السباق على مركز «الخاسر الأكبر»!
تلقى التوجه نحو حل سياسي للأزمة السورية زخماً آخر مؤخراً يشير إلى مدى جدية وسرعة وتيرة هذا التوجه، ودائماً بجهود روسية، استناداً إلى التوازن الدولي الجديد.
جوهر الجهود الروسية يتمثل في تنشيط مسارين متلازمين يخدم أحدهما الآخر، الأول: تشكيل إطار لتنسيق إقليمي جدي وعملي في مكافحة الإرهاب يشمل الأطراف المعنية كلها ، والثاني: إطلاق عملية الحل السياسي في سورية، على أساس بيان جنيف-1.
تجلى هذا خلال الفترة القريبة الماضية في سلسلة اللقاءات الدوارة بين العواصم والجهات المختلفة، التي أجمعت على العنوانين الواردين أعلاه، ولكنها اختلفت في التفاصيل والعودة لوضع الشروط المسبقة، بما يمكن إدراجه في سياق ظهور تعنت سعودي تركي، سمته أنه خارج عن السياق، رافقه رجع صدى له بشكل تعنت بعض المعارضات المرتبطة بهما.
إنّ ما ينبغي الانتباه إليه، أولاً وأخيراً، هي الحقائق الكبرى التي تفرض نفسها انطلاقاً من الواقع الدولي العام، وصولاً إلى الإقليمي، والمحلي:
أولاً: إنّ توقيع الملف النووي الإيراني بالشكل الذي تم به، يعني تحقيق خطوة كبيرة على طريق تكريس ميزان القوى الدولي الجديد إقليمياً، ويعني تكريس الحلول السياسية بوصفها محصلة صراع القوى الدولية المختلفة، الأمر الذي سيجد انعكاسه على حل الأزمة السورية سياسياً، في نهاية المطاف.
ثانياً: إنّ مختلف أنواع المتشددين الداخليين والخارجيين، الرافضين للحل السياسي، إنما رفضوه سابقاً لأن فيه خسارة لهم، كونهم بنوا وجودهم، أو أرادوا استمرار نفوذهم ومصالحهم على أساس هذا الرفض. وهم يرفضونه الآن بشدة أكبر، لأنّ فيه خسارة أكبر حتى من السابق. والفارق الأساسي أنّ تأثيرهم تضاءل كثيراً عما كان عليه سابقاً، إلى الحد الذي لم يعد لهم فيه أي تأثير يعتد به، على خط اللحظة التاريخية العامة السائرة نحو الحلول السياسية. وهذا كلّه انعكاس للخسائر المتلاحقة التي يتلقاها المركز الأمريكي على المستوى الدولي، اقتصادياً وسياسياً، وحتى عسكرياً، بمعنى الاضطرار لإعادة التموضع والانتشار.
في ظل المأزق الذي تعيشه قوى التشدد المختلفة، يبدو واضحاً التسابق بين السعودية وتركيا، ومن يمثلهما من المعارضات السورية، على احتلال موقع الخاسر الأكبر من الحل السياسي المندفع بقوة. فالسعودية التي تعيش فقاعة تقدم ميداني في اليمن وسورية تحاول استثمارها سريعاً بالمعنى السياسي، لأنّ هذه الفقاعة سرعان ما سيجري فقؤها، على وقع نتائج الوضع الدولي الجديد ذاته.
على التوازي، يعيد ويكرر «العدالة والتنمية»، الحاكم في تركيا إلى الآن، طرحه حول «المنطقة العازلة»، والذي تحول مؤخراً إلى «منطقة آمنة». وفي الحالتين كان الطرح موضع تلاعب أمريكي بين القبول والرفض، استناداً إلى إدراك المعيقات في المشهد الدولي. وبالعمق فإنّ الحكومة التركية ذاتها غير مستعدة للانتقال نحو التنفيذ العملي لهذه الفكرة لأنها ستجر عليها ويلات كبرى، وستنعكس في الداخل التركي سريعاً، بوصفها صاعق تفجير للمشكلات الكبيرة والمتراكمة القائمة أساساً هناك.
إنّ كلاً من السعودية وتركيا، بمواقفهما الخارجة عن السياق الدولي العام، إنما تتسابقان على موقع الخاسر الأكبر، إذ سرعان ما سيجري ترويضهما وإعادتهما إلى خط السير العام.
على الضفة نفسها، ومن الموقع المقابل شكلياً، يتعاظم الضغط على متشددي النظام، ويظهر بشكل أوضح احتقان السوريين من ممارساتهم ومن مساهمتهم في تأجيل الحل السياسي، كما تظهر أيضاً وبوضوح، إرادة حلفاء الشعب السوري الحقيقية والثابتة بالوصول إلى الحل السياسي، وعملهم الجاد لتوفير كل ما يلزم من مقدمات لذلك.
إنّ خط السير العام هو باتجاه الحل السياسي، وأي طرف يعمل ضد هذا الاتجاه سيضمن لنفسه موقعاً «جيداً» بين الخاسرين الأكبر كنتيجة لهذا الحل، حتى قبل إنجازه. أما المستفيد الأكبر منه فسيبقى هو الشعب السوري، من خلال وقف تفاقم كارثته، ووضع أزمته الشاملة على طريق الحل.