مرةً أخرى : أمريكا هي الطاعون!
بدأت واشنطن منذ أسابيع قليلة عمليات قصف جوي في العراق بحجة استهداف مواقع لتنظيم «داعش»، كما بدأ بالتصاعد خلال الأيام القليلة الماضية الحديث عن توسيع محتمل لتلك الضربات باتجاه الأراضي السورية، وتحديداً بعد صدور قرار مجلس الأمن ذي الرقم 2170 تحت الفصل السابع.. علماً بأنّ القرار لا يتحدث عن أي نوع من الضربات داخل الأراضي السورية وحتى العراقية، كما أنّه لا يعطي الحق لواشنطن أو لغيرها بتوجيه هذا النوع من الضربات، مما يلقي الضوء على محاولة أمريكية لتفسير القرار الدولي على هواها ووفقاً لمصالحها.
إنّ ما تحاول واشنطن فعله عبر تفسيرها الخاص لهذا القرار يتضح في النقاط الأساسية التالية:
إنّ إرهاب «داعش» وقبلها «القاعدة»، ليس إلّا تصنيعاً أمريكياً من حيث الجوهر. و«الخوف» الذي ينشره هذا التنظيم، يجري استغلاله أمريكياً كذريعة لتدخلات أمريكية واسعة في المنطقة، بما فيها التدخلات العسكرية.
إنّ الولايات المتحدة التي حاولت رفع مستوى تدخلها في سورية إلى مستوى التدخل العسكري المباشر في مفاصل متعددة من الأزمة السورية تحت شعارات مختلفة بينها «حماية المدنيين»، «الحظر الجوي والممرات الإنسانية»، «السلاح الكيميائي السوري»، وفشلت نتيجة الفيتو الروسي- الصيني المكرر مرات أربع، تسعى اليوم لتحوير القرار المحق الذي اتخذه مجلس الأمن بتكبيل التمويل والتسليح الداعم لإرهاب «داعش»، لتفسر هذا القرار على أنّه تخويل لها بتنفيذ ضربات مباشرة في سورية، بما يعني إحياء إمكانية التدخل العسكري المباشر في سورية، والذي ليس هنالك أية ضمانة أن يقتصر على توجيه ضربات للإرهابيين.
ولكي تتمكن واشنطن من الوصول إلى مأربها هذا، فإنها ستعمل على عزل سورية عن حلفائها وأصدقائها الحقيقيين، الروس والصينيين والإيرانيين، وتحاول جرّها إلى علاقة منفردة وغير متكافئة معها، وهي العدو التاريخي للشعب السوري ولجميع شعوب العالم.
إذا كانت واشنطن قد وجهت ضربات جوية في العراق، فلأن النظام العراقي القائم- الذي لا يزال يحمل في صلبه بذور الاحتلال الأمريكي- هو من طلب توجيه تلك الضربات، وهذا ما لم يجر في سورية، وبالتالي لا يوجد لدى الولايات المتحدة منفردة أي تخويل للقيام بضربات على الأراضي السورية.
إنّ الترويج الإعلامي والسياسي الذي تمارسه بكثافة أوساط أمريكية، والذي يتلخص بوجود «اتفاق تحت الطاولة» مع الحكومة السورية هو أمر ينبغي الحذر منه وبشدة.
إنّ توجيه أية ضربات لداعش ومثيلاته على الأراضي السورية يستدعي إنشاء تحالف دولي، لا تكون الولايات المتحدة على رأسه، ويوجد فيه حلفاء سورية الحقيقيين، ويعمل بموجب قرارات من مجلس الأمن الدولي، واضحة الغايات والصلاحيات والآجال.
غير أن الثابت أن المواجهة الحقيقية لداعش، تعني في جوهرها مواجهة المخططات الأمريكية في المنطقة، ومواجهة كهذه لا يمكن أن تنجح إلّا بتوحد جهود الشعب السوري وجهود شعوب المنطقة في الدفاع عن مصالحها العميقة وأساس وجودها، عبر رأب صدوع الوحدة الوطنية بحلول سياسية حقيقية تحشد الصفوف بمواجهة الإرهاب، وتستفيد من التوازن الدولي الجديد لمواجهة «الأمريكي» وطرده من المنطقة، فأمريكا هي الطاعون، كانت ولا تزال.