«الإرادة الشعبية» وأسئلة الحل السياسي!

«الإرادة الشعبية» وأسئلة الحل السياسي!

من سمات الأزمات الكبرى والمديدة أنها تطرح على بساط البحث أسئلة كثيرة، تفرض نفسها على جميع الأطراف التي لها علاقة بالأزمة المعنية، بحيث لامفر من الإجابة، وخصوصاً في أزمة من وزن الأزمة السورية  التي خلّفت كل هذا الدم وهذا الدمار المادي والروحي، وهذه التداعيات والمخاطر، التي باتت تهدد إقليماً كاملاً.

لقد بات معروفاً أن جميع الأطراف المحلية والإقليمية والدولية لم تعد «تتجرأ» على رفض خيار «الحل السياسي للأزمة السورية» من حيث المبدأ، ولكن في سياق إجابات الأطراف المتعددة على أسئلة هذا الحل سورياً «لماذا الحل السياسي؟ وماهية الحل السياسي؟ والحل السياسي مع من؟» تظهر تناقضات الأزمة دفعة واحدة، وتتجلى نوايا مختلف الأطراف، بحيث يبدو هذا الإقرار وكأنه بروتوكولياً فقط، ويأتي في سياق التبرؤ من تهمة المسؤولية عن الدم المهدور والمآل الذي وصلت إليه البلاد، ويقود في نهاية المطاف إلى المربع الاوّل، وبالتالي إلى مزيد من خلط الأوراق، وإشاعة الإحباط في الأوساط الشعبية وعدم الثقة بإمكانية الحل السياسي، في نهاية المطاف.

لماذا الحل السياسي؟

ليس جديداً حسب قراءة «الإرادة الشعبية» القول: «لأنه الحل الوحيد».. هكذا كان الرأي منذ أن دخلت البلاد في دوامة العنف والعنف المضاد، وهكذا استمر الموقف على مدار سنوات الأزمة، رغم «الانتصار الجزئي» هنا أو هناك لهذا الطرف أو ذاك، والتهليل وكأن الأزمة انتهت!
 لقد كان واضحاً لمن يريد أن يرى الواقع على حقيقته أن توازن القوى لايسمح بحسم المعركة من أي طرف بالطريقة وبالشعارات التي رفعها الطرفان، وما زاد الأمر تعقيداً كان تدفق التكفيريين من كل جهات الأرض إلى ميدان المعركة لتتشابك خيوط الأزمة وتتعقد، وتتداخل العوامل الداخلية مع الخارجية، فأصبحت سورية ملعباً للصراع الدولي يؤثر ليس على الوضع في البلاد فقط بل على آفاق تطور الوضع العالمي ككل، لتكون سورية في ظل الصراع القائم منفعلة، وليست فاعلة، مع الأسف، على عكس دورها التاريخي المطلوب والمعروف.
إن القول بعدم إمكانية الحسم لمصلحة هذا الطرف أو ذاك لايتعلق بالموقف من الطرفين أوالمساواة بينهما، بقدر ما هو استنتاج موضوعي يستند إلى توازن القوى داخلياً وإقليمياً ودولياً، وإلى قراءة علمية لتجارب ملموسة مرّت، وتمر بها العديد من الدول الموضوعة على خارطة الفوضى الأمريكية الخلاقة، سوء تلك التي شهدت تدخلاً عسكرياً خارجياً مباشراً أو غير مباشر، وحيث لم ترد، ولاحقاً لم تستطع، واشنطن فرض أجندة التدخل المباشر، كانت تعمل على استنزاف البلد المستهدف عبر إدامة الاشتباك داخلياً، وكان استمرار الصراع هو المطلوب، وأصبح هو أداة الوصول إلى الهدف الاستراتيجي «الفوضى الخلاقة». (العراق بعد الاضطرار الأمريكي للانسحاب، اليمن، سورية، أوكرانيا اليوم، كأمثلة).
وإذا تحدثنا بالملموس أكثر، فإن حالة الاستنزاف المستمرة، التي تشهدها سورية، هي المطلوبة أمريكياً في ظل عدم قدرة واشنطن وحلفائها على الحسم المباشر، ولايهم في هذه الاستراتيجية من ينتصر في ساحات المعارك داخلياً، بالمعنى العسكري، في هذا الموقع أو ذاك، طالما أن البنى التحتية ستدمر، وطالما أن الفوالق التقليدية «الدينية، الطائفية، العرقية» ستتعمق، وطالما أن النسيج الوطني سيتهتك، وطالما أن الجيش باعتباره رمز الوحدة الوطنية، وأحد أهم مقومات الدولة سيستنزف... وعليه فإن الإصرار على الحل السياسي هنا هو عملياً محاولة للجم للمشروع الامريكي، وإجهاضه.

الحل السياسي .. والتشكيك بالمواقف!

في سياق استمرار التشكيك المتعمد بوطنية موقف «الإرادة الشعبية»، والمحاولات البائسة للنيل منه، كان السؤال التشكيكي الملغوم حول «الحل السياسي مع من؟» و«كيف نتحاور مع قوى الإرهاب التي تقطع الرؤوس وتجزّ الرّقاب؟»، ولم يبق لدى بعض المحسوبين على الموالاة هذا سوى إتهام «الإرادة الشعبية» بدعم الإرهاب(!؟)، مع العلم أن الحل السياسي الذي طرحه حزب الإرادة الشعبية، وعمل لأجله، وكان محور مواقفه من الأزمة، بمختلف تجلياتها وتطوراتها، لم يكن يوماً يعني الحوار مع تلك القوى التكفيرية القادمة من الخارج، بل بشيء من التدقيق يتبين أن موقف الحزب كان هدفه الأول هو تحجيم تلك القوى، وعزلها وتضييق الخناق عليها، وصولاً إلى استئصالها، لأن العنف وارتفاع منسوب الدم هو الملعب الوحيد الذي تستطيع فيه هذه القوى أن تفعل فعلها، بل ربما يكون هو الدور المنوط بها أصلاً من صانعيها وراء المحيط، فالحل السياسي المقصود كان أبداً ودائماً بين السوريين، ولا أحد غيرهم، لتأمين تلك الأجواء المناسبة لتوحد السوريين على أساس مشروع وطني متكامل، موالاة ومعارضة، ضد هذا الإرهاب الأسود..

مآلات الحل السياسي؟

وكما كان موقف الإرادة الشعبية مكان هجوم وتشويه من البعض في الموالاة الذين بالكاد يصدقون حتى هم أنفسهم التهم الرخيصة التي يطلقونها، كان هذا الموقف ذاته موقع هجوم من تلك المعارضة التي جعلت من نفسها أداة للتدخل الخارجي غير المباشر في الأزمة السورية، باعتباره موقفاً يجمع بين رفض هذا التدخل، ووضعه كمهمةً أمام مؤتمر جنيف، وبين ضرورة عملية التغيير الجذري الشامل عبر عملية سياسية سورية، وينسف فكرة تلازم الموقف المعارض مع قبول التدخل الخارجي.
إن الحل السياسي الذي يصر عليه « الإرادة الشعبية» هو حل مطلوب منه إنجاز مهمتين تاريخيتين أمام الشعب السوري:
• الحفاظ على وحدة البلاد والسيادة الوطنية.
• الشروع في عملية التغيير المنشودة.
فلا يمكن في ظروف اليوم إنجاز إحدى هاتين المهمتين  دون الأخرى، ولا تنفع أية جعجعة كلامية في هذا المجال، فلا معنى للتغيير ولا لأي شعار سياسي وأية مهمة في سورية في ظل استمرار تهديد وجود البلاد كوحدة جغرافية سياسية، وبالتوازي لا يمكن الحفاظ على وحدة البلاد دون زج كل الشعب السوري في المعركة، وهذا لايمكن حدوثه دون تأمين حقه في عملية التغيير، إذاً كما أن الحفاظ على وحدة البلاد معطى ثابت لا يمكن تجاوزه، فإن التغيير أداة لا يمكن الاستغناء عنها لتحقيق ذلك، ومن هنا بالضبط نعتقد تنبع مشكلة تلك الأوساط التي دأبت على  الهجوم على حزب الارادة الشعبية، بمن فيهم المرتعدون في بعض أوساط الموالاة الذين لا تنقصهم «النباهة» في إدراك أن التغيير الذي ينشده حزب الإرادة الشعبية والذي يعبر عن مصالح أغلبية السوريين خارج ثنائية الموالاة والمعارضة، إنما يعني من جملة ما يعني موضوع الفساد، وضرورة استئصاله هو الآخربـ «المعية» مع قوى التكفير والإرهاب، وعليه فلاغرابة أن يأتي الهجوم على مشروع «الإرادة الشعبية» للحل السياسي من هذا الموقع بالضبط، حيث تأكد بالملموس ما قاله «الإرادة الشعبية» وردده مراراً في خطابه السياسي عن خطرالفساد ليس على الوضع الاقتصادي الاجتماعي فقط، بل على الوطن ووحدته واستقلاله، ولاينفعنّ أحد هنا أية محاولة تزويروتشويه المواقف وطمس الحقائق حتى ولو جعجعت معهم أغلب طواحين الكلام المرئية والمقرؤة والمسموعة، ومن باب التذكير ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها قوى الظلام إلى محاولة رمي المسؤولية على الشيوعيين وشيطنتهم في استحقاقات وطنية كبرى من هذا النوع، والتاريخ كان دائماً يقول كلمته وينصف ملح هذه الأرض.

حالة الاستنزاف المستمرة التي تشهدها سورية مطلوبة أمريكياً في ظل عدم قدرة واشنطن وحلفائها على الحسم المباشر.. ولايهم في هذه الاستراتيجية من ينتصر عسكرياً في ساحات المعارك داخلياً طالما أن البنى التحتية ستدمر والفوالق التقليدية ستتعمق، والنسيج الوطني سيتهتك، والجيش باعتباره رمز الوحدة الوطنية وأحد مقومات الدولة سيستنزف.. وعليه فإن الإصرار على الحل السياسي هنا هو عملياً لجم للمشروع الأمريكي وقطع للطريق عليه