القرار 2170 وبداية الطور الثالث من تطور «داعش»

القرار 2170 وبداية الطور الثالث من تطور «داعش»

يمكن لمن يدرس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2170 الذي صدر الأسبوع الفائت تحت الفصل السابع، أن يرى في فقرته السابعة تكثيفاً لروح القرار ومضمونه:

«يدعو مجلس الأمن جميع الدول الأعضاء إلى اتخاذ تدابير وطنية لمنع تدفق المقاتلين الإرهابيين الأجانب إلى داعش والنصرة وجميع الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات الأخرى المرتبطة بتنظيم القاعدة، ويكرر ضرورة التزام الدول الأعضاء بمنع تحركات الإرهابيين أو الجماعات الإرهابية، وفقا للقانون المعمول به دولياً، وذلك، في جملة أمور، وضوابط فعالة على الحدود، منها تبادل المعلومات على وجه السرعة، وتحسين التعاون بين السلطات المختصة لمنع تحركات الإرهابيين والجماعات الإرهابية من وإلى أراضيها، وتوريد الأسلحة للإرهابيين وتقديم التمويل الذي من شأنه دعم الإرهابيين».
ولكنّ ما يجدر الانتباه إليه، قبل أي شيء آخر، هو أنّ التفسيرات القانونية لنص القرار وما يمكن أن يبنى عليه، لا يمكن أن تستقيم دون فهم سياق هذا القرار بوصفه خطوة إضافية ضمن الصراع الدولي الجاري! بكلامٍ آخر، فإنّ «وحدة إرادة المجتمع الدولي» في محاربة داعش والنصرة، ليست إلا السياق الجديد الذي سيستمر الصراع ضمنه ويتصاعد.. وذلك ضمن تنازع تكريس التوزان الدولي الجديد لمصلحة القوى الصاعدة، في مقابل محاولات القوى المتراجعة منع تظهير ذلك الميزان في محاولة لكسره ليس في منطقة عمل داعش فقط ولكن في جميع مناطق الصراع بما فيها ليبيا ومصر وأوكرانيا وغيرها..

كيف تطورت «داعش»؟

بإعادة التفكير بالشكل الذي ظهرت فيه «داعش» وتطورت خلال فترة زمنية قصيرة، يمكن الوقوف على ثلاثة أطوار أساسية: الطور الأول يمتد منذ نشوئها كفرع خاص من القاعدة وحتى احتلالها للموصل، والثاني يمتد من احتلال الموصل حتى صدور القرار 2161 (الخاص بمنع شراء النفط من التنظيمات الإرهابية)، وأما الطور الثالث فقد بدأ منذ فترة قصيرة ولا يزال مفتوحاً على احتمالين سنأتي على نقاشهما في السياق..
في الطور الأول، لم تكن داعش لتختلف بشيء عن السلوك التقليدي للقاعدة، ونقصد بذلك: مجموعات عمليات خاصة قليلة العدد عالية التدريب، لا تدخل في أية اشتباكات أو معارك مباشرة، ولا توجد في مكان محدد، يتلخص عملها بالتفجيرات والمفخخات والخطف وقطع الرؤوس، كل ذلك تحت عين سلاحهم الأهم: الكاميرا.. التي تحول الأعمال التي يقومون بها من مجرد أعمال عنيفة إلى أعمال إرهابية تجول عبر الفضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي لتحقق الآثار السياسية المطلوبة. وبالمناسبة، فقد بدأت «جبهة النصرة» عملها بطريقة مشابهة للطور الأول من داعش، وإن كان نقل مركز التمويل باتجاهها في مرحلة محددة، ودخول سوريين كثر فيها، قد غيّر بنيتها وأثّر على شكل تطورها اللاحق..
أتى بعد ذلك الطور الثاني الذي تضخمت فيه داعش فجأة بتحولها إلى «دولة الخلافة» بعد أن اجتاحت مساحات مهولة ضمن فترات زمنية قصيرة، وهو ما لم يفعله تنظيم القاعدة في أي يوم من الأيام. والقاعدة بتنظيماتها المختلفة، إذ لم تتوسع بطريقة داعش، فإن ذلك يعود لطبيعة هذه التنظيمات التي لا تستطيع الاحتفاظ بمساحات واسعة محددة ومعروفة من الأرض، بل تلتجأ إلى الجبال الوعرة لتكون منطلقاً لأعمالها المختلفة، وهذا منطقي نسبة إلى قدرات هذا النوع من التنظيمات من جهة، وإلى انعدام وجود أية حاضنة شعبية لها في أي من الدول، وعدم إمكانية إضفاء أي شرعية دولية عليها فيما إذا احتلت مساحات واسعة لتبني فيها دولاً أو ولايات.. لذلك فإنّ ما يحتاج إلى تفسير هو التوسع الهائل ضمن الطور الثاني من حياة داعش..
إنّ التفسير الوحيد الممكن لتوسع داعش هو الوظيفة المرسومة لها، أي أنّ الاستخبارات الأمريكية وحلفائها التي تدير عمل داعش، أرادت لها أن تتوسع توسعاً سريعاً وسهلاً ضمن العراق وسورية، في مساحة هي تقريباً خارج سيطرة الدولتين كلياً بحكم الظروف الراهنة، ليعقب ذلك دخول «البطل الأمريكي» الذي سيحارب الإرهاب و«يحجم» داعش ليعيدها إلى «تورا بورا» ما، ضمن الطور الثالث.. فيكسب بذلك حزمة من الانتصارات:
1- العودة إلى دور «الوصي» و«الشرطي العالمي» و«الحامي»، الدور ذو المنافع السياسية الكبرى.
2- توجيه الأنظار إلى الخطر «الداعشي» بإحداثياته العسكرية الميدانية دون إحداثياته الأخرى، فتنظيم مثل «داعش» يستند في بقاءه واستمراره إلى الثغرات والأزمات التي تعانيها بنى الدول في المنطقة من جهة، وإلى تردي الأوضاع الاقتصادية- الاجتماعية الكبير من جهة أخرى، فوضع معيشي سيء تتوسع ضمنه فئة المهمشين باستمرار، ويرتفع فيه التوتر والقلق الاجتماعي باطراد كفيل بإبقاء «الفوضى الخلاقة» الأمريكية مشتعلة لأمد طويل.. ما يفتح الطريق أمام استمرار إحراق المنطقة وتوسيع حريقها وتعميقه.

الدخول الروسي يعرقل المخطط الأمريكي

إنّ طائرات «سوخوي34» العشرة التي أرسلتها موسكو للحكومة العراقية لتستخدمها في ضرب داعش قبل أكثر من أربعين يوماً، أي قبل بدء أمريكا بعملية نقل داعش إلى الطور الثالث عبر «قصف محدود» لها، شوشت المخطط الأمريكي وعقدته، ما دفعها إلى الاستعجال في ضرباتها الجوية في العراق، وما اضطرها إلى القبول بالقرارين 2161 و2170، بل وبالدفع باتجاههما. ما يعني أنّ «محاربة الإرهاب» التي كانت على جدول الأعمال الأمريكي، ووفقاً للطريقة الأمريكية الخاصة والمعتادة، التي تعمق ذلك الإرهاب وتجذره، لم تعد خاصة بواشنطن وحدها، بل دخلت عملية الحرب على الإرهاب ضمن الأجندة الدولية من الباب الروسي أولاً لتلتحق به أمريكا، ولتحاول ضمن القادم من الأيام إعادة توليفه وفقاً لطريقتها..
عند هذا الحد، وفي إطار تظهير ميزان القوى الدولي الجديد الذي ينحو أكثر فأكثر باتجاه إرادات الشعوب في المنطقة والعالم، يصبح من الواضح أنّ طريقتين متمايزتين لمحاربة الإرهاب يجري الصراع بينهما في هذه الأثناء، طريقة أمريكية وطريقة روسية، طريقة أمريكية تستهدف تعميق وجود داعش وشبيهاتها عبر «قصف الطائرات» الذي لا يمكن له تحقيق تقدم جدي في مواجهة داعش، وذلك عبر تحالفات منفردة مع أنظمة المنطقة تسمح لها بتجاوز مجلس الأمن دون الإخلال بالشرعية الدولية، في مقابل طريقة روسية تستهدف القضاء على داعش نهائياً، عبر توافقات داخلية وإقليمية بين شعوب وحكومات المنطقة، ترتكز إلى الحلول السياسية، بما يسمح برفع درجة الوحدة الوطنية والتماسك لهذه الدول وما يسمح بدوره بتطويق داعش على الأرض من قبل هذه الشعوب نفسها، بالتوازي مع تغطية هذه العملية دولياً وإقليمياً عبر جملة من القرارات بينها 2161 و2170..

حول الخيارات

وبالمحصلة، فإنّ قرارات مجلس الأمن الأخيرة، يمكن أن تكون نقطة انطلاق لمكانين ووضعين متباينين كل التباين، فإما تجذير داعش وأمريكا في المنطقة، وإما طردهما، ولعل هذين الاحتمالين يتوقفان بدرجة عالية على الطريقة التي ستتعامل بها شعوب وحكومات المنطقة مع المسألة، وتحديداً في سورية والعراق. حيث يمكن لأي «توافقات» أو «تفاهمات» منفردة مع الأمريكي، أن تشكل مدخلاً جدياً لهذا الأخير ليس لإعادة تموضعه ضمن المنطقة فقط، ولكن لأخذ بلدان المنطقة بالجملة بما فيها أنظمتها التي لا تناسب مخطط الفوضى الخاص به. بالمقابل فإنّ التركيز على مقاومة شعبية لداعش ترتكز على استعادة درجة تماسك شعوب المنطقة عبر الحلول السياسية والتوافقات الإقليمية، وبالاستفادة من التوازن الدولي وحركته يمكن أن يشكل باباً لخروج جدي ليس من الأزمة السورية فحسب، بل ومن جملة الأزمات المشتعلة في المنطقة.