في مواجهة «داعش»..!

في مواجهة «داعش»..!

غدا واضحاً أن «واشنطن»، بشقها الفاشي، تخصّ بضاعتها «الداعشية» برعاية وعناية فائقتين، وتعوّل عليها بأداء أدوار معتبرة في رسم خارطة الحريق لمنطقة تشمل الشرقين الأدنى والأوسط وصولاً إلى تخوم روسيا، وذلك بالتوازي والتكامل مع تصنيعها ودعمها لليمين المتطرف والمتعصب قومياً في أوكرانيا وعموم أوروبا. 

فإذا كانت الأزمة الرأسمالية الكبرى والتوازن الدولي الجديد يهددان النهب الدولاري، ويهددان بعمق أكبر رأس المال المالي الإجرامي العالمي، فإنّ جعبة هذا الأخير لمّا تستنفد خيارها الفاشي بعد، ولكنها تظهره اليوم مطوراً ومعدلاً بما يتناسب مع الوقت الراهن، وبما يلائم كل منطقة من المناطق المستهدفة. وفي السياق فإنّ «التقرير السري» الذي نشرته وسائل الإعلام الأمريكية مؤخراً، والذي «كشف» عن تورط سعوديين وباكستانيين وجنسيات أخرى في تمويل ودعم «داعش»، إذ يحاول التغطية على دور الولايات المتحدة نفسها بقوله الجزء المعروف من الحقيقة، فإنّه يكشف بالتوازي اتساع «منطقة العمل» التي تحاول واشنطن/ داعش تغطيتها.

إنّ الدور الخاص المنوط أمريكياً بداعش تأديته، انطلاقاً من العراق اليوم بحكم بنيته الحالية الهشة التي استولدها الاحتلال الأمريكي منذ الغزو وحتى اليوم، هو أخذ بلدان المنطقة بالجملة، بالتزامن والتكامل مع الإبقاء على عمل أية مجموعات أو ميليشيات مسلحة أخرى في كل بلد مستهدف وحسب خصوصياته، ودائماً وسط تشويش إعلامي يخلط الأوراق، وربما يصل إلى حد تصوير أن «مقاومة الأمريكي» ذاته ستصبح مرتبطة بطوائف بعينها دون أخرى. وحتى تحقق داعش مهمتها هذه فإنّ عليها استيلاد «أضداد» طائفية الطابع، على المستوى الأول، لتتقاذف معهم كرة النار، وعليها توسيع نطاق الفوالق لتصل إلى العشائري والقومي وغيرها لتتناسب مع المناطق الجديدة المستهدفة، وإلا ما معنى الحديث عن مبررات وجود لاحق لداعش في الأردن وشمال شرق سورية؟ وهذا يعني أنّ مستقبل هذه الظاهرة يتوقف على الطريقة التي ستتعامل بها الدول والحكومات الإقليمية معها، فإما أن تعمل على مبدأ الفعل دون رد الفعل، باتجاه امتصاصها وتذويبها عبر الحلول السياسية التي تخدم شعوب المنطقة، على مثال ما فعلت وتفعل روسيا في أوكرانيا، أو أن تزيد نارها أواراً، فتحترق وتحرق معها المنطقة كلها..

إنّ داعش وغيرها تؤمن «حطبها» الأساسي من أقسام عريضة من شعوب هذه المنطقة المهمشة والمفقرة والمنهوبة والمجهّلة لعقود متتالية، وفوق ذلك كلّه فإن تأجيل وتعطيل الحلول السياسية للأزمات الحالية يغلق أفق تغيير الواقع البائس في وجه هذه الشعوب، فتتحول نهباً للفاشية المعاصرة وأدواتها المختلفة. ولذلك فإنّ طريقة مقاومة داعش وشبيهاتها، ينبغي أن تنطلق من أن تكوّن ظاهرة كهذه، ومن ثم انتشارها، هو أساساً نتاج للفوضى الأمريكية «الخلاقة»، المستندة إلى الثغرات والصدوع الداخلية في الدول المستهدفة، وإلى الدور الرعائي المؤقت الذي تقوم به بعض الأنظمة بالوكالة عن واشنطن، والذي لن يحميها من «انقلاب السحر على الساحر» (السعودية- تركيا مثالاً). وإن هذا النشوء والانتشار اليوم بالملموس، وبالدرجة الأولى، نتاج لاستمرار هذه الفوضى المحمولة على تعثر الحل السياسي الشامل في سورية وعرقلته وتعطيله، من أطراف مختلفة، بما في ذلك اختزال ذاك الحل في التمترس عند مقولة «الحسم العسكري»، مع التشديد على أنّ حلاً سياسياً شاملاً يتضمن حكماً شقاً عسكرياً رئيسياً لمحاربة الإرهاب. وإن العناد على الحسم العسكري، خارج سياق عملية سياسية متكاملة وشاملة ووطنية، مبينة في منطقها على العداء لواشنطن والصهيونية وأدواتهما، يتسبب في انتشار داعش، بينما منطق الحل السياسي يخنقها، وهو ما يعني أنّ داعش بممارساتها لم تعد أداة بيد واشنطن وحدها، وإنما غدت مخدّمة أيضاً لكل المعادين للحل السياسي. 

بهذا المعنى، وإذا كانت طبيعة الحلول السياسية المطلوبة تختلف من بلد لآخر حسب خصوصياته واحتياجاته، فإنّ طرق باب الحل السياسي الشامل في سورية، والنضال باتجاه فتحه واسعاً ليمر السوريون إلى مستقبلهم عبره لم يعد اليوم واجباً داخلياً وطنياً فحسب، بل هو معيار لتلك الوطنية، وهو فوق ذلك بات واجباً أممياً أيضاً.