و(لكن)...!!

و(لكن)...!!

يتكرر على ألسنة العديد من المنابر الرسمية وغير الرسمية الممثلة للحكومة والنظام السوريين السؤال «المنطقي» و«المفحم» ذاته: (هل «تمون» المعارضة على المسلحين؟)، وهو سؤال - والحق يقال- مهم جداً!

قبل الانسياق وراء «نعم» أو «لا»، ينبغي تدقيق السؤال من ناحيتين على الأقل:
الأولى، أيّ المسلحين هم المقصودون؟ هل هم «داعش» و«النصرة» وأشباههم؟ أم أنهم من تبقى من مسلحين سوريين غير تكفيريين؟
الثانية هي السياق الذي يستخدم فيه السؤال، وهذا ثابت ويكاد يأخذ الصياغة الحرفية نفسها في كل مرة: «نحن مع الحوار ومع الحل السياسي، و(لكن).. هل تمون المعارضة على المسلحين؟».


هكذا إذن! «مع الحوار ومع الحل السياسي و(لكن)..»..!!

إذا كان السؤال يدور حول «المونة» على الداعشيين وأشباههم، فليس بين السوريين من يمون عليهم– رغم أن بينهم من يستفيد منهم مؤقتاً!- بل «تمون» عليهم الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون، ما يؤكد- ومن حيث لا يريد السائل- أهمية الحل السياسي عبر مؤتمر «جنيف-3» كمدخل لا بديل عنه لوقف التدخل الخارجي، وهو المؤتمر الذي يصر عليه على المستوى الدولي الروس قبل أي أحد آخر باعتباره منصة لإلزام الجميع بالخضوع إلى شرعية دولية جديدة يفرضها توازن دولي جديد لا يشكل فيه الأمريكيون وحلفاؤهم أكثر من قوة أساسية في طور التراجع بين جملة قوى أخرى هامة وأساسية، وفوق ذلك صاعدة باطراد.
أما إذا كان السؤال متعلقاً بمسلحين سوريين غير تكفيريين، فينبغي التذكير بأنّ أصحاب السؤال أنفسهم هم القائلون بأن هذا الصنف من المسلحين «لم يعد له وزن يذكر مقارنة بداعش والنصرة»، فإذا صدق قولهم فما أهمية السؤال سواء كانت المعارضة «تمون» أو لا «تمون» على مسلحين «لا وزن يذكر لهم»! هنالك أهمية للسؤال ولا شك.. الأهمية تنبع من كونه يأتي بعد (لكن)..
ينبغي التذكير أيضاً بأنّ أصحاب السؤال أنفسهم، وبما يخص «سعيهم» وراء الحوار والحل السياسي، قد «أقدموا» على «تنازلات هامة»، فهم الذين كرروا مراراً وطوال السنة الأولى ونصف السنة الثانية من الأحداث أنّهم غير مستعدين إطلاقاً للحوار مع المسلحين، وإنما يتحاورون مع قوى سياسية أو مع «المخاتير والوجهاء وزعماء الأحياء والطوائف والعشائر عبر جلسات اجتماع ليس إلا تكرمت بها الحكومة عبر لجان متعددة في المحافظات». أصحاب السؤال وأصحاب «الحوار مع القوى السياسية والمدنية» هم أنفسهم «تنازلوا»، إذ أصرّوا لاحقاً على أنّ الحوار- المصالحة يكون مجدياً فقط إذا جرى مع المسلحين مباشرة، وليس مع قوى سياسية «لا تمون عليهم». حوار مع مسلحين قابلين للحوار، مع أنّ هؤلاء «لا وزن يذكر لهم»! على مبدأ «لا حوار مع المسلحين “الفاقدين لوزنهم”، ولا حوار إلا معهم» ليبقى قاسم مشترك وحيد بين الأقاويل جميعها هو القول بأن «لا حوار»!
إنّ مقاربة السؤال عن «المونة» إياها، وفي سياق الوقائع السالفة يؤكد ما ذهبنا إليه من أنّ أهميته تتركز في التحديد بـ«لكن» التي تسبقه، هذه الـ«لكن» التي يراد بها الهروب من استحقاق الحوار والحل السياسي والتمترس عند مقولة «الحسم الميداني» بعد أن غدا مستحيلاً، بل وجنوناً الدفاع عن هذه المقولة علانية.
بذلك، فإنّ السؤال الذي يبدو للوهلة الأولى «حجة بيد السائل»، ليس إلا حجة عليه، في حقيقة الأمر، إذ يعكس التخبط الذي يعيشه متشددو النظام إسوة بنظرائهم متشددي المعارضة، وكلاهما يخسر المعركة ضد الحل السياسي، ويحاول الالتفاف والمواربة بالقفز عبر التصريح بالشيء وضده، علّ السماء تأخذ الحلول السياسية، ليقر البال في عالم قديم اعتادوا عليه، ويفهمون خرائطه، ومصالحه المالية، وغرف فساده السوداء، وخطوطه «غير الائتمانية» على مصالح الشعب، ويعرفون كيف يتحركون ضمنها.. و(لكن)..!!