د.جميل: الموضوع على جدول الأعمال هو سورية واستمرار وجودها وأمام ذلك تصغر القضايا الأخرى..!
قدم د.قدري جميل، عضو قيادة جبهة التغيير والتحرير، وأمين حزب الإرادة الشعبية، مداخلة في الجلسة الأولى للحوار بين ممثلي المعارضة والمجتمع المدني ووفد الحكومة السورية ضمن منتدى موسكو التشاوري للحوار السوري- السوري.
الجلسة التي انطلقت على أساس جدول الأعمال المقر، بحثت في بنده الأول تقييم الوضع الراهن في سورية، حيث قدم رئيس الوفد الحكومي د.بشار الجعفري مداخلته الرئيسية أعقبتها مداخلات استهلها د.جميل، وأعقبها مداخلات من كل من صفوان عكاش (هيئة التنسيق الوطنية)، ومحمد أبو القاسم (حزب التضامن)، وحميدة العلي (مجلس قيادة العشائر السورية) وفخر زيدان (المنبر الديموقراطي) وريما تركماني (مستقلة) ومجد نيازي (حزب سوريا الوطن) ود.محمد حبش (مستقل) ونمرود سليمان (مستقل) وعبد المجيد حمو (هيئة التنسيق) وأمينة أوسي (أحزاب الإدارة الذاتية الديموقراطية) وخالد المحاميد (مستقل) وصالح مسلم محمد (حزب الاتحاد الديمقراطي) ولمى الأتاسي (الجبهة السورية).
وبعد أن أعرب عن سروره لبدء الحوار بين أطراف المعارضة وممثلي الوفد الحكومي قال د.جميل ما يلي:
نعتقد أننا يجب أن نتقدم خطوة إلى الأمام عن الاجتماع الماضي الذي كان بلا جدول أعمال. أما اليوم فلدينا جدول أعمال، وإن وجوده يفترض بنا أن نخرج بنتائج، ولو كانت صغيرة، لأن «الألف ميل تبدأ بخطوة». وسوف ألتزم بجدول الأعمال وأكتفي بالحديث حول الأوضاع الراهنة. يسرني أن أقول أنني أتفق تماماً مع الكلمة التي قالها د.بشار الجعفري، لكن لا يسرني أن أقول أيضاً أنني لا أتفق معه فيما قاله..! لماذا؟ كل ما قاله صحيح، وليس خاطئاً، ولكن ما قاله ليس الحقيقة كاملة..! الوضع في سورية أعقد من ذلك بكثير، وإذا أردنا أن نتحدث عن تعقيدات الوضع السوري، فعلينا العودة إلى الوراء كثيراً.. إلى 2005، علينا العودة إلى السياسات الاقتصادية الاجتماعية التي هي برأيي جزء من المؤامرة على سورية، علينا العودة للعلاقات مع قطر وتركيا التي حفرت الأنفاق لما جرى ويجري، ليس بالمعنى المادي، بل بالمعنى المجازي. وعلى ذلك تكون مسألة المؤامرة أعقد بكثير مما يجري طرحه، ولا يجوز حصرها بلحظة انفجار التناقضات التي تراكمت. وإن أحد الأسباب الهامة لها هي السياسات الحكومية ذاتها. ومن الضروري طرح هذا الكلام ليس من باب تسجيل النقاط على بعضنا بعضاً، وإنما لكي نتمكن من التفاهم من أجل إيجاد الحلول القابلة للتوافق عليها وفتح الطريق للمستقبل.
البعض يقول أنّ المؤامرة بدأت في 15 آذار 2011، وأنا أقول المؤامرة بدأت مباشرة بعد انتصار حزب الله على «الإسرائيلي» في تموز 2006، حيث أخذ الأمريكيون قرارهم بشن هجوم مركب على سورية يستخدمون فيه كل أدواتهم، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإعلامية والنفسية والعسكرية. ولكن منذ ذلك الحين لم نعدّ لهم العدة، ونمنا على فراش من حرير، ليحدث ما حدث في نهاية المطاف.
نقطة اللاعودة!
المهم اليوم هو أن الهدف التاريخي للعدو الأميركي- الصهيوني، هو إلغاء الدور الوظيفي لسورية المقاوم والممانع. وموضوعياً فقد وصلوا إلى حد كبير إلى هذا الهدف، ولكنهم يسعون للوصول إلى الهدف الأعلى، ليس إلغاء دور سورية الوظيفي، بل إلغاء سورية نفسها. يسعون إلى إلغاء سورية من الخارطة الجغرافية السياسية. وفي توصيف الوضع نحن أمام لحظة تاريخية، هذه اللحظة وصفتها الأمم المتحدة، بأننا أمام كارثة إنسانية في سورية لم يشهد لها العالم مثيلاً منذ الحرب العالمية الثانية.
وأنا أؤكد ما قاله بعض الزملاء خلال اليومين الماضيين، من أننا إن لم نستطع إيجاد سبيل للحل، والحل هنا سياسي بين السوريين وأؤكد على كلمة سوريين، إذا لم نصل إلى حل بين السوريين خلال الأشهر القليلة القادمة، فالعمليات السلبية الجارية في سورية اليوم يمكن أن تصل إلى نقطة اللاعودة، ما يعني انهياراً شاملاً في كل البنى.
التغيير هو الضمانة
نحن في جبهة التغيير والتحرير مع تغيير النظام تغييراً جذرياً شاملاً، وهو شعارنا المعلن والمعروف والقديم، لأننا نريد الحفاظ على بنية الدولة. دون تغيير النظام السياسي لا يمكن الحفاظ على الدولة ومؤسساتها في ظروفنا الحالية. وأنا أعتقد أن هذه الحقيقة يفهمها جزء هام من النظام، الجزء الذي له مصلحة باستمرار أجهزة الدولة، لأن استمرار أجهزة الدولة ضمانة لوحدة المجتمع.
في العراق وليبيا، وعبر الضربة التي وجهت للنظام السياسي كان المقصود انهيار الدولة وتفتت المجتمع، وهو ما جرى. نحن لحسن الحظ رغم كل الخسائر حتى هذه اللحظة، لدينا بقايا جهاز دولة، وما زال لدينا الحد الأدنى الذي يمكن البناء عليه من أجل إعادة توحيد المجتمع.
فرصة لا يجوز تضييعها
نحن اليوم أمام فرصة تاريخية، وقد تكون أخيرة، وقد ضاعت فرص كثيرة منذ المؤتمر التشاوري تموز 2011. اليوم توفر لنا ساحة موسكو فرصة جديدة. فهل سنستفيد من هذه الفرصة أم سنأتي ونذهب ويبقى الموضوع كلاماً بكلام؟
السوريون، أقول لكم، نظروا إلى اللقاء الأول ورأوا فيه بصيص أمل، واللقاء الثاني كذلك الأمر، وأقول لكم وأكرر ما قلته البارحة، إذا لم نخرج بنتائج ولو بسيطة فإنّ بصيص الأمل هذا سيخبو، وإعادة إشعاله مجدداً سيكون صعباً من أي كان، وعلينا لذلك أن نسير باتجاه بعضنا البعض بقلوب مفتوحة وأيد ممدودة، وألا ننظر إلى بعضنا البعض وكل منا ينتظر الآخر ليوقع به، الموضوع على جدول الأعمال هو سورية ووجودها، وأمام سورية تصغر كل القضايا الأخرى.
لا بديل عن جنيف
اليوم يجري الحديث عن المخرج.. أين هو المخرج؟ نحن في الجبهة، وبالاتفاق مع قوى معارضة أخرى، لا نرى مخرجاً آخر واقعياً ملموساً غير جنيف1، وغير الذهاب إلى جنيف3، وإذا كان لدى الآخرين اقتراحات أخرى، فليخبرونا، لسنا ضد ذلك، ولكننا واقعيون، وقد يكون هناك ألف ملاحظة على جنيف1، ولكن لا بديل في هذه اللحظة. فهو وثيقة جرى عليها توافق دولي، يمكن أن تأمن الحد الأدنى من الحل السياسي في سورية. وإن القفز فوق جنيف1 ليس بمصلحة لا السوريين، ولا من مصلحة النظام السياسي ولا من مصلحة الدولة السورية، ولا من مصلحة المعارضة السورية، لذلك نحن لسنا مستميتين في سبيل جنيف1 ولكننا مدركون عدم وجود بديل عنه في الوقت الحالي، وإذا ألغيناه لن نتمكن من تحصيل ما هو أحسن منه في ظل الظرف الحالي الدولي المتوتر الذي يسير نحو الأسوأ.
وأعتقد أنه يجب السير من الحديث عن الموافقة على الحل السياسي إلى الإجراءات العملية التي تسير فعلياً نحو الحل السياسي. أين تكمن المشكلة؟ المشكلة تكمن بأننا نريد موقفاً واضحاً لا لبس فيه. فـ«جنيف» قابل للتأويل، وفيه بعض النقاط الغامضة، والتي قُصد أن تبقى غامضة، لأنه لم يجر الاتفاق عليها تماماً. وأنا قلت في المرة الماضية، وأكرر اليوم، أن هذه النقاط نحن من ينبغي أن نتحدث بها فيم بيننا، لأننا إن لم نقم نحن بتفسيرها، سيقوم آخرون غرباء بتفسيرها، والأحسن أن نفسرها نحن، ونصل لتوافق حولها.
والتوافق يعني أن يمشي كل طرف باتجاه الآخر، أن يقدم كل طرف تنازلات، وستكون هذه التنازلات مؤلمة، ولكن ما يعيشه الشعب السوري اليوم هو أكثر إيلاماً. التنازلات المؤلمة بنهاية المطاف، وفي نهاية الحساب، بالنسبة للمعارضة والنظام هي تنازلات سياسية عن برامج في رؤوسهم.. ينبغي عليهم التخلي عنها أو عن جزء منها، لكي يستطيعوا السير باتجاه الطرف الآخر. كله يهون أمام آلام الشعب السوري، لأن التفاصيل الأخرى حول «المعارضة» و«النظام» هي أفكار وتهيؤات وبرامج وخطط للمستقبل. وإن هذا ليس أساسياً الآن أمام الخطر الذي يعيشه الشعب السوري. لذلك نريد موقفاً واضحاً لا لبس فيه من الحل السياسي وجنيف1، والقضايا المختلف عليها نحكي عنها صراحة وعلناً، كفانا مواربة، ويكفي (لف ودوران على بعضنا بعضاً بهذا الموضوع).
دحر الإرهاب عبر توحيد السوريين
وأريد أن أقول شيئاً: الإرهاب يجب دحره، والجيش العربي السوري بحاجة لدعم لدحر الإرهاب، لأنه لن يستطيع منفرداً دحر هذا الإرهاب، والتجربة أثبت ذلك. فمن يجب أن يدعم الجيش في ذلك؟ المجتمع السوري، والشعب السوري..!
الشعب السوري اليوم ليس موحداً، يجب توحيد الشعب السوري حتى يستطيع مساعدة الجيش السوري، ونحن بسلوكنا السياسي هذا أتعبنا الجيش السوري، ويجب مساعدته للقيام بدوره الوظيفي: سيادة الوطن وتحرير الأراضي المحتلة، لأن كل جهد العدو الأمريكي والصهيوني يصب الآن لإبعاد الجيش السوري عن دوره الوظيفي. أين أصبح موضوع الجولان؟! أصبح هدفاً بعيداً الآن، وليس هدفاً آنياً. ونحن نريد أن نستعيده. ولذلك فإن إعادة الجيش السوري لدوره الأساسي تجري عبر تحمل مسؤولياتنا. المشكلة بينا وبين النظام التي يجب أن نعترف بها هي أن مستوى الثقة منخفض جداً أو حتى منعدم. لذلك إذا خرج اجتماعنا اليوم ببعض الإجراءات الصغيرة، وليس الكبيرة، ببعض الإجراءات فقط، 3 إجراءات لا 10، يمكن أن تساعد ببناء الثقة. لا أريد أن يقول الوفد الحكومي (روحوا لعند وزير الداخلية وروحوا لعند وزير الشؤون الاجتماعية والعمل) نحن طرف، ونحن شركاء بالمعنى المباشر. «موسكو» يجب أن يخرج بثلاثة بنود قابلة للحل، وليست تعجيزية، لنسير بها إلى الأمام، وهي ممكن أن تستقى من الورقة التي قدمها الأستاذ حسن عبد العظيم للإجراءات المستعجلة لنختار منها بعض الإجراءات. أنا لست متطرفاً ولا أريد الحدود القصوى، ولا أريد كل شيء بآن واحد. لنبدأ بخطوتين عمليتين أو ثلاث، أعتقد أنه هذا سيكون جيداً، ويمكن أن تكون أحسن خطوات في الظروف الحالية فكرنا بها ونقترحها وهي ليست نهائية وقابلة للنقاش بين الجميع. أولاً: القصف العشوائي بتعريفه الدولي الذي جاء هنا، وبتعريفه العملي. ثانياً: موضوع المعتقلين والمختطفين، حيث سؤلنا في المرة الماضية إن كنا نستطيع إخراج المختطفين؟! نعم نستطيع ذلك كمعارضة.. بعض المقاتلين لا يريدون أن يكونوا في هذا المكان، ولكن الخيار الذي أمامهم الآن هو القتال أو القتال، ويمكن أن يصبح القتال أو الحل السياسي، وعندها سترون تغير اللوحة، وكيف سيجري تغيير الاصطفافات، وكيف ستتغير موازين القوى، وكيف سيندحر الإرهاب، وكيف سيتوحد السوريون. هنا تكمن أهمية الحل السياسي، لذلك لا يجب أن يسألنا أحد (على مين بتمونوا؟).
جهاز الدولة ملك للمجتمع
نحن كمعارضة قوة معنوية هامة إذا استطعنا أن نحرز خطوة باتجاه الحل السياسي ستتغير كل خريطة توازن القوى. نحن نعرف وزن النظام السياسي ونحن نعرف أنه مسيطر على جهاز الدولة، وهذا حقه مادام هو النظام السياسي، ولكنه مؤتمن على جهاز الدولة، وليس هذا الجهاز ملكاً له، بل يجب عليه أن يحافظ على جهاز الدولة عبر سياسات معقولة، وعبر التفاهم مع كل شركائه في المجتمع. لذلك اعتقد أن تدابير بناء الثقة هي التي يجب أن نتوقف عندها لتأخذ الوقت الأساسي. وكل ما قدمته كان عبارة عن فاتح شهية للوصول للحلول والنتائج التي نريدها من هذا الاجتماع، وشكراً لإصغائكم وأعتقد أنني التزمت بالوقت.