النموذج الاقتصادي المطلوب في سورية هل هو ( رأسمالي أم اشتراكي)؟
يتفق معظم السوريين اليوم، بعيداً عن المتطرفين في التعامل مع الأزمة، على أن التغيير أصبح ضرورة لامناص منها، ويسود المجتمع جدالات واسعة حول شكل التغير واتجاهاته
وحيث أثبتت الأزمة الوطنية سياسياً واجتماعياً واقتصادياً أن التغيير البنيوي الجذري والشامل هو المطلوب للخروج الآمن من الأزمة، نجد أن بعض أطياف المعارضة لاتزال تسعى لتحقيق تغير شكلي لا يلبي سوى مصالحها ومصالح الجهات التي تمثلها، ففي القضية الاقتصادية الاجتماعية لم تطرح معارضة اسطنبول في وثيقة العهد الوطني سوى بند تلخص بالعمل على تحقيق أوسع الحريات الاقتصادية، وهذا الطرح لا يختلف عن طرح الحكومة السابقة التي أتاحت الحرية للأسواق والاستثمارات الخارجية، فأين التغيير في ذلك؟ إن التغيير الحقيقي اليوم لا يمكن إنجازه ما لم يؤسس على قاعدة اقتصادية وطنية تضمن مصالح غالبية الشعب السوري وكرامتهم،وتسعى لبناء دولة مستقلة متقدمة. وانطلاقاً من تلك القاعدة تقدم الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير نموذجاً اقتصادياً يلامس جوهر الأزمة،وأسباب احتقان الناس وغضبهم، ويطرح مطالب جامعة للوطنيين في مواجهة الفاسدين والعملاء بعيداً عن أصحاب الشعارات والبرامج الواهية والخلبية.
ماهو النموذج الاقتصادي المطلوب في سورية وماهي ملامحه هل هو رأسمالي أم اشتراكي؟ عند الإجابة على هذا السؤال يجد الكثير من السوريين وخاصة الشباب أنفسهم بين طرفي كماشة:
- رأسمالية مأزومة على المستوى العالمي، خبرناها مطبقة علناً في سورية خلال العقد الأخير تحت مسمى « اقتصاد السوق الاجتماعي» كانت محصلتها تدهور في المستوى المعيشي مع ارتفاع معدلات الفقر التي وصلت إلى 40%،ارتفاع معدلات البطالة ووصولها إلى ما يقارب 20%، تراجع قطاعات الزراعة والصناعة وانخفاض مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي.
- و››اشتراكية›› قيل أنها طبقت في سورية منذ أربعة عقود، «اشتراكية» أنتجت فساداً كبيراً في نهاية المطاف.
و لتوضيح الموقف من النموذج الاقتصادي المطلوب سوريةً يجب توضيح الحقيقة التالية وهي أن الاشتراكية الحقيقية لم تطبق يوماً في سورية،وإن كانت الإجراءات المطبقة منذ الستينيات المتمثلة في عمليات ( التأميم والإصلاح الزراعي) توحي بغير ذلك إلا أنها كانت إجراءات شكلية لم تلامس جوهر الاشتراكية وهو بشكل أساسي شكل علاقات الإنتاج، وتوزيع الثروة. حيث أن الاشتراكية تعني ملكية اجتماعية لوسائل الإنتاج تنفي استثمار الإنسان للإنسان،تضمن المساواة الاقتصادية بين الناس وبالتالي تؤكد مساواتهم في حياة المجتمع السياسية والاجتماعية أيضاً، ولكن ما طبق في سورية لم يفض إلى تلك الحالة، وفي أحسن الأحوال كان نموذج رأسمالية الدولة المنتجة للفساد بسبب غياب الحريات السياسية.
التأميم: في الستينيات من القرن الماضي جرت تحولات عديدة تمثلت باستكمال قرارات التأميم التي بدأها جمال عبد الناصر وشملت قطاعات عديدة في الاقتصاد السوري (الصناعي، الزراعي، التعليم، المصارف)، حيث أمنت تلك القرارت القاعدة المادية العريضة لنشوء القطاع العام (قطاع الدولة)، الذي لعب دوراً مهماً نسبياً في توفير مجانية التعليم والصحة، وإيجاد الخدمات الضرورية من ماء وكهرباء لكن هذه العملية لم تستكمل نموها بالشكل الصحيح، حيث تكونت بورجوازية بيروقراطية في رحم القطاع العام أغتنت وشكلت ثرواتها من تبادل المصالح المشتركة مع البورجوازية الطفيلية، حيث كانت الطريق نحو إعادة تدوير الأموال مرة أخرى ومراكمتها ومركزتها مستفيدين من المواقع المفصلية في جهاز الدولة في توجيه القرارات والإجراءات المستصدرة لخدمة مصالحهم الضيقة.
الإصلاح الزراعي: جاءت سياسة الدولة لتخدم مصلحة الفلاحين المتوسطين الذين استفادوا بحكم الاتساع النسبي للمساحات التي يحوزونها من دعم الدولة السخي لمدخلات الإنتاج الزراعي وبرامجها أكثر منها لصالح الفلاحين الصغار مع ضيق مساحات الحيازة الزراعية وتفتت الحيازات إلى ما دون الحد المنتج، وفي ظل ضعف الحركة التعاونية واقتصارها على مجال الخدمات وليس الزراعة التعاونية ولا سيما مع شبه توقف عملية توزيع أراضي الإصلاح الزراعي على الفلاحين التي ترواحت بين عقد وعقدين، حيث بلغ إجمالي مساحة الأراضي المستولى عليها (1401.3 ألف) هكتاراً لم يوزع منها على المنتفعين من قانون الإصلاح الزراعي سوى (466.1) هكتار في حين تم تخصيص (254) هكتار لأغراض استخدامات مختلفة واستبعد أوبيع ( 329.8) هكتار وبقي (351.4) هكتار غير موزعة، واستطاع كبار الملاك المصادرة أراضيهم تجميع تلك الحيازات مجدداً من خلال استئجارها وتحولوا إلى كبار ملاك جدد ولكن على شكل رأسماليين.
المطلوب اليوم في سورية اشتراكية من نوع جديد، قادرة على تطبيق جوهر الاشتراكية من خلال تحقيق أعلى نمو ممكن معتمد على الإمكانيات الوطنية واستعادة الأموال المنهوبة جراء الفساد، وتحقيق أعلى عدالة اجتماعية من خلال إعادة توزيع الثروة بشكل عادل لمصلحة أصحاب الأجر، وتطوير قطاعات الصناعة والزراعة الوطنية وحمايتها.
إن نجاح الاشتراكية اليوم في ظل سورية الجديدة يتطلب تحقيق أوسع الحريات السياسة التي تلبي مصالح غالبية الشعب السوري ضد الفاسدين وضمان حرية المنظمات والهيئات النقابية والمهنية وتطوير دورها في حماية حقوق ومصالح الفئات التي تمثلها وحماية حق العمال في إضرابهم السلمي عن العمل الذي يضمنه الدستور الجديد، وهذا كله من شأنه ضمان التغيير الحقيقي