إفتتاحية قاسيون 502: قانون الانتخابات.. منظم للحركة الشعبية
مع إعلان تشكيل لجنة لإعداد قانون جديد للانتخابات العامة، يكون النقاش حول الإصلاح السياسي في البلاد قد دخل مرحلة جديدة وهامة.. فهذه القضية لم تكن ملحوظة، في البدء، وإذا كانت ملحوظة فلم يكن مشدداً عليها.. مع أنها ترتدي أهمية كبيرة بالنسبة لكل منظومة الإصلاح السياسي، فالمشكلة ليست بقوننة الأحزاب وممارستها بقدر ما هي مرتبطة بكيفية قياس تأثير هذه الأحزاب الفعلي والحقيقي بالشارع السوري في إطار الحفاظ على الوحدة الوطنية ووحدة البلاد في ظل ظروف تعصف بالمنطقة بسبب المخططات القديمة- الجديدة للإمبريالية الأمريكية والصهيونية، والتي تستهدف وحدة وسيادة كل بلدان المنطقة ضمن إطار مخطط الفوضى الخلاقة السيىء الذكر.
إن الحركة الشعبية التي بدأت بالتعبير عن نفسها في البلاد، ولو بوسائل بدائية، ولو استخدمت من قبل قوى مشبوهة في بادئ الأمر لأهداف أخرى، هي حركة مطلوب استمرارها وإيجاد أشكال سليمة وقانونية لتعرّف عن ذاتها بشكل دائم، وفي ذلك يتم رعايتها وحمايتها لأنها الضمان الوحيد والحقيقي للإصلاح الشامل المطلوب في البلاد.
إن التنوع الحضاري في سورية شيء هام وضروري، وكان تاريخياً أحد أسباب قوتها في الممانعة والمقاومة التاريخية ويريد البعض اليوم استخدامه بالاتجاه المعاكس من خلال الشحن الطائفي من أينما أتى، والذي يستهدف الوحدة الوطنية، وبالتالي وحدة البلاد، وفي نهاية المطاف دورها الهام في مواجهة وإحباط المخططات المتجددة للعدو الخارجي.
من هنا فإن قانون الأحزاب والانتخابات مدعوان بصيغتهما القادمة لأن يعززا عوامل قوة البلاد، لا أن يضعفاها أسوةً بالمثال العراقي السيىء الذكر، الذي أعاد التمثيل البرلماني إلى مكونات ما قبل الدولة الوطنية من عشيرة وقبيلة وطائفة وقومية، لاغياً الحياة السياسية الحقيقية الصحية التي توطد الوحدة الوطنية.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن قانون الانتخابات العامة الحالي كان عاملاً سلبياً وكابحاً لتطور الحياة السياسية في البلاد، بل قام عملياً بالمساعدة على شلها، ما ألغاها فعلياً، وتثبت الأحداث الحالية كم هو ضروري وجود أحزاب حقيقية تتمتع بثقة الشارع، ويحدد الثقة بها دورياً بقدر تعبيرها عن الشارع نفسه وطموحاته ومطالبه.
من هذه الزاوية، إذا كان هناك شبه اتفاق بين جميع القوى تقريباً حول الأطر العامة لقانون الأحزاب، إلاّ أن النقاش حول قانون الانتخابات ما يزال في أوله، وهو المدعو أصلاً أن يفعّل قانون الأحزاب بشكل صحيح، ولكن الخطر بأن أية صيغة غير عصرية ومتناسبة مع الظروف السورية الحالية يمكن أن تشل قانون الأحزاب، وألا تدعه يلعب الدور المطلوب منه، ما سيجعله يولد ميتاً.
إن قانون الانتخابات الحالي الذي يعتبر كل محافظة دائرة هو قانون قديم ما يزال ساري المفعول منذ الاستقلال عملياً رغم التعديلات الجزئية التي أدخلت عليه، وهو في حينه كان نسخةً عن القانون الفرنسي المشابه الذي عُدّل جذرياً هناك أربع مرات حتى الآن.
وتكمن مشكلة القانون الحالي أنه وزّع كل محافظة إلى ما يقارب ألف مركز انتخابي، ما جعل الإحاطة بها من جانب أي مرشح عادي أمراً مستحيلاً، وهو أمر لا يقوى عليه كما بينت التجربة، إلاّ المرشح المدعوم من جهاز الدولة أو من قوى المال، ما يلغي التمثيل الشعبي الحقيقي عملياً.
والأكيد أن أي قانون انتخاب يريد أن يولّد تمثيلاً حقيقياً وسياسياً فعلياً ومعبراً عن المجتمع بشكل غير مزيف، يجب أن يكون بعيداً عن تأثير جهاز الدولة وقوى المال على نتائج الانتخابات، وفي ذلك مصلحة تطور البلاد في كل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. والتمثيل السياسي الحقيقي المعبر عنه في مجلس شعب حقيقي يسمح بمعالجة المشاكل قبل استفحالها وتحولها إلى أزمات، لأنه يتحول إلى جهاز استشعار مبكر بسبب ارتباط المنتخبين إليه بمزاج الشارع ومطالبه وهمومه الحقيقية بمختلف تياراته السياسية والاجتماعية.
إن قانون الانتخابات الحالي قد أصبح بالياً ورجعياً، فإن بديله لا يمكن أن يكون في ظروفنا الدائرة الفردية التي ينتخب منها ممثل واحد، لأن ذلك سيسمح لقوى متخلفة عشائرية أو طائفية، أن تتقدم وتحصل على أكثر مما تمثله في المجتمع السوري بكثير، وإذا أخذنا بعين الاعتبار خطر المخططات التفتيتية الخارجية التي يتعاون معها أعداء الداخل والشعب، نستطيع أن نستنتج أن قانوناً يشرّع للدائرة الفردية هو أكثر رجعيةً وخطراً من القانون الحالي. لذلك يبقى أمامنا خيار وحيد هو قانون انتخابات نسبي.
وهنا من المشروع أن يطرح سؤال: نسبي على نطاق المحافظة التي تبقى دائرة أو نطاق البلاد التي تصبح دائرة واحدة؟
وإذا كان القانون النسبي يسمح بتمثيل كل القوائم الممثلة لمختلف التيارات السياسية بحسب حجم الثقة التي منحها إياها الناخبون، إلا أنه إذا فعّل فقط على نطاق المحافظة باعتبارها دائرة، فإنه يكرر الخطر الذي تحمله الدائرة الفردية على نطاق أكبر وأوسع.
لذلك يبقى أمامنا الخيار المنطقي وهو اعتبار البلاد دائرة واحدة، ولتخوض القوائم الممثلة لمختلف التيارات السياسية التنافس على أساس البرامج المعلنة وعلى أساس الإعلان الاسمي لمرشحيها الذين سينجحون بالتسلسل حسب الأصوات التي حصلت عليها القائمة في مجموع البلاد.
وهنا يمكن أن يناقش موضوع نسبة الحسم الدنيا لكل قائمة تؤهلها أو لا تؤهلها للتمثيل، والأرجح أنه في ظروف تكوّن فضاء سياسي جيد في البلاد، فإنه من المفضل أن تكون 3%، كما أن تحقيق نسبة 30% للنساء على الأقل يجب أن يكون شرطاً لابد منه لنجاح أو عدم نجاح أية قائمة..
كما يمكن أن يناقش موضوع تمويل القوائم من خزينة الدولة بقروض ميسرة بحد أدنى وأعلى معلوم، تسترد مما لم يتجاوز نسبة الحسم، وتعتبر دعماً من الدولة لمن ينجح من القوائم وبديلاً عن تمويل الأحزاب المرخصة من الدولة.
إن موضوع التمويل هو موضوع هام يجب أن تأخذه الدولة على عاتقها لمنع قوى المال من استخدام إمكاناتها غير المتكافئة مع من لا يملك المال، ولكن يملك المؤهلات الشخصية والشعبية للتمثيل. لا شك أن قانون انتخابات جديداً هو جزء لا يتجزأ من حزمة إصلاحات سياسية شاملة لا يتقدم ولا يتأخر عنها من حيث المبدأ قانون الأحزاب والتعديلات الدستورية المطلوبة، لذلك فإن تحدي الوصول إلى قانون انتخابات عصري وعادل وحقيقي هو الضمانة الهامة لنجاح الإصلاح السياسي، الذي دونه لن ينجح أي إصلاح اقتصادي يستهدف ضرب الفساد والوصول إلى نمو عال وعدالة اجتماعية عميقة، وكل ذلك هو الضمانة بالتالي لتوطيد الوحدة الوطنية التي دونها لا يمكن تحرير أراضينا المحتلة وإحباط المؤامرات الخارجية بعيداً عن المناورات والألاعيب الكلامية والابتزازات التي يمارسها البعض من الداخل أو الخارج مدّعين تمثيل الشعب السوري الذي هو منهم براء.