«النووي الإيراني» والأزمة السورية
يدور في الشارع السوري نقاش متعدد المستويات، حول مدى وكيفية تأثير توقيع الملف النووي الإيراني على الأزمة السورية. ومن بين الآراء والانطباعات الأولية التي يعبر عنها عموم السوريين، تخرج طروحات المتشددين في الطرفين محاولة، كعادتها، إعادة رسم الخارطة العالمية وأحداثها جميعها، انطلاقاً من وجهات نظرهم الضيقة، وفي أحسن الحالات من معطيات الأزمة السورية نفسها، ليغدو توقيع الملف برأي بعض «الموالاة»، «انتصاراً» لطرف على آخر، وبرأي بعضها الآخر، «صفقة» تم بيع سورية فيها مقابل التوقيع. وفي الجهة المقابلة، «المعارضة»، تتفاوت الآراء أيضاً، ولكنها بعمومها لا تخرج عن المعادلة ذاتها في قراءة التوقيع قراءة مقلوبة انطلاقاً من الشأن السوري.
إنّ فهماً جدّياً لمعنى الاتفاق النووي، ومن ثم توقع آثاره وانعكاساته على الأزمة السورية، ينبغي أن ينطلقا من قراءة الوضع الدولي العام والوضع الإقليمي، وليس العكس.
إنّ المعنى العميق لهذا الاتفاق، انطلاقاً من الوضع الدولي، هو مزيد من الانكفاء والتراجع لواشنطن والصهيونية العالمية وحلفائهما ضمن عملية ترجمة التوازن الدولي الجديد، وهو ما يصب موضوعياً في مصلحة الشعوب قاطبة، في نهاية المطاف، ومن بينها الشعب السوري. هذه الفكرة هي المنطلق الوحيد الصحيح لمعالجة انعكاسات الاتفاق على الواقع السوري.
يضاف إلى الفكرة الأساسية السابقة، جملة من المعطيات والمؤشرات المتعلقة بالأزمة السورية مباشرة، والتي تعزز هذه الفكرة وتحدد اتجاهها الفعلي، وهي:
أولاً: إنّ نجاح «وصفة» الحل السياسي التفاوضي في الحالة الإيرانية، التي تمثل الوصفة الشافية التي تدعمها القوى الدولية الصاعدة، وعلى رأسها روسيا، تعني اقتراب تعميمها على الأزمات الأخرى كافة، بما فيها الأزمة السورية. ما يعني أنّ الانعكاس الأكيد لتوقيع «النووي» هو اقتراب تطبيق الحل السياسي في سورية، والذي غدا واضحاً أن القوى المتعنتة والمتشددة في الطرفين تحاول دفعه وتأجيله باستمرار، انطلاقاً من مصالحها الأنانية الضيقة، وعلى حساب الدم السوري، سواء رحبوا بالاتفاق النووي، أم لم يرحبوا.
ثانياً: توقيع الاتفاق النووي يعني انغلاق الأفق التاريخي أمام استمرار التلاعب الأمريكي بأداته الرائجة خلال العقدين الماضيين، أداة «الفوالق الطائفية»، وإن كان هذا لا يعني أن احتياطات واشنطن القذرة قد انتهت كلياً، فهنالك المسائل القومية التي يجري التركيز عليها في الآونة الأخيرة، ولكنّه يعني أنّ أدوات واشنطن التخريبية والتفتيتية تضعف وتتآكل، الواحدة بعد الأخرى، الأمر الذي يصب في مصلحة الشعوب عامة وشعوب الشرق العظيم التي لا مخرج لها إلّا بالتمسك بفهم الصراع الأساسي الجاري في العالم بين قطب الامبريالية وقطب الشعوب، وبالتالي بالتآخي والتعاون في وجه الناهبين والمستبدين، الخارجيين والداخليين، على اعتبار أن هذا الصراع يقف في خلفية مختلف النزاعات الجارية، سواء أكانت عالمية أم إقليمية أم محلية داخلية، هنا وهناك.
ثالثاً: إنّ الشراسة «الإسرائيلية» في محاولة عرقلة الاتفاق، والاستمرار برفضه بعد حصوله، يشير بوضوح إلى تخوف صهيوني واضح من النتيجة الأولية الطبيعية لهذا التوقيع، وهي وضع «نووي إسرائيل» الخارج عن الشرعية الدولية موضع البحث، وتالياً وضع «إسرائيل» نفسها موضع البحث، وهذا ما بدأ الحديث عنه يخرج إلى السطح.
إنّ ما يثبته طي صفحة العقوبات الغربية على إيران، وحل أزمتها، هو أنّ الظرف الدولي العام، وكذلك الإقليمي، قد أصبحا ناضجين لحل الأزمات المختلفة، وأنّ توفر الإرادة السياسية الوطنية لحل الأزمة سيكون كفيلاً بتحويل هذا الحل من إمكانية إلى واقع، والإرادة الشعبية هذه موجودة منذ زمن لدى عموم السوريين، وعلى السياسيين من مختلف القوى الخضوع لها وتمثلّها، لأنها الإرادة التي ستفرض نفسها، في نهاية المطاف.