نبوءة رئيس أمريكي
جبران الجابر جبران الجابر

نبوءة رئيس أمريكي

هذه فكرة تضمنتها كلمة للمسرحي والوطني التقدمي سعد الله ونوس التي ألقاها في 27 آذار من عام 1996، يومها كلف بإلقاء كلمة بمناسبة يوم المسرح العالمي، وجاء فيها «إننا محكومون بالأمل وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ».

لم يكن أمل سعد الله ونوس رغبة أو فانتازيا مسرحية، لكنه كان حقيقة موضوعية بفعل الوعي العميق لطبيعة التناقضات في ظروف الإمبريالية واحتكاراتها، ويأتي في أساس تلك التناقضات احتدام التناقض بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج، وكان ماركس قد قال: «إن القوى المنتجة، عندما تبلغ مستوى معيناً من تطورها تدخل في تناقض مع علاقات الإنتاج التي كانت تتطور ضمنها».


الحاكم الفعلي

إن التركز والتمركز أدى إلى خصوصية في الولايات المتحدة، حيث فقدت إدارة الدولة الاستقلالية النسبية وسيطر عليها تأمين مصالح المجمع الصناعي العسكري واحتكارات النفط، وتكونت في صلب الإدارة قوة اتخذت مصالحها بتلك القوتين، وأصبح القرار السياسي وقرار الحرب والسلم من شأن المجمع الصناعي العسكري واحتكارات النفط، وتحولت مفاصل الإدارة الأمريكية إلى قوة ذاتية في خدمة هاتين القوتين.
كانت تلك الظاهرة تتزايد بصورة مستمرة أيام إيزنهاور وظهرت من امثلة فاقعة، من مثل ألن دالاس الذي كان مديراً لوكالة الاستخبارات الأمريكية وكان وقتها محامياً بهيئة استشارية تعمل لصالح الصناعة النفطية في نيويورك، لقد أشار ونبه الرئيس إيزنهاور إلى خطر تلك الظاهرة وقال في كلمته الأخيرة التي ألقاها في 17 كانون الأول 1961 «علي أن أقول صراحة أن هناك الآن مجموعة صناعية عسكرية مالية سياسية وفكرية، تمارس نفوذاً غير مسبوق» ونبه إلى خطر احتكارها للقرار السياسي وخطر علاقاتها بالجيش الأمريكي، وقال: «علينا أن نحذر من اكتساب نفوذ لا سابق له عبر الارتباط بين المجتمع الصناعي والقوات المسلحة».
شكلت القوى الثلاث أخطبوطاً يضرب في كل الاتجاهات الداخلية للاستيلاء على منابع النفط والغاز في افغانستان والدول المجاورة لروسيا والصين، وصولاً إلى نفط بحر قزوين وطرق نقله، وضمان بيعه الحصري بالدولار الأمريكي، وكانت الحرب على العراق بعد أن وقع العراق اتفاقات النفط عام 1999 مع روسيا وفرنسا والصين.
وقد ازداد نهب المجمع الصناعي العسكري للمجتمع الأمريكي عبر التحكم بآليات التعامل مع موازنة وزارة الدفاع (البنتاغون) ووزارة الداخلية، وقد بلغت ميزانية وزارة الدفاع عام 2006 (840.5) مليار دولار ويعادل ذلك 52.5% من موازنة الولايات المتحدة الأمريكية، أما مصدر النهب الأخر للأرباح الخيالية فيأتي من مبيعات الأسلحة حول العالم، والتي بلغت 37 مليار دولار عام 2004 وهوما يعادل 43% من حجم الإنفاق العسكري العالمي.
 إن المجمع الصناعي العسكري يحتاج بصورة ثابتة إلى التخلص من الأسلحة المخزنة والمنتجة، ويحتاج إلى الإنفاق على الأسلحة الجديدة والمتطورة، وعلى البحوث العسكرية، وهو بحاجة حروب تمكنه من تجريب الأسلحة الحديثة، واستهلالكها، وعلى خلفية الحروب الدائرة اليوم، ارتفعت قيم أسهم الشركات، فقد ازداد سعر سهم شركة كومبو نيكيشن 38% عام 2004 وفي أيار عام 2007 ارتفع سهم لوكهود مارتن إلى 97 دولار وكان 46 دولار. وكان لحرب العراق دور متميز حيث ارتفعت مشتريات السلاح من 42 مليار عام 2001 إلى 72 مليار عام 2006


النفط والحرب

أما شركات النفط الأمريكي فإن 3 منها تأتي في رأس قائمة 5 شركات دولية، وأولها شركة شيفرون، ويذكر أن دخل شركة اكسون للنفط يفوق دخول دول منظمة الدول العربية المصدرة للنفط، وتعتبر أملاك جنرال موتور أكبر من الدانمارك، وشركة بيكتل أكبر من إسبانيا، ويهيمن تجمع الشركات النفطية الأمريكية على الهيكل الاقتصادي العالمي.
لقد استطاعت شركات النفط احتواء شخصيات مفصلية في الإدارة الأمريكية، وعلى سبيل المثال ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي وقتها ترأس شركة هالبيرتون، أما كونداليزا رايس فكانت مديراً تنفيذياً لشركة سبفرون نكساكو، وكان وزير الدفاع دونالد رامسفيلد أيام بوش الابن نائباً لرئيس شركة ويستون وشريكاً لبوش في شركة أترون العملاقة للطاقة، ويذكر أن مئة ممن يشغلون أماكن مفتاحية في الإدارة كانوا أعضاء في مجالي إدارة الشركات النفطية.


قوة كبح وسيطرة..

إن ذلك الاتحاد الثلاثي يزيد من نفوذه وسيطرته عوامل متعددة جعلها قوة كبح اجتماعي، ويذكر أن عاملاً واحداً من 16 عامل يعمل في المجمع الصناعي العسكري، وأن 25% من المهندسين هم موظفون في البنتاغون، يضاف إلى ذلك كبار موظفي البنوك والشرائح الوسطى ومنظمات المجتمع المدني الرأسمالي، التي تحولت إلى قوة في خدمة ذلك الاتحاد الثلاثي، يقول كولن باول وزير الخارجية الأمريكية السابق: «إن المنظمات غير الحكومية تشكل قوة إضافية لنا، وهي إحدى الوسائل التي تستخدمها الولايات المتحدة في الصراع، وبذلك تصبح منظمات المجتمع المدني والأهلي غير الحكومية، إضافة إلى القطاعات غير العسكرية الخاصة وسائل إضافية لإنجاح العمليات العسكرية». يضاف إلى ذلك تحكم الاحتكارات بمفاصل في التنظيم النقابي وزيادة عدد المبشرين، والسيطرة على مراكز البحوث الكبرى وعلى كبريات الصحف ومختلف وسائل الإعلام، إن ذلك يدل على أن تلك القوى تجمع بين السيطرة على القرار السياسي وقرار الحرب والسلم وعلى أدوات السيطرة الاجتماعية، وتزايد ذلك التوجه بحكم التراجع واستمرار الأزمة وفشل التدابير الحكومية وتدهور مكانة الولايات المتحدة وإنهاء مفاعيل موضوعة القطب الواحد ونهوض دول البركس وطرحها العديد من التدابير الاقتصادية غير المسبوقة وخاصة إنشاء بنك برأسمال (100) مليار دولار.
وخلاصة الأمر ما قالته مسؤولة أمريكية «إننا عاجزون عن إحراز أي تقدم في أي مجال» أليس ذلك نتيجة طبيعية لحال من أنفقوا على الحروب عام 2012 مبالغ تكفي لانتشال 5 مليارات إنسان من الفقر؟


قوى الحرب، تناقضات داخلية..

إن الوحش الجريح يزداد تخبطاً ووحشية، وما يبرز من آراء بين تلك القوى لم توحده الاستراتيجية العسكرية الجديدة، رغم كل عدائها للسلام، وزيادة عدد الدول المعادية للولايات المتحدة، إن وراء الاختلافات بين تلك القوى بشأن النووي الإيراني، آراء تدعو إلى إشعال نيران الحرب في منطقة الشرق الأوسط، وقد أعلن الرئيس أوباما أن عدم توقيع اتفاقية النووي الإيراني يعني الذهاب إلى الحرب في المنطقة، ويرى ذلك الفريق: أن الحروب الإقليمية الداخلية التي تشتعل نيرانها من ليبيا إلى أفغانستان لم تعد وافية بأمن الولايات المتحدة، وإن تلك الحروب لا تنتج استهلاك الأسلحة الحديثة والمتطورة، أما الأسلحة الخفيفة والمتوسطة فإن التنافس كبير في مجالها، ويقال أن قرابة 70% من الأسلحة أصبحت خردة، ويضاف إلى ذلك أن تحول الكثير من الضباط إلى مدربين يضعف الروح القتالية، كما تضعف تلك الحروب الداخلية الفكر العسكري الذي يرسم للمعارك الكبرى والأسلحة الحديثة، إن مكانة الولايات المتحدة تراجعت وتقهقرت، واستمرار ذلك يؤدي إلى الانهيار الشامل. وتعتبر الحملة الانتخابية القادمة حملة إعداد للحرب.


الإفلاس الأوربي في مصلحة من.؟

إن الولايات المتحدة ذات أهمية لكل الاحتكارات الكبرى في أوربا واليابان وكوريا، وتعتبر المركز الأول لحماية الاحتكارات الكبرى، ويلاحظ أن اتجاهاً يسعى لتسريع عملية إفلاس دول في نطاق الاتحاد الأوربي، ويشكل ذلك عملية لإنقاذ الولايات المتحدة، حيث يتجه الرأسمال المالي إلى الولايات المتحدة للاستثمار فيها، ويفسر ذلك ضغط البنك الدولي على اليونان وغيرها، كما أن سياسة التقشف في أوربا تؤدي إلى تعميق الأزمة. 

البشرية كلها معنية بمستقبلها.!

في دول الأطراف، يخال البعض أن المسألة تخص الشعب الأمريكي، أما البلدان الأخرى فلا شأن لها في الأمر، ويتجاهل أصحاب تلك الرؤى أن الحرب لن تكون في دول محدودة العدد وأنها في تداعيات موجهة ضد مصالح البشرية، وما دامت مصالح المجمع الصناعي العسكري والاحتكارات النفطية اهتمت بالحروب الداخلية واستمراريتها، فإن كل وطني وتقدمي معني بإنهاء الحروب الداخلية في منطقتنا، وذلك إسهام في إنقاذ الوطن والبشرية أيضاً، إن الضغط على خواصر الوحش الجريح يسهم في تفجير دواخله.
ومازالت كلمات برتراند راسل تعبر عن حقيقة الإدارات الأمريكية خاصة، وأن الانتخابات الرئاسية قادمة فقد قال راسل: «أمريكا ليست دولة، وإنما كونسورتيوم شركات متعددة الجنسيات، يرأس مجلس إدارتها رجل يتربع سعيداً في البيت الأبيض ويحمل لقب الرئيس» وازداد الخطر مع استتباب سيطرة ذلك الثلاثي على القرار السياسي وارتباط مصالحة بالحروب العدوانية.