التدخلات الخارجية والحل السياسي
برز التدخل الخارجي بوصفه ملفاً أساسياً من ملفات الأزمة السورية منذ انفجارها في عام 2011، على الرغم من أنّ هذا التدخل كان قد بدأ قبل ذلك بسنوات عديدة. وقد كانت السمة الأساسية للتدخلات الخارجية المتنوعة والمتعددة هي التصاعد المستمر، بحيث يضاف كل مستوى نوعي جديد من التدخل إلى المستويات السابقة التي لا تتوقف بدورها.
يمكن توصيف المراحل الأساسية التي مرت بها هذا التدخلات كما يلي:
أولاً: مرحلة سيادة الليبرالية الاقتصادية منذ 2005 والمستمرة حتى الآن، والتي فتحت الباب واسعاً أمام الاستثمارات الريعية غير المنتجة لدول الخليج وتركيا، وبمباركة صندوق النقد والبنك الدوليين، الأمر الذي أسهم الإسهام الأكبر في تحضير الأجواء السورية للحريق والانفجار اللاحقين.
ثانياً: مع بداية نزول الحركة الشعبية إلى الشارع، بدأ يتصاعد التدخل في الشأن السوري عبر الأداة الإعلامية الخارجية التي اشتغلت على قسم تلك الحركة عمودياً على أساس «معارض» و«موالٍ» وعلى الأسس الطائفية والقومية، والتي ساعدها الإعلام المحلي بمقولاته المتشددة والبعيدة عن الواقع. جرى ذلك بالتزامن مع أعمال القنص النوعية التي تعرض لها متظاهرون وعناصر أمنية في الأشهر الأولى والتي لا يمكن إسقاط فرضية وجود طرف ثالث مسؤول عنها.
ثالثاً: مع انقلاب المشهد باتجاه العنف المفتوح والمتبادل، تعزز التدخل عبر العقوبات الاقتصادية وعبر التمويل والتسليح اللذين بدأا تحت مسميات «الجيش الحر» وتطورا بعد ذلك إلى الجبهات والكتائب والتشكيلات من شاكلة «النصرة» ومثيلاتها، وصولاً إلى «داعش» مؤخراً، بالتزامن مع تدخلات من الأطراف الإقليمية المختلفة وبغايات وأغراض متباينة ومتناقضة، ومن بين تلك التدخلات يبرز العدوان الصهيوني المتكرر.
رابعاً: التدخل عبر «تحالف واشنطن الدولي» الذي تأسس خارج إطار الشرعية الدولية بذريعة مكافحة الإرهاب وبغرض تأمين أداة احتياطية جاهزة للتدخل العسكري المباشر متى حانت فرصته المناسبة، وذلك بعد أنّ استطاع الفيتو الروسي- الصيني المكرر أربع مرات عبر مراحل مختلفة من الأزمة منع تطور التدخل العسكري غير المباشر إلى تدخل عسكري مباشر.
إنّ ما يمكن استنتاجه من هذا الاستعراض الموجز هو أنّ كل تأخر في حل الأزمة السورية كان ينتج مزيداً من التدخل الخارجي وبالتالي مزيداً من تدويل المسألة، بما يعنيه ذلك من إنهاك واستنزاف إضافيين للشعب السوري بأطرافه وتياراته المختلفة وللدولة السورية أساساً، ما يعني انزياحاً إضافياً في مركز ثقل التأثير بالشأن السوري إلى خارج الحدود السورية مع كل تأجيل للحل.
وإذا كان الفيتو الروسي- الصيني قد منع التدخل الخارجي العسكري بإسقاطه صفة الشرعية الدولية عنه، فإنّ واشنطن قد جهزت أداتها غير الشرعية– تحالفها- لتنتهز أول فرصة مناسبة لتتدخل من خارج مجلس الأمن تدخلاً عسكرياً مباشراً في الأرض السورية، بالتعاون مع حلفائها الإقليميين، ما يعني أنّه لا ينبغي نهائياً الاعتماد على فكرة وجود الفيتو الروسي- الصيني وحدها باعتباره أداة كافية لمنع التدخل العسكري المباشر. وفي الوقت ذاته فإن من شأن إطلاق آفاق الحل السياسي أن يضيق الهامش على واشنطن ويزيد من وحشيتها بالتالي نحو التفكير بشن عدوان مباشر، وما يعيقها حتى اللحظة هو حساب الجدوى، الذي يظهر خاسراً، لأن أجواء الحل السياسي تعني احتمالات مقاومة جدية للتدخلات الخارجية المختلفة بما فيها الإرهاب، وتعني صعوبات متزايدة تواجهها واشنطن مع حلفائها في جرّهم إلى المحرقة السورية.
إن تطوير مسار الحل السياسي بجدية وبسرعة من شأته أن يبعد شبح التدخل الخارجي واحتمالات تطوره إلى عدوان مباشر وشامل، ولذلك فإنّ الأطراف المختلفة اليوم مسؤولة أمام الشعب السوري الذي يطالبها بالترفع عن مصالحها الضيقة وبالذهاب إلى توافقات وحلول وتنازلات تصب في مصلحته وفي مصلحة وحدة البلاد أرضاً وشعباً ووقايتها من الانهيار الشامل.