سأبينه هنا موقفا أوليا، قبل الاضطرار للنشر الشامل لكل ما يتعلق بهذه القضية، وقبل الإقدام على أي خطوة تنظيمية أو سياسية، أيضا باسم حزب العمل وحق تمثيله والدفاع عما نعتبره يمثل نهجه، وتقاليده، وأخلاقه، والمعايير التنظيمية الفعلية المتفق عليها داخله في تقارير المركزية، وكذلك الاستراتيجية والسياسات الرئيسية الموضوعة بصورة نظامية وشرعية، (وهو ما تجاوزته بالمطلق هيئة المكتب السياسي بصورة غير نظامية، وغير شرعية كما سأوضح بالوثائق وتفصيلات الحقائق)متمنيا بصورة صادقة الاستمرار بصيغة التعايش مع الاختلاف، والاتفاق الدقيق على كل ذلك، متمنيا بصورة صادقة أيضا الاستمرار بوسيلة رسمية واحدة للحزب، ومؤسسات واحدة، والعمل على تطوير تلك المؤسسات الحزبية ونشاطنا وتأثيرنا، وتخفيف الدمار والتكاليف التي تفرضها علينا الأزمة الوطنية الشاملة، حيث تتفاعل أزمتنا الذاتية معها، ونحن في أشد حالاتنا استهتاراً وضعفاً ودماراً تنظيمياً وسياسياً.

مدلولات خطوة الرفاق:من الواضح أن أولئك الرفاق الذين صدّروا البلاغ، بالتغاضي الآن عن الحقيقة المتعلقة بكونه هو بذاته ما اتفق عليه أو هو غيره، ولماذا حصل ذلك، من الذي لعب بالأمر وغيّره!؟هذه قضية برسم الأمانة والصدق ورفع الصوت تجرؤا لمن يعرفها، أمّا هذه الخطوة (البلاغ)فهي ذات مدلولات محددة، وأصحابها يريدون التأكيد على الأمور التالية:

1 -هناك خلاف سياسي كبير ومستفحل بيننا، قديم ذو جذور، بلورته وعمقت شرخه «ثورة شعبنا»، خلاف دفعني للتصرف السياسي خارج خط الحزب وسياساته وتحالفاته، وعدم التكلم باسمه.. الخ تفارق سياسي كامل بين خط الحزب وممارسته من جهة، وتوجهاتي ونشاطاتي من جهة ثانية، فغدا التعايش مستحيلا، ولا بد من إجراء ما!؟
2 -هناك خلافات تنظيمية بيننا، كبيرة ومستفحلة أيضا، إذ تجاوزتُ من جهتي المعايير والأسس والتقاليد والنظام الداخلي واللوائح، فلم يعد يجوز التساهل والانتظار، ولم يعد التعايش ممكنا، لم يكن بد أيضا من إجراء، فجاء البلاغ المعني.
3 - إصرار على نقل المسألة إلى العلن، بصفتها قضية حزبية كاملة لها أصولها.
4 - ميولي وممارساتي فردية، ولا تمثل في واقع الحزب سوى الآراء الشخصية لي، فيجب تطهيرها إذن، خاصة وأنها تشوش على ثورة شعبنا، وعلى موقف الحزب الثوري منها، لماذا يجب التعايش والتهادن مع مواقف وسلوكات تضعني خارج العملية الثورية الجارية في البلاد، بشكل خاص «التلوث» الثوري مع قوى معروفة تاريخيا بموالاتها وذيليتها للنظام الاستبدادي، فيجد المكتب السياسي نفسه «ملزما» بإعلان ما أعلنه؟!
5 - هناك عقبة كبيرة من جهة قناعاتي وممارساتي «تهدد» ضرورة التغيير الديموقراطي الجذري الآن، الذي يقوم الحزب بدعم ثورة شعبنا فيه من خلال»انخراط الحزب مع قوى المعارضة الديموقراطية».
6 - بالتأكيد، أراد الرفاق أم لم يريدوا، بلاغهم هذا، بيان معمم على صفحة طرف واسع وهام جدا، فعّال جدا، عنيف جدا، انتقامي وثأري من صف «الثورة السورية» (المكوّن من مجموع المراكز الامبريالية، والتركي الأوغلوي «بعمقه الاستراتيجي بحسب عنوان كتابه الخطير» والصف الرسمي العربي الحمدي والآل سعودي، وصولا إلى مجموع الفعاليات والقوى العنيفة والمتطرفة على الأرض السورية) وليس على صفحة ذلك الطرف أو الجزء الضعيف، غير الفعّال، أو الغائب بالأصح، مثل حزبنا أو أحزاب وفعاليات أخرى، ولا يستطيع تقديم اقتراح، عداك عن إمكانية تسمية فعلية لواحدة من نهارات «الجمع»، وإلا لماذا يحشر البلاغ كل تلك الصيغ والمفاهيم من المقدس «المحرم» الثورة، ثورة الشعب، «التغيير الجذري الآن» «خارج العملية الثورية» ؟! القوى التي أتحالف معها، هي في صف النظام؟! وأنا في صفه أيضا بحسب البلاغ؟!بينما الثورة والقوى الثورية، حزبنا وحلفاؤه يريدون إسقاطه (وليس كما جاء في البلاغ: التغيير الديموقراطي) في إطار شروط ثورية، واستخدام وسائل ثورية، إن ذلك الصف القائد «للثورة» والمحدِد لكل ما يخصها، هو بصراحة يعمم الأسماء للتشهير والعزل والقمع، للإنتقام والمحاسبة، ويتلقى بتهور ومجانية، مع اتهامات وادعاءات كاذبة، تعميمات أخرى بأسماء كثيرين، باسم الثورة والمقدس والمحرم، باسم شرعية جديدة ليست أقل سوءا وتطرفا ودموية من الشرعية التي حاول النظام فرضها تاريخيا والعمل باسمها (هناك نظام ديكتاتوري قمعي عنيف، وهنا قوى تدعي أنها ديموقراطية) يتلقى التعميمات الجديدة من بقية صف «الثورة» تقربا وتمسحا، وطلبا لدخول نادي التأثير والفعالية، كما يفعل رفاقنا ببلاغهم، إنه وفاء كامل ومطلق؟! «للثورة» ولصفها القيادي الفعلي، الذي عددت بعض أهم عناصره، والوفاء للثورة أهم بكثير من الوفاء للرفاقية، والتعايش الديموقراطي ولولا أننا نتكلم عن حزب العمل الشيوعي لقلت إن كل ذلك الجنون له ثمن مقبوض، أو سيقبض لاحقا بطريقة ما، ها هي شرعية المقدس – المحرم «الثورة» تغلق الطريق على كل شيء.
7 - صيغة البلاغ مكثفة، عامة وغير محددة، تجمع كل احتمال معياري عمومي، سياسي وتنظيمي، سابق ولاحق في تاريخ الحزب (تفارق، عدم التزام، خارج العملية الثورية، فردية) إنما لا تشير ولا تضع أي نص تنظيمي قانوني، كما أن مؤسسات الحزب الأخرى، التي لم تستدعَ أو تعقد أوغير موجودة لثلاث سنوات ستنظر لاحقا بذلك، ولا بد من اللعب وترتيب الأمر بالتأكيد بحسب كل المنطق الذي يعمل به أولئك الرفاق، وها هي الحقوق والواجبات والوعي والممارسات الديموقراطية جامعة شاملة، ألم يظهر حرص هيئتنا كاملا خاصة بحسب ما ورد في مقدمة البلاغ، ومدلول كل ذلك أنه لا يوجد مجال للتفاوض، للمصالحة والتراجع والاحتكام، فها هي شرعية أخرى مقدسة – محرمة قد وضعت على الطاولة (الخلاف والشرعية التنظيمي)

 

استدراك - ملاحظة ثانية:

وخوفا من أن أسقط في مجمل أخطاء الرفاق المنهجية، أوتغييب الحقائق، والاتهامات المؤسفة في ظلها، ووضع المقدس والمحرم والشرعيات على الطاولة، والتخويف ورد الفعل وتعميم ذلك على الصفحات السوداء مع تداعياته، والخوف من التكثيف الغامض والملتبس، خوفا من كل ذلك وغيره، غدا ضروريا جدا عرض أهم الحقائق التنظيمية الداخلية، والسياسية، وما يتعلق منها بموضوع التحالفات، على الرغم من المرارت والأذى الذي سيتسبب به، أرغب بعرضها أولا: كتجربة هامة وغنية تخص العمل الوطني، تخص اليسار عموماً و «تيم»، وعرضها ثانيا:ليدرك صف الرفاق أصحاب البلاغ، وصفنا نحن الآخرون الوضع المأساوي الذي سنتقاسمه، ونعمل على زيادة تدميره، والشرعية التي يحاول الرفاق استغلال اسمها، ولندرك ثالثا:القيمة الرمزية لاسم الحزب وتاريخه الذي يحاول البعض الآن (بعد انطلاق الحراك) الاستظلال به واستغلاله بعكس سلوكهم سابقا، وليدرك من يفهم أن هذا حق متاح للجميع ومن يريد على أرض الواقع، بعيدا عن البلاغات الورقية، وبالتغاضي عن الطرف الذي يصدرها.ولندرك جميعا بعد ذلك أن التعايش الديموقراطي الحقيقي، والعمل على وقف تدمير ما تبقى من تجربتنا والانتقال إلى تطويره بسرعة وإجراء مراجعة علنية شاملة هو الخطوة الوحيدة الصائبة لمواجهة تفاعلات الأزمة الوطنية الشاملة، وهذا لا يزال متاحا بالتأكيد، وقبل كل ذلك:

• على الأقل الآن، وفي ظل الشروط السياسية للأزمة الوطنية المستعصية، أنا لست خائفا على الحزب والرفاق بمجموعهم من أي عملية انتقام من جهة النظام، على الرغم من موقف الحزب «الرسمي» وما وصل إليه، وعلى الرغم من غياب ثقتي بالنظام تاريخيا على ذلك الصعيد فهو انتقامي، وغياب شعوري بالأمان، النظام بالذات ومن زمن طويل متعايش مع وجهات نظر أكثر تطرفا من وجهة نظر حزبنا حاليا، متعايش مع وجهات نظر سياسية معارضة تقول بدور الدبابة الأمريكية، والنظام الآن، على الأقل نظريا يريد الحوار مع المعارضة بكل أطيافها، للأسف حتى العنيفة العسكرية والخارجية التدخلية منها، وهكذا لست خائفا من العرض الدقيق لوجهة نظر الرفاق، خاصة وأنني سابقا لم أتناولها بالمطلق بصورة علنية، لا لأنني كنت خائفا من تعميمها على صفحات النظام السوداء كما يفعلون هم على صفحات صف الثورة «الحمدي والعنيف الانتقامي» بل لأنني كنت ضد الفكرة وها أنا أجبر عليها، دققت قراءتي للظروف، أستطيع المتابعة فوضع الرفاق الحزبي والشخصي آمن، لم يفكروا بخطوتهم!؟ أو فكروا، جميعنا لسنا بسن المراهقة وربما نعرف ما نفعل.
• سأسير صراحة ووضوحا مع البلاغ وأصحابه إلى النهاية، وسأقول محاولا تحقيق السعادة والفرح وملء الروح والعجز تعويضا عند بعضهم على الأقل، بالاعتراف من جهتي بأن البلاغ كان الأكثر جرأة وثورية ونضجا وأهمية في تاريخهم، والأكثر تنبها وتوافقا مع الأزمة الوطنية والأزمة الحزبية، أكثر أهمية من عدم انعقاد اجتماع مركزية واحد على مدى ثلاث سنوات، أكثر أهمية من عدم عقد مؤتمر وإجراء مراجعة، من تطوير وتائر الجريدة، من التناقص الشديد بعدد الرفاق، من التخلي الشامل عن استراتيجية الانتقال السلمي التي تعبنا في انتاجها كثيرا وأقنعنا العديد من أطراف المعارضة السورية بها.الخ.
• أيضا سأسير باللعبة التي يريدها أصحاب البلاغ، أو مساعدتهم بخصوص القناعة والتوافق مع فكرة وجود «ثورة» ووضع ثوري، وضرورة استخدام وسائل ثورية، والضرورة الكبيرة في الانضمام إلى صف الثورة السياسي، وكل التداعيات الممكنة في ذلك السياق، وهكذا أدعو صف الثورة الفعال والقائد الحقيقي في كل شيء على الأرض لتصديق رفاقنا ولحظهم بعين الاعتبار، وتمييزهم بذلك حتى عن بقية صف هيئة التنسيق الذي يشبههم كثيرا، ما عدا ذلك الانتقادي الصادق والمتجريء(هيثم العودات مع محبتي يا هيثم وحفظ الألقاب فنحن رفاق، ورسالتي التي أكتبها لك لم تنته بعد.
• كذلك بالنداء لمجموع الإطار القديم في الحزب للتنبه بأن بينهم وبين الرفاق أصحاب البلاغ قناعات سياسية متقاربة جدا، بين دور الدبابة والقاطرة التاريخية الرأسمالية والأمريكية، ودور التدخل العسكري العربي بصفته غير أجنبي، لكنه أداة ورأس حربة لتلك الدبابة!وبصفته غير ملتبس ولا خلاف عليه بخصوص مسّ السيادة، وكذلك وجود ثورة، وأن المظاهر العسكرية ظواهر للثورة يجب تفهمها والتعاطي معها، ورفض الحوار مع النظام، بل التفاوض معه ..الخ انتبهوا لقد وصل الرفاق أصحاب البلاغ من زمن غير قصير إلى قناعاتكم، وكانوا سابقا يحملّون الكادر القيادي فيكم مسؤوليات تدمير الحزب، لا تفعلوا مثل المجلس الوطني وتذهبوا بشروطكم، أو الخضوع لشروط غيركم إلى نهاية التطرف وتفويت فرصة تاريخية في لملمة أقسام هامة من الحزب، فالمجلس فوّت فرصة وحدة المعارضة بإلتهام هيئة التنسيق، وها هي فرصة حقيقية لكل من كان يخطّىء توجهات الحزب سابقا لكي يعود ويعمل داخل صفوفه، من زمن بعيد للخلف كان العمل داخل صفوف الحزب متاحا وأكثر جدوى من مواطنة ومعا وبقية الفعاليات التي تستقطب أعدادا من كادرات الحزب القديمة.
• ووضوحا إلى النهاية مع الرفاق، تشجيعا وبلورة إضافية لقناعاتهم وصفهم، بالتأكيد من جهتي أنّ خلافنا السياسي حقيقي وواضح، قديم من تلك الأيام التي بدأت فيها دروس الاحتلال الأمريكي لبغداد تفرض نفسها على الجميع، ومن تلك الأيام التي خضنا فيها صراعات فكرية - سياسية وبرنامجية داخل إعلان دمشق والتجمع الوطني الديموقراطي، وصولا إلى الأسابيع الأولى في انطلاق الحراك الشعبي في سورية، ومجمل تطوراته وسماته كما استقر عليها من فترة طويلة، من الواضح أن الفروق كبيرة جدا وخطرة جدا بين الاعتبار أن هناك شروطا ثورية وثورة، والاستراتيجية الموافقة لذلك والوسائل والتكتيكات والتحالفات والبرنامج والمهمات، خاصة الرئيسية فيها، وبين الاعتبار أن الأمر وصل في سورية إلى وضعية أزمة وطنية شاملة ومستعصية، وما تفترضه من ثقافة وحلول ومهمات، وأنه الأمر لم يكن في الأساس ثورة لشعبنا السوري، وكل هذا يشمل في طريقه المفهومات المنهجية للثورة، والعناصر الطبقية والاجتماعية والقيادية السياسية لها، ويشمل دور الوسائل الثورية ومنها العنف ومظاهره وأسبابه في البنية التاريخية السورية، أو في مجرد ردود الفعل على عنف النظام، أما وأن تكون قوى التغيير السلمي حيثما وجدت، في الكتلة الغالبية من شعبنا التي لم تستقطب للصراع، أو حتى داخل صفوف النظام ممن ترفض استمرار الأخير في إدارة الأزمة بالوسائل الأمنية القمعية والعنيفة، أو من جهة صف الحراك السلمي الذي يرفض العنف والتدخل الخارجي، أو قوى وفعاليات سياسية هي حقيقة في هذا الصف حاليا (ومن باب الفكاهة كان السيد قدري جميل وحزبه واحدا من أوائل القوى الشيوعية التي كتبنا بأيدينا وتيم معنا وقيادة تيم «الثورية» حاليا وأرسلنا له مشاريع لوحدة الشيوعيين، وهذه فكرة نظرية وسياسية معاييرها أكبر وأكثر أهمية وتحتاج لوعي وتدقيق أكثر أيضا من المشاريع التحالفية التي دخلنا بها) (ومن باب الفكاهة أيضا كان الكثير جدا ممن ادعوا الثقافة والانتماء إلى المثقفين يتمسحون بحزب السيد قدري وجريدته وحب الظهور في مؤتمراته ودعواته الواسعة) (ومن باب الفكاهة أيضا أننا حضرنا الكثير من الدعوات الرسمية لاحتفالات الحزب السوري-الانتفاضة وصدّرنا معهم بيانا أو أكثر بعد حوارات مشتركة هم من دعونا إليها) (كذلك من باب الفكاهة أو المضحك المبكي:هل هذه القوى هي الوحيدة غير القابلة للتغير والتطور؟! فقط قوى مجلس استانبول والتركيبة المتناقضة لهيئة التنسيق؟! الهوى يهوي بالمرء وقاتل أحيانا!)نكون جميعا تحت رحمتكم ورحمة «صف الثورة الحمدي التركي خارجيا- العنيف والمتطرف داخليا» أو أننا خارج رحمتكم، وضد المقدس، والمحرم، وتجوز العقوبة بنا، أقول: هذا جهل سياسي على الأقل: فهل يمكن اعتبارنا قوة خارج الاستقطاب المجنون والمتطرف، العنيف الدموي، الرافض للخضوع للتدخل الخارجي والمستوى العالي جدا فيما وصل إليه، والارتهان الشديد للوضع السوري والأزمة والحلول الخاصة بها له. أم أن عدم التطابق مع صف «الثورة» هو اصطفاف في صف النظام! هذا عيب، العالم كله صادقا أوكاذبا يقول بالأزمة السورية، وضرورة حلها سلميا، حتى نحن في آخر اجتماع للمكتب السياسي أكدنا أننا مع أنان ومبادرة العالم، هل هذا هو تكتيك الثورة أم خطة عمل للخروج من الأزمة؟! أم نعمل تحت وفوق الطاولة؟! هل تتضمن المبادرة استراتيجية إسقاط النظام؟ هل تتضمن التفاوض مع النظام أم الحوار على طاولة مستديرة؟ هل تتضمن كالسابق في مبادرة جامعتكم العربية أو محاولات مشاريعها في الأمم المتحدة شروطا تجاه رئيس النظام، والتخلي عن بعض صلاحياته لنائبه؟! مهلا يا شباب بين الثورة أو وجود بعض قوى ثورية هنا وهناك تحتاج إلى اللململة وتحسين شروط وجودها في قلب الأزمة الوطنية المستعصية، فروقا شاسعة، بين المتطرفين من الجهتين والعنف والدمار والاستعصاء في الأزمة وبين الثورة فروقا شاسعة أيضا كما سأوضح من خلال متابعة النقاش حول أزمة حزبنا في قلب الأزمة الوطنية.

 

ظروف تشكيل ائتلاف قوى التغيير السلمي:

من الواضح أن هناك شرطاً موضوعياً قوياً لدرجة عالية جداً فرض نفسه على الجميع يتمثل بوجود كتلة مجتمعية شعبية هي غالبية في الحالة السورية رفضت الاستقطاب إلى طرفي الصراع بحكم طابع الاستراتيجيات المتطرفة التي استخدمت من قبل النظام وفعاليات هامة في الحراك والمعارضة،  وبحكم استخدام الوسائل المتعلقة بها والطموح في فرض أهداف ونتائج متطرفة، ووصل الأمر منذ عدة أشهر إلى حالة أزمة وطنية شاملة يدفع الوطن فيها تكاليف وأثمان باهظة جدا وهذا بسبب المستوى الكبير للتدخل الخارجي مرتهٍنا له، وعلى تلك الأرضية برزت ظاهرة ذاتية(حتمية في مثل هذه الحالة)تتمثل بقيام نخب ووعي خاص لمفهوم الأزمة الوطنية والثقافة والحلول المتعلقة بها داخل كل القوى والأطراف والإطارات التحالفية وبصورة مستقلة عنها أيضا، وباعتبار أن القانون البديهي في هذه الحالة هو تطور الأطراف والمفاهيم سلبا أو إيجابا بالعلاقة مع الأزمة، فهناك قوى قد طورت وعيها وموقفها وكان طبيعيا أن تطرح عملية تنسيق بين الفعاليات والقوى المتعلقة بالمفاهيم السابقة.

وبعد التأكد من أن الإطارات المعارضة الأخرى قد تخلت بسرعة عن إستراتيجية الانتقال السلمي الآمن وانزلقت إلى مواقف خطرة من زاوية التواطؤ الفعلي أو المستبطن مع العنف والتدخل الخارجي فيكون أمرا طبيعيا تشكيل إطار تحالفي أخر ليمسك من جديد بإستراتيجية الانتقال السلمي التي تعتبر أساسا حاسما في الخروج الآمن من الأزمة كمهمة أولى ثم التوجه إلى التغيير الديمقراطي الجذري وفي هذه الحالة تكون وسيلة الحوار الوطني بين أطراف الأزمة وفعاليات المجتمع السوري وتعبيراتها الوسيلة الحاسمة في ذلك، لكل هذه الأسباب طرحت الحوارات الأولية وتوصلنا إلى نتيجة تشكيل ائتلاف قوى التغيير السلمي بين الأطراف الموقعة.

«موقع سيريا بوليتيك»

 

 

 

قيادي في حزب العمل الشيوعي