مستنقع الأزمة.. وتصنيع الفتن!
عمر الحسن عمر الحسن

مستنقع الأزمة.. وتصنيع الفتن!

ترك شكل التطور الاقتصادي الاجتماعي والسياسي في البلاد في العقود الأخيرة، مع ما أضيف إليه في سنوات الأزمة مناخات يمكن اللعب عليها، والاستثمار فيها لتفجير فتن على أسس عرقية أو طائفية من قوى لامصلحة لها في كسر حلقة الحرب، وخصوصاً بعد أن كشف الواقع بؤس رهانات القوى المختلفة بإمكانية تحقيق انتصار نهائي. وبعد أن فرض الحل السياسي نفسه كخيار وحيد على كل القوى التي تعتبر أطرافاً مباشرة أو غير مباشرة في الأزمة السورية، بات الخيار الوحيد أمامها البحث عن تشوهات جديدة تستوجب استدامة الصراع، بحيث تؤثر على ما هو موضوعي «الحل السياسي» سلباً سواء بعرقلته أو بنسف الحقيقي منه لصالح ما هو ملغوم.

في البعد السياسي لظاهرة الفتنة، وبغض النظر عن النشاط المباشرالمتعدد الاتجاهات والانتماءات، ومصالح بعض النخب من هنا وهناك التي ترى في الفتن أداتها، لشرعنة وديمومة هيمنتها على البنى التي تزعم تمثيلها، فإن استمرار الوضع الحالي وعرقلة الحلول السياسية هي البيئة المناسبة لظهورها وتصنيعها وتصديرها.
اليوم ثمة تهويل إعلامي واستثمار سياسي يحيط بما جرى ويجري في محافظة الحسكة، وهو ليس بجديد بالمناسبة. فاستناداً إلى التنوع العرقي والديني في تلك المحافظة جرت وتجري محاولات عديدة ومنذ سنوات، لإثارة الفتن، ويتم الترويج لصراعات مشوهة هناك، تتناقض مع حقائق الواقع الموضوعي بأبعاده التاريخية والراهنة، وتتناقض مع مصلحة أبناء المحافظة بمختلف انتماءاتهم، عدا عن تناقضها مع المصلحة الوطنية السورية، حيث تجري عملية تهويل وترويج لأية ظاهرة استولدتها الأزمة، أو عمقت ما كان موجود سابقاً، للدفع باتجاه الفتنة.
لقد ترفع أبناء الجزيرة السورية، ومنذ تشكل الدولة السورية الحديثة عن خيارات مجنونة، ولم تشهد المحافظة يوماً ما انقساماً سياسياً على أساس قومي أو ديني، بل عبر أغلب أبناء المحافظة عن المصير المشترك دائماً. ولكن ما ينبغي الوقوف عنده في هذا السياق هو أن ظروف الأزمة أنتجت هامشاً لبعض القوى يمكن أن تستغله وتلعب بورقة التعدد القومي والديني في المحافظة، في ظل وضع إقليمي مضطرب، وفي ظل التدخلات الواسعة في الساحة السورية عموماً، وفي محافظة الحسكة على وجه الخصوص الأمر الذي يفرض على القوى الوطنية عموماً وفي الجزيرة بهذه الحالة التنبه إلى خطر التطرف من كل مصادره وبكل أشكاله، وخطر الانعزال القومي أو الديني من أي كان، والإصرار على وحدة المصالح والمصير المشترك، والإقرار بالثوابت الوطنية السورية التي لابد منها حتى تبقى سورية خيمة يستظل بها السوريون جميعاً، أي الإقرار بضرورة التغيير الوطني الجذري والشامل، الذي بات من الضرورات الوطنية، بما يعنيه ضمناً الكف عن كل سياسات التمييز القومي، والإقصاء والتهميش وإنكار الوجود التي مارسها النظام خلال العقود السابقة، والدفع باتجاه الحل السياسي باعتباره خياراً وحيداً للشعب السوري، لحل الأزمة الشاملة، وكل المشاكل الجزئية التي تظهر هنا وهناك، كل ذلك في إطار الحفاظ على وحدة سورية أرضاً وشعباً، والدفاع عن السيادة الوطنية السورية، ضد كل أشكال التدخل من الخارج أو الاستقواء به. 
تبين التجربة التاريخية، أن جميع الصراعات التي جرت على أسس قومية أو دينية، وفي مختلف البلدان كانت ستاراً لقوى اجتماعية كي تحافظ على مصالحها الطبقية، وتمت تغذيتها بالأوهام، وسموم التعصب الأعمى التي يدفع ثمنها بالمحصلة النهائية الفقراء والكادحين  من مختلف الانتماءات.
وفي السياق ذاته تبين التجربة أيضاً أنه لايمكن لأي من شعوب الشرق الحصول على حقوقه والحفاظ على خصوصيته، إلا في إطار وحدة نضالات تلك الشعوب و على قاعدة الاعتراف المتبادل.

آخر تعديل على الأحد, 08 آذار/مارس 2015 17:34