بصدد الوطنية والوطنيين..!

بصدد الوطنية والوطنيين..!

بعد مرور أربعة أعوام على انفجار الصراع الدامي والمدمر على الأرض السورية، يغدو من الضروري إعادة مناقشة مفهوم الوطنية مجدداً. حيث عمل  المتشدّدون، الذين يشكلون نسبة ضئيلة من السوريين، على تشويه مفهوم الوطنية في إطار الصراع السياسي- الإعلامي فيما بينهم، وكانت النتيجة هي أن أعطى كل طرف منهما الحق لذاته في إخضاع الغالبية العظمى من السوريين لمعايير «الوطنية» بما يتلاءم مع برنامجيهما المعروفين، «الحسم» أو «الاسقاط»..

بين المغالاة والتبخيس..!

يقول أحد المفكرين العظام أن أوثق وأمثل طريقة للحط من شأن فكرة سياسية، أو غير سياسية، هي السير بالفكرة إلى حد السخافة وذلك باسم الدفاع عنها، من خلال الغلو والإفراط فيها وتطبيقها على ما هو خارج نطاقها الفعلي. ينطبق هذا القول في الحقيقة على فهم بعض المتشددين في النظام لمفهوم الوطنية إلى حد بعيد، فمن المعروف للجميع أن قوى الفساد استثمرت في كلمة الوطنية إلى حد بعيد لتثبيت مواقعها ومنع الناس من المطالبة بحقوقها والتعبير عن آرائها ومواقفها، فـ«الوطنية» عند تلك القوى لا تتعارض مع العمل على تطبيق سياسات صندوق النقد الدولي في سورية عبر لبرلة الاقتصاد وعبر زيادة نسب المهمشين ونسب الفقر والبطالة.. الخ ولكنها بالمقابل تملأ يافطاتهم التي يرفعونها لحث الناس على تأجيل مطالبها بالإصلاح والتغيير ومحاسبة الفساد، و في تخوين الناس، والقوى الوطنية في الموالاة والمعارضة التي تسعى لتمثيل مصالح المجتمع الحقيقة وتعبر عنها.. الخ. هذا الشكل هو شكل غير مباشر في تشويه معنى الوطنية، أما الشكل المباشر فتستخدمه المعارضة اللاوطنية في المقلب المقابل، وذلك من خلال التبخيس في مفهوم الوطنية على اعتبار أنه «بدعة» أنتجها النظام، واعتبار أن «الواقعية السياسية» تنفي هذا المفهوم، والعمل على طمسه من خلال الخلط بينه وبين مفاهيم أخرى كالمواطنة والديمقراطية.. الخ، بهدف التهرب من المسؤولية الأخلاقية والوطنية لجرائم من شاكلة المطالبة بالتدخلات الخارجية، والدعوات إلى استمرار الحرب، وغيرها.


بالملموس..

إنّ أولى الأولويات الوطنية اليوم هي الحفاظ على وحدة البلاد أرضاً وشعباً وإيقاف النزيف والكارثة الانسانية التي يرزح تحتها الشعب السوري، وهذه تتضمن ضرورة محاربة الإرهاب بشكل جدي ومجد، وهذه الأخيرة لا يمكن تحقيقها إلّا بتوفر عاملين:
الأول: هو وقف التدخل الخارجي بأشكاله المختلفة من تمويل وتسليح وغيره، والثاني هو توفر الحد الضروري من الوحدة الداخلية السورية التي تسمح بسحق الإرهاب وطرده من البلاد..
إنّ تحقيق الأمرين كليهما اليوم بات ضرورة وطنيةً كبرى تسمح بتحديد معيار ملموس للوطنية بعيد عن تكرار الشعارت..
وإنّ تحقيق هذين الأمرين يمر عبر طريق معاكس تماماً لطريقي «الحسم» و«الاسقاط»، فإلى جانب استحالة تحقيق أي منهما فإنّ الاستمرار في السير في طريق «حسم- اسقاط» -وهو طريق واحد من حيث النتائج- يعني الوصول بسورية إلى ما يريده أعداؤها من دمار نهائي وتفتيت، فليس بمقدور «الحاسمين» ولا «المسقطين» لا إيقاف التدخل الخارجي، ولا توحيد السوريين وراء أي منهما في مواجهة الإرهاب.
بالمقابل، فإنّ الحل السياسي عبر جنيف3 بمهامه الثلاث (وقف التدخل الخارجي، وقف العنف، وإطلاق عملية سياسية) وبدعم ثابت من الحليف الروسي، وفي ظل توازن دولي جديد، يضمن الوصول إلى إلزام دولي لجميع الدول المتدخلة بوقف تدخلها، كما يفتح الباب أمام توافق السوريين فيما بينهم وصولاً إلى تشكيل الأرضية الحقيقية لمحاربة الإرهاب.
إنّ الوطنية السورية، تعني الحفاظ على سورية وشعبها، وتعني إنهاء الأزمة لمصلحة الشعب السوري، وليس لمصلحة هذا الطرف أو ذاك، وتعني حل الأزمة السورية لمصلحة المنهوبين ضد ناهبيهم من فاسدين سابقين ومستجدين وتجار حروب وأزمات، وضد الدول النهّابة والمجرمة وعلى رأسها واشنطن والكيان الصهيوني وحلفائهم، ولذلك فإنها تعني اليوم إصراراً ونضالاً حقيقياً باتجاه الحل السياسي، وباتجاه إنهاء صوت الرصاص وفتح الأفق كله للشعب السوري ليقول كلمته.