أين يكمن الخلل..  في الأشخاص أم في النظام؟

أين يكمن الخلل.. في الأشخاص أم في النظام؟

يحاول البعض في سورية اليوم رد الأزمة التي خرجت إلى السطح في العام الأخير إلى ضعف في كفاءة ونزاهة بعض المفاصل الثانوية في السلطات الثلاثة، التنفيذية والتشريعية والقضائية، ونقصد بالمفاصل الثانوية أعضاء مجلس الشعب، وبعض الوزراء غير الأكفاء، وصغار الموظفين في الوزارات، وبعض القضاة المرتشين، وتقديم كل هؤلاء على أنهم لم يطبقوا توجيهات القيادة السياسية لهم، وأنهم حنثوا بالعهد والثقة التي وضعت بهم، لذا سيكون الحل بعزل هؤلاء أو محاسبتهم، واستبدالهم بآخرين أكثر نزاهة لإكمال «مسيرة» الدولة والشعب....

على الرغم من مسؤولية الفاسدين في بعض المواقع عمّا يجري الآن، إلا أن حصر الأزمة بهؤلاء يهدف أولاً إلى تبرئة النظام برمته الذي أوصل هؤلاء إلى مواقعهم، ويهدف ثانياً إلى تبرئة الفساد الكبير عبر التنفيس عن الاحتقان الاجتماعي بالقصاص من الفساد الصغير فقط، ويهدف في المحصلة إلى إجراء إصلاحات ترقيعية وتجميلية للنظام نفسه دون اللجوء إلى أي تغيير يمس بنيته، أي الاعتماد على الحلول الآنية على حساب الحل الشامل والآمن، الأمر الذي يذكرنا بما طرحه بعض الاقتصاديين الرأسماليين حول أزمة الاقتصاد الرأسمالي الذي ظهرت في 2008 عندما أرجعوا الأزمة في جوانبها المختلفة، أزمة الرهن العقاري نموذجاً، إلى تردي كفاءة الموظفين وسياسات الإقراض، متسترين على وجود كتلة دولارية هائلة ماتزال تطبع باستمرار، فما كانت نتيجة تلك «التحليلات» إلا مزيداً من الانهيار؟؟

مجلس الشعب نموذجاً:

يتفق الجميع اليوم، نظاماً ومعارضة، على التأثير السلبي لمجلس الشعب السابق، كونه لم يؤد الدور المطلوب منه في بداية الأزمة- كممثل حقيقي للشعب- في رأب الصدع الذي بدأ ينشأ في المجتمع، وفي الشروع في فتح ملفات الفساد التي لم تعد تحتمل المزيد من التأجيل والتسويف، وأظهرت الأزمة الوزن الحقيقي للمجلس في المجتمع، وهو وزن سالب أي هو أسوأ من الوزن الصفري، كون المجلس لعب دور «المصفق» للقمع والمدافع عن الفساد الكبير، وإذا أردنا أن نفكر بعقلية غير علمية أي أن نلجأ إلى تلك المحاكمة الأخلاقية المثالية لأعضاء المجلس فرادى، ولتنكّر بعضهم لمصالح الشعب، فلا بد من الإجابة في المقابل على تساؤل محقّ يفرض نفسه بقوة: ألم يسعى بعض أعضاء المجلس في الدورات السابقة إلى النضال ضد الفساد الكبير؟ نعم وبدلاً من أن يحاسبوا الفساد الكبير قامت بعض الجهات التنفيذية باعتقالهم وعزلهم من مواقعهم كممثلين للشعب...

لذا لا يجوز وضع المسؤولية على الأفراد وحدهم بل لابد من مناقشة النظام برمته بطريقة علمية وعملية، وإعادة طرح السؤال بشكل صحيح: كيف وصل مجلس الشعب إلى تركيبته الحالية؟

نتيجة غياب حركة سياسية فاعلة في البلاد، نشطت بدلا عنها قوى أخرى هي قوى جهاز الدولة، وقوى المال، وقوى اجتماعية متخلفة تنتمي إلى مرحلة ماقبل الدولة الوطنية، وما كان ليتسنى لهذه القوى الوصول إلى مجلس الشعب لولا قانون الانتخابات الذي يجعل من كل محافظة دائرة انتخابية واحدة، واليوم ومع تزايد النشاط السياسي في المجتمع وبدء تشكل حركة سياسية جديدة، يصبح قانون الانتخابات رجعياً في هذا الظرف الجديد، لأنه مايزال يعطي الأفضلية للقوى السابقة في مجلس الشعب على حساب القوى الجديدة التي أصبح من الضروري أن يستوعبها المجلس..

وفي ظل غياب الحريات السياسية العامة، لن يكون للمجلس أية أهمية في المجتمع، حتى لو دافع بعض أعضائه عن مصالح الناس تحت القبة، فصوتهم غير معروف للناس، ذلك أن النشاطات السياسية العامة هي وسيلة التفاعل بين الناس والمجلس، ووسيلة ايصال صوت الشعب إلى السلطات الأخرى، لذا ينبغي أن يرتقي المجلس الجديد بدوره التشريعي إلى الدور السياسي القائد للحراك السياسي للجماهير، فلا معنى لأي مجلس يدعي أنه يمثل الشعب مالم تكن القوى المشكلة له على رأس النشاط السياسي للجماهير كالأضرابات والمظاهرات السلمية ومختلف أشكال الاحتجاج المشروع..

لذا أصبح من الضروري، بدلاً من شخصنة الأزمة بشخص فلان وفلان، العمل على توسيع الحريات السياسية وعلى سن قانون انتخابات جديد يمنع قوى المال وجهاز الدولة من الوصول إلى البرلمان لنحصل على مجلس شعب حقيقي قادر على حل الأزمات المختلفة التي تعصف في البلاد