جميل: عدم التركيز على إنهاء الكارثة موقف غير أخلاقي
دعا نادي «الشرق» التابع لوكالة «روسيا سيغودنيا»، الصحفيين المقيمين في موسكو يوم 18 كانون الأول 2015 لحضور لقاء طاولة مستديرة لبحث نتائج اجتماع «مجموعة دعم سورية» في نيويورك، وذلك بمشاركة الرفيق د.قدري جميل، أمين حزب الإرادة الشعبية، عضو قيادة جبهة التغيير والتحرير، وفلاديمير يفسييف، رئيس قسم منظمة شنغهاي للتعاون لدى معهد بلدان رابطة الدول المستقلة، الخبير العسكري، وأليكسي موخين، مدير عام مركز المعلومات السياسية، وأوليغ فومين، الرئيس المناوب للجنة التضامن مع شعب سورية.
وفي مستهل الندوة أعلن مديرها السيد دافيدوف أن السبب الإعلامي للقاء هو المباحثات التي جرت في الثامن عشر من كانون الأول في نيويورك لمجموعة دعم سورية وما ترتب عليه في بنود القرار الذي تبناه مجلس الأمن الدولي.
طرح مدير الحوار بعد ذلك مباشرة سؤالاً على د.جميل حول من سيشارك بمباحثات كانون الثاني، وألن يجلس على طاولتها إرهابيون تحت ستار «الثوار المعتدلين والمعارضة» وكيف سيتأثر تشكيل المشاركين باجتماع الرياض الأخير؟
جميل: القرار التاريخي وجوهره
في إجابته على هذا السؤال ومداخلته الأساسية قال جميل:
أريد أن ألفت نظركم إلى أن قرار مجلس الأمن هو قرار تاريخي بكل معنى الكلمة، أي أنه ليس قراراً من تلك القرارات الجارية والتي تتميز عن بعضها برقمها فقط، هو قرارٌ تاريخي. لماذا؟ في اللقاء الثاني بين المعارضة والنظام في موسكو قلت للسيد بشار الجعفري رئيس وفد النظام أنه يجب أن نسرع بالوصول إلى توافق وتفاهم، لأن العمليات السلبية الجارية في سورية إذا استمرت حتى نهاية العام فيمكن بعد ذلك ألا يكون هنالك ضرورة لاجتماعنا، لأن موضوع الاجتماع الذي هو سورية لن يكون موجوداً، وشرحت فكرة أن العمليات السلبية التهديمية الجارية في سورية ستبلغ نقطة اللاعودة في نهاية العام. لحسن الحظ استطاع المجتمع الدولي أن يجد في نفسه ما يكفي من الإرادة، وخاصة الروس والأمريكيين، ليصلوا إلى توافق حول الأزمة السورية. جوهر الاتفاق في نهاية المطاف هو ثلاث نقاط: أولاً إيقاف الكارثة الإنسانية، ثانياً إيقاف الإرهاب المتمدد والمتمثل بداعش وأخواتها، وثالثاً البدء الجدي بالحديث عن سورية القادمة التي يجب أن تنعكس في الدستور الجديد. إن قرار مجلس الأمن أوقف الانهيار، إيقاف الانهيار سيأخذ مرحلة، وبعده ستأتي مهام أخرى أعقد وأصعب. إعادة إعمار سورية مهمة كبرى، وإعادة تأهيل المجتمع السوري مهمة أكبر، وإيجاد ذلك الشكل من النظام السياسي الاقتصادي الاجتماعي الملائم لظروف سورية الجديدة بعد هذه المأساة قضية ليست سهلة، إعطاء الشعب السوري حقه في تقرير مصيره فعلاً وهذا الحق إن أردتم رأيي لم يمارسه الشعب السوري منذ عام 1958، فقد كان دائماً ينوب عن الشعب السوري أحد كحزب أو قائد أو الدولة ككل. ولكن تأكدوا أن الشعب السوري لم يُسأل رأيه جدياً خلال الفترة الماضية. ونحن عشنا في سورية ونعلم ما تعنيه الانتخابات فيها.
«المهم من يعد الأصوات»..!
وأضاف جميل: حدث مرة في القرن الماضي أن أحد المفكرين الذين أحترمهم قال: «في الانتخابات ليس المهم من يصوت، إنما المهم من يعد الأصوات». لذلك في سورية كان العداد أهم شيء، والعداد كان في أيدٍ وحيدة امتدت لمدة 50 عاماً وهذه الجهة تخصصت في تصنيع إرادة الشعب السوري، وهؤلاء لم يعجبهم قرار مجلس الأمن. لذلك هناك مهام جديدة تطرح علينا، ومصلحة سورية فوق كل شيء، الحفاظ على سورية هو المهمة العليا، ولكن أصبح الإصرار على الخلافات الحزبية والسياسية الضيقة بين القوى السورية المتصارعة يتقدم على الإصرار على إيقاف الكارثة الإنسانية، وإيقاف تمدد داعش، وهذا موقف لا أخلاقي.
الشعارات والنتائج
وقال: وإن أردتم رأيي اليوم فإن الشعب السوري فقد إلى حد كبير ثقته بالنظام وبالمعارضة لأنهم أوصلوه إلى وضع مأساوي بوعود كان كل طرف يطرحها براقة وشعارات ضخمة. ولكن المهم النتيجة..! اليوم لدينا على الأقل 8 مليون مهجر داخلي وخارجي وثلاثمائة ألف قتيل بين الطرفين ومليون معاق من الطرفين بسن الشباب، وملايين من الأيتام والأرامل، ودمر أكثر من 50% من بنية الاقتصاد السوري، الدولار بأول الأحداث سعر صرفه كان يساوي 50 ليرة سورية أما اليوم بلغ عملياً 400 ليرة سورية تقريباً. وهذا لا يعني شيئاً أمام مستوى الأسعار في المناطق المحاصرة.
قبل عدة أيام تلقيت رسالة استغاثة من إحدى المناطق المحاصرة في ريف دمشق اسمها «مضايا»، قالوا لي لا نريد شيئاً، نريد إنقاذ الأطراف (الأيادي والأقدام) فقد بدأ البرد، وهذه المنطقة باردة بحكم الثلوج عادة، ولا يوجد مازوت. سعر كيلو البرغل فيها 20 ألف ليرة سورية، وهو ما يعادل متوسط راتب موظف في سورية شهرياً. الوضع مأساوي بكل المقاييس.
إن الشعب السوري يقتل ليس بالرصاص فحسب، بل بالبرد والجوع أيضاً. وهذا إن أخذنا انعكاسه الجغرافي السياسي فقد كان هناك خطر تقسيم سورية وذهابها من على الخارطة. يضاف إليها خطر انقسام طائفي جرى تغذيته من الجيران والأعداء. وهنا أقصد جميع المحيطين بسورية من تركيا و«إسرائيل» و«الأشقاء» في السعودية والخليج. كان هناك خطر انقسام طائفي حقيقي وهو إن استمر كان سيفتح حروباً لن تنتهي بل ستستمر لـ40 إلى 50 عام، ولن يكون هناك منتصر فيها في نهاية المطاف. هذه هي العوامل السلبية التي تحدثنا عنها، لذلك القرار الصادر عن الأمم المتحدة هو قرار تاريخي.
بطاقة صفراء
وتابع: أريد أن ألفت نظركم إلى قضية لا يتوقف عندها الإعلام العربي والغربي، فقبل 24 ساعة من صدور قرار مجلس الأمن حول سورية صدر قرار مهم تحت البند السابع بتجفيف منابع الإرهاب، وأنا أقول لكم بصراحة أنه لولا هذا القرار لم يكن ممكناً إصدار القرار الثاني. قرار تجفيف منابع الإٌرهاب هو بطاقة صفراء في وجه الدول التي تمول الإرهاب وتدعمه، وأقصد قطر، تركيا والسعودية. (..) والقرار منح الأمم المتحدة صلاحية تحديد قائمة المنظمات الإرهابية لأنه في اجتماع نيويورك جرى خلاف على ماهيتها، لذلك تم الاتفاق على تشكيل لجنة من بلدان عدة كي تضع المعايير، وبعدها يصبح سهلاً إدراج منظمات مسلحة في قائمة الإرهاب. المعيار الذي اقترحته السعودية هو أولاً الموافقة على الحل السياسي وهو أمر جيد وضروري ولكن الإعلان عن الموافقة على الحل السياسي لا يكفي. وبرأيي أنه على كل المنظمات التي تحمل السلاح أن تعلن موقفها بلا أي غموض من داعش وجبهة النصرة، وأن تتعهد بقطع أية علاقة معهما، سواء أخذت شكل تحالف أو ائتلاف أو جبهة.
الأتراك كانوا يدافعون أن أحرار الشام ليسوا منظمة إرهابية، السعوديون كانوا يدافعون عن جيش الإسلام أنه منظمة غير إرهابية، ولكن جبهة النصرة منظمة إرهابية بقرار دولي، وأحرار الشام يتحالفون مع جبهة النصرة في إدلب بجبهة واحدة..! كيف سيتم حل هذه القضية، هو ليس إرهابي ولكن يتحالف مع إرهابيين، فهل هذا مسموح؟ جيش الإسلام وقع قبل ثلاثة أيام في ريف دمشق على تحالف مع جبهة النصرة وأوجد معها غرفة عمليات واحدة. وقبل ذلك لم يكن هناك شيء موثق عن علاقة جيش الإسلام بجبهة النصرة. ولكن هذا الجيش يقذف دمشق بقذائف الهاون التي يصيب بعضها السفارة الروسية. وكما تقول السعودية فإن هذا الفصيل يريد تغيير سلوكه ويتوب ويدخل الحل السياسي، ولكن تحالفاته على الأرض مع من؟ ليس المطلوب فقط فك الارتباط مع جبهة النصرة وداعش بل يجب أن يعلنوا استعدادهم للقتال ضدهما،(..) ويمكن التنسيق بينهم وبين الجيش السوري، وأصدقاؤنا الروس موجودون ويمكن أن نطلب منهم أن يلعبوا هذا الدور لحماية الطرفين من بعضها البعض.
رسمة البنادق.. ووفد المعارضة
وأوضح جميل: لذلك أعتقد أن هذه الرسمة هي رسمة عملية لتوجيه كل بنادق السوريين ضد الخطر الإرهابي. ويجب أيضاً أن تفرز هذه المنظمات الإرهابية التي تمارس الإرهاب لاحتوائها على خليط عجيب غريب، ويجب الأخذ بعين الاعتبار بأن شطبها 100% خاطئ وأخذها 100% للحل السياسي أيضاً خاطئ، فالظروف اضطرت الألوف من السوريين للذهاب إليها. يجب إيجاد طرق عودة لهم، أي السوريون، والاستفادة من وجودهم السابق هناك ليقاتلوا الإرهابيين الحقيقيين. وهذا يقتضي إجراء تغيير في عقلية النظام الذي مازال يعمل بعقلية من هو ليس معي فهو ضدي. والصحيح من هو ضد داعش فهو معي حتى لو كان ضدي. هكذا يجب أن يتم العمل اليوم، من هو ضد جبهة النصرة فهو معي، هذا المعيار، وهذه النقطة الأولى التي تحتاج إلى حل وستحل.
النقطة الثانية التي لم تحل أيضاً هي وفد المعارضة. الخبر الجيد هو أن مجلس الأمن اعتبر مؤتمر الرياض جزءاً من الجهود إلى جانب ما جرى في القاهرة وموسكو، لأن مؤتمر الرياض بعقلية عنجهية وإقصائية أقصى نصف المعارضة عن الوفد المفترض. الموقف الروسي كان حازماً وأنقذ الوضع، نحن لا نريد إقصاء جماعة الرياض ولكن لا نسمح لجماعة الرياض أن يقصوا أحداً، فنحن لا نريد أن نكرر خطأ «جنيف2» التي جاء إليها الائتلاف بصفته القائد للمعارضة السورية ليجلس بمواجهة الحزب القائد الآخر الذي يقود الدولة والمجتمع. نحن نريد دستوراً جديداً يثبت أن سورية تعددية سياسياً. والعجيب أن المعارضة برعاية أصدقائها الأمريكيين والغربيين يطرحون نموذجاً سياسياً على شاكلة النموذج الذي ناضلنا ضده أربعين عاماً، وهو يقولون أيضاً أنهم ناضلوا ضده ويكررونه. لذلك فإن وفد المعارضة سيكون تعددياً. (..)
المضحك المبكي
كما أكد: أريد أن ألفت نظركم لقضية مضحكة ومبكية في الوقت ذاته، المعارضة السورية اجتمعت في الرياض لتقرر المستقبل الديمقراطي لسورية. سورية أول بلد عربي حصل على دستور في عام 1920، وأول بلد عربي انتخب برلمان في عام 1920. السعودية الآن سمحوا للمرأة بالمشاركة في انتخابات الإدارة المحلية. في السعودية لا يوجد دستور ولا انتخابات، وتريد تعليمنا الديمقراطية. أليس هذا من سخرية القدر..!؟ نحن لا نريد أن نعلم أحداً الديمقراطية، وأقول لكم أن ديمقراطيتنا غير كافيه ومستوى الحريات السياسية خلال 50 سنة الماضية كان ناقصاً، وهو أحد أسباب اندلاع الأزمة، ولكن لن نقبل بدروس من قطر التي لا تملك دستوراً، وعدد سكانها يساوي عدد طلاب جامعة دمشق، أو من السعودية التي تعتبر مشاركة المرأة في انتخابات الإدارة المحلية إنجازاً كبيراً. في سورية المرأة منذ زمن تشارك في الانتخابات، وحتى قبل فرنسا(..). سورية فعلاً مجتمع علماني، وأعتقد أن أحد انتصارات فيينا أنها ثبتت الطابع العلماني للدولة والمجتمع السوري. ماذا يعني علماني؟ البعض يحاول أن يصور العلماني بأنه معاد للدين، وهذا خاطئ، العلمانية تعني حماية الدين من الدولة وحماية الدولة من رجال الدين(..) الفقرة الثالثة التي تقول أن دين رئيس الدولة هو الإسلام استنفدت نفسها، مع الأسف الشديد هذه الفقرة وضعت في 1972 مع أن دستور الخمسينات لم يكن فيه مادة من هذا النوع، أي أن دستور 1972 كان خطوة إلى الوراء بالمقارنة مع دستور الخمسينات، فترة حكم البرجوازية الوطنية السورية.(..)
بدأت مرحلة أساسية في الأزمة السورية، والأشهر الستة القادمة ستشهد وقف إطلاق النار، وسنتناقش حول الحكومة السورية وهي التي ستضع مشروع الدستور الجديد والتفاصيل جميعها ستناقش في جنيف بجدية.
بين التبسيط والتعقيد
وفي الإجابة عن أسئلة الصحفيين والتعقيب على بعضها أوضح جميل: أنه لا ينبغي التبسيط عبر اختزال الأزمة السورية بمسألة بقاء الرئيس أو رحيله، مشيراً إلى أن هذا سلوك الولايات المتحدة وليس روسيا التي كانت تؤكد على الدوام أن الشعب السوري هو من يقرر مسألة الرئيس، مشدداً على وجوب حل هذه المسألة في نهاية المطاف بطريقة ديمقراطية سليمة تحافظ على وحدة المجتمع السوري بشكل ينتقي فيه قيادته التي يرتئيها.
وحول درجة تعقيد المشهد الميداني السوري وأهمية الفرز في صفوف المسلحين أوضح جميل: أن هذا أحد أهداف العملية السياسية، حيث يجب العمل بشكل ديالكتيكي. وقال «أنا أنطلق من الواقع.. الكثير من المقاتلين الموجودين في الجيش الحر لا يصومون ولا يصلون ويشربون الكحول، ولكنهم اليوم في صفوف داعش وجبهة النصرة لأن الخيار كان أمامهم بغياب الحل السياسي القتال أو القتال ولا خيار آخر. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن تركيا وقطر والغرب كله، ولدينا إثباتات، قد تواطؤوا لنقل التمويل والدعم من الجيش الحر إلى الفصائل الإسلامية وقطعوا الأكسجين عن الجيش الحر الذي لن تروا الآن أي اسم من أسماء قياداته الأولى بأسماء المجلس الجديد الذي تمثل في الرياض ستفهمون ما جرى. اليوم القيادات الأولى للجيش الحر مستاءة وغاضبة على قطر وتركيا والسعودية وأمريكا وانكلترا وفرنسا، وتعتبر أنها خدعت، وأنه جرى التلاعب بها، ويرون أن الموقف الروسي وموقف القوى السورية المعارضة التي كانت مع الحل السياسي منذ اللحظة الأولى هو الموقف الأصح كما تبين. يجب سحب السوريين، ليس بالهوية فقط بل وبالعقلية أيضاً من القوى الإسلامية الجهادية. وهؤلاء سيشكلون كتلة كبيرة بتحالفها مع الجيش السوري ولا أعتقد أن هذا التحالف سيكون سهلاً وأن يجري بسرعة ولكن برعاية روسية يمكن أن يجري.
طريقة الحل ستقرر مصير المنطقة
ولفت جميل في النهاية في تعقيبه على حديث أحد المشاركين حول سورية دورها إلى أن المشكلة في سورية ليست فقط سورية، بل هي تتعلق بكل المنطقة، من قزوين إلى المتوسط، مضيفاً إن نظرنا إلى سورية فهي فقيرة بالموارد بالمقارنة مع إيران والعراق والسعودية، وأن قطر أغنى من سورية بمئة مرة ولكن سورية أهم من قطر بمئة مرة، ودورها السياسي كان كبيراً جداً تاريخياً لدرجة أنها تسمى في الجغرافيا السياسية بمفتاح الشرق الأوسط، لماذا؟ لم يستطع أحد أن يجيب على هذا السؤال وأعتقد أن علم الجغرافية السياسية يجب أن يعمل عليه لأنه لم يعط تفسيراً لمثل هذه الأمور بعد. من هنا أقترح أنه حينما ننظر إلى سورية يجب توسيع دائرة النظر، وهذا ما يقوم به الأمريكيون، حيث يعتبرون المنطقة من المتوسط إلى قزوين منطقة عمليات واحدة، وتجزؤها بهذا الشكل هو من نتائج سايكس- بيكو في القرن الماضي. فيجب التعامل مع المنطقة كمنطقة واحدة مدخلها سورية، ولكن طريقة الحل في سورية ستقرر مصير المنطقة بكاملها.