وسائل الإعلام الغربية.. سلطةٌ شيطانيةٌ لخداع الشعوب
أكثر من أيّ وقتٍ مضى، تسيطر وسائل الإعلام الغربية وحتّى تلك التي تأتمر بأوامرها، ولاسيما قناة الجزيرة التي أظهرت وجهها الحقيقي، وجه وسيلة إعلام تأتمر بأمر مليكٍ لاأخلاقيٍّ مشوّه، على جبلٍ من الدولارات يأتمر هو نفسه بأوامر غربٍ يسمح له بأن ينشط ضمن «دبلوماسية الدولار»، وذلك مقابل استحواذ الغربيين الكلّي على احتياطيات الغاز في قطر. بل هنالك ما هو أسوأ، إذ إنّ صحافيي هذه القناة التابعة يسمحون لأنفسهم بإملاء المعيار على العرب في مجال المهنية. والحرّية أيضاً. ألم نر جزائريين قدماء يسمحون لأنفسهم بتوبيخ الجزائر التي تخلّوا عنها في أوج شدّتها؟ ليس لديّ تعاطفٌ خاصٌّ مع الحكومة الحالية، لكنّني أدعو أولئك الذين يقدّمون الدروس لمزيدٍ من التواضع ولأن يجروا استبطانهم الأخلاقي في ما يتعلّق بالنزاهة الصحفية مقلّدين زميلهم الذي استقال بسبب تزييف المعلومات.
تصنيع المعلومات
بمناسبة المعلومات النزيهة وأمام إدمان الشعوب على المعلومات المصنّعة في الغرب والتي يفترض بها أن تتمتع بالصدقية والمهنية، وتكون بالتالي غير قابلة للنقاش، أريد عبر هذه المساهمة تقديم أمثلةٍ على التلاعب الدائم الذي تقوم به وسائل الإعلام. لقد أعلن جون وايتن، محرّر نيويورك تايمز أثناء خطابه الوداعي إنّ «الصحافة الحرّة غير موجودة. لا يمكن أن يجرؤ أحدٌ على تقديم رأيه الخاص صراحةً. نحن الدمى التي تقفز وترقص حين يشدّون الحبال. إتقاننا للعمل، قدراتنا بل وحياتنا هي ملكٌ لهم. نحن خدم القوى المالية القابعة خلفنا. نحن لسنا سوى مثقّفين عاهرين. يتمثّل عمل الصحافي في تدمير الحقيقة، في الكذب الكامن، في تحوير الوقائع والتلاعب بالرأي لمصلحة قوى المال. نحن الأدوات المطيعة للأقوياء والأثرياء الذين يشدّون الحبال في الكواليس».
من المعروف جيداً أنّ السلطة الرابعة، سلطة وسائل الإعلام، هي قوّةٌ مهمّةٌ تسمح من حيث المبدأ في الأنظمة الديمقراطية بإعلام الشعب عن عمل المؤسسات. غير أنّ هذه القوّة يمكن أن تكون في خدمة قضيةٍ وبالتالي أن تتكشّف عن كونها خطيرةً زمن السلم وزمن الحرب.
تحدّث إنياسيو رامونيه، المدير السابق لصحيفة لوموند دبلوماتيك، عن التلاعب الذي يتزايد وضوحه بالمعلومات، مشيراً إلى الفرقاء الكبار الذين هم فاعلو عولمةٍ مقولبةٍ على قياس الأكثر ثراءً. فلنستمع إليه: «لعقودٍ طويلة، كانت الصحافة ووسائل الإعلام ملجأً للمواطنين في الإطار الإعلامي في مواجهة تجاوزات السلطات. وبالفعل، يمكن أن تفشل ثلاث سلطاتٍ تقليدية ـ التشريعية والتنفيذية والقضائية ـ أو يلتبس عليها الأمر فترتكب أخطاء. لكن في البلدان الديمقراطية أيضاً، يمكن أن ترتكب تجاوزاتٌ خطيرة، وهذا ما حدث في الولايات المتحدة، طيلة أكثر من قرن، تجاه الأمريكيين الأفارقة، وهذه هي الحال اليوم ضدّ مواطني البلدان الإسلامية بموجب (باتريوت آكت)».
منذ نحو خمسة عشر عاماً، ومع تسارع العولمة الليبرالية، أفرغت هذه «السلطة الرابعة» من معناها وخسرت شيئاً فشيئاً وظيفتها الأساسية بوصفها سلطةً مضادة. يفرض هذا الواقع نفسه بدراسةٍ عن قربٍ لكيفية سير العولمة. لقد أصبحت السلطة الحقيقية بين يدي زمرةٍ من المجموعات الاقتصادية الكوكبية والشركات العالمية التي يبدو وزنها في الأشغال أحياناً أكبر من وزن الحكومات والدول.
في الحرب الإيديولوجية الجديدة التي تفرضها العولمة، تستخدم وسائل الإعلام كسلاحٍ قتالي. بفضل انفجار المعلومة وتكاثرها ووفرتها، أصبحت حرفياً ملوّثة، مسمومة بشتّى أنواع الأكاذيب والشائعات والتضليل والتحريفات، والتلاعبات. إنها تسمّم ذهننا وتلوّث عقلنا وتتلاعب بنا وتسممنا وتحاول أن تسرّب إلى لاوعينا أفكاراً ليست أفكارنا. لهذا، من الضروري تطوير ما يمكن أن نطلق عليه تسمية: «علم بيئة المعلومات».
تحريف ما قاله نجاد
ضربةٌ ناجحة قامت بها «إسرائيل»! أن تحفر في مخيلة الغربيين أنّ أحمدي نجاد يريد موت اليهود. لكنّ الأمر ليس كذلك في واقع الأمر. يمارس اليهود الإيرانيون قناعاتهم الروحية من دون إشكالٍ كبير. ما الذي قاله أحمدي نجاد حقاً؟ لم يقل أحمدي نجاد أبداً «ينبغي محو إسرائيل من الخارطة». هذه العبارة المنسوبة إلى الرئيس الإيراني والتي تناقلتها الصحافة والسياسيون تناقلاً واسعاً هي مزيّفة. فقد فكّك آراش نوروزي، وهو إيرانيٌّ معارضٌ للنظام، قطعةً قطعة عناصر ملفّ هذه الفبركة الإعلامية غير المسؤولة لا بل سيّئة النيّة. إذا ما صدّقنا الحكاية، هدّد الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، بتدمير إسرائيل أو، وفق العبارة المزيفة: «ينبغي محو إسرائيل من الخريطة». فخلافاً ليقينٍ واسع الانتشار، لم يصدر مثل هذا التصريح أبداً..
لم يكن أحمدي نجاد يتحدث عن إسرائيل البلد أو عن إسرائيل الأرض، بل عن النظام الإسرائيلي. بل إنّ أحمدي نجاد لا يذكر إسرائيل باسمها؛ بل يستخدم عبارة «النظام الذي يحتل القدس».
وفي حين تمّ تكرار عبارة «شطب من الخريطة» مراراً وتكراراً من دون تأكّد، تمّ تجاهل الخطاب الحقيقي الذي ألقاه أحمدي نجاد تجاهلاً شبه تام. بالنسبة للصقور الحربيين، كانت تلك هديةً من السماء. ترجمت عبارة «المحو من الخريطة» ترجمةً محرّفة ونسبت للرئيس الإيراني وكررت آلاف المرات في وسائل الإعلام الغربية وحرص عددٌ من الزعماء الدوليين على شجبها. تستدلّ وكالات أنباء كبيرة، مثل أسوشييتد برس ورويترز، بالعبارة الخاطئة كلمةً كلمة، وعلى نحوٍ شبه يومي. وقال الرئيس جورج دبليو بوش إنّ تعليقات أحمدي نجاد تمثّل «تهديداً صريحاً» بتهديد إسرائيل. ما تمّ عرضه يمثّل الدليل القاطع على تلاعبٍ إعلامي وبروباغندا ناشطة. تزيّف وكالة أسوشييتد برس عمداً استشهاداً لجعلها أكثر تهديداً.
التلاعب الإعلامي
الفيلسوف الإيطالي دومينيك ليسوردو يذكر أمثلةً على التلاعب الإعلامي بهدف زعزعة وضعٍ قائمٍ لمصلحة نظام «إعادة تشكيلٍ» جديدٍ يتوافق مع رغبات الإمبراطورية. فلنستمع إليه: «في نهاية العام 1989، وعلى الرغم من التشكيك القويّ، لا يزال نيكولا تشاوشيسكو في السلطة في رومانيا. كيف السبيل إلى الإطاحة به؟ نشرت وسائل الإعلام الجماهيرية الغربية على نحوٍ واسعٍ بين السكّان الرومانيين المعلومات والصور عن «الإبادة» التي ارتكبتها في تيميسوارا شرطة تشاوشيسكو. ما الذي جرى في الحقيقة؟ فلنترك الكلمة لفيلسوفٍ مرموق (جيورجيو آغامبين): «لأوّل مرّةٍ في تاريخ البشرية، تمّ على عجلٍ نبش جثثٍ دفنت لتوّها أو مصفوفة على طاولات المشارح ليتمّ أمام الكاميرات تمثيل الإبادة التي ينبغي أن تشرعن النظام الجديد. إنّ ما ظهر أمام أعين العالم كلّه على الهواء مباشرةً بوصفه حقيقةً على شاشات التلفزيون هو اللاحقيقة المطلقة؛ وعلى الرغم من أنّ التزوير كان واضحاً أحياناً، فقد قام نظام وسائل الإعلام العالمية بتعريفه على كلّ حالٍ بوصفه حقيقةً كي يكون واضحاً أنّ الحقيقي لم يعد سوى لحظة حركة الزيف الضرورية».
دعونا أيضاً نتذكّر قضية سكينة، وهي «تلاعبٌ على مستوى رفيع» قام بها برنار هنري ليفي وتذكّر بقضية جيلا إيزادي، الإيرانية التي تبلغ من العمر 13 سنة وحكم عليها في إيران بالموت رجماً. وقد كذّب الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية المعلومات عن الحكم على جيلا إيزادي بالموت رجماً. «لقد تحقّقنا فوراً عبر سفارتنا... فظهر أنّ المعلومة غير صحيحة. هذا الحكم بالموت رجماً لم يصدر أبداً». إذاً، كذب جميع من نقلوا تلك المعلومة...
مع ذلك، كنّا نعلم من السلطات الإيرانية في بداية شهر تموز أنّ سكينة لن ترجم، وكان برنار هنري ليفي على علمٍ بذلك تماماً. لكنّ ذلك لم يمنعه من مواصلة الكذب حتّى بمساعدة أفاز الدولية التي تجنّدت لهذه «القضية النبيلة». كما تذكّرنا قضية سكينة بتقنيات التلاعب في وسائل الإعلام الغربية؛ إليكم مثالين شهيرين: الأول هو قضية الرضّع الذين بقر جنود صدّام بطونهم في دور الحضانة الكويتية. حيث قيل إنّ ممرّضةً في الكويت قد أدلت بشهادةٍ في الولايات المتحدة الأمريكية، وتبيّن لاحقاً أنّ الأمر يتعلّقق بكذبةٍ تهدف إلى تبرير حرب الخليج الأولى؛ وأنّ الممرضة المزعومة لم تضع قدميها يوماً في دار حضانة، بل كانت ابنة سفير الكويت في الولايات المتحدة الأمريكية.
والمثال الثاني هو مثال الجندية السوداء التي قيل إنّ المارينز «أطلقوا سراحها» وفق سيناريو جديرٍ بفيلم «سقوط الصقر الأسود». وفي الحقيقة، جرحتها نيرانٌ صديقة واستقبلها جرّاحٌ عراقيٌّ أنقذ حياة تلك الجندية ونبش الأرض والسماء بحثاً عن دمٍ من فئة (O) ودفع أحد أقربائه للتبرّع بالدم لها. في العشرين من شباط 2002، كشفت نيويورك تايمز أكثر مشروعٍ للتلاعب بالعقول سوءاً. فبهدف قيادة «حرب المعلومات»، أسّس البنتاغون مكتب التأثير الاستراتيجي (OIS)، وهدفه نشر المعلومات الكاذبة التي تخدم قضية الولايات المتحدة.
كيف يمكن بغير ذلك تفسير إحدى أسوأ عمليات التلاعب في حرب العراق الأخيرة؟ لاسيما الكذبة الهائلة التي تخصّ تحرير الجندية جيسيكا لينش. كانت جيسيكا لينش ضمن عشرة جنودٍ أمريكيين أسرتهم القوات العراقية. ضربها ضابطٌ عراقي وأساء معاملتها. بعد أسبوع، توصّلت وحداتٌ من النخبة الأمريكية إلى تحريرها أثناء عمليةٍ مباغتة. في المساء نفسه، أعلن الرئيس بوش للأمّة من البيت الأبيض تحرير جيسيكا لينش. هذه هي الرواية الرسمية. لكنّ نزاع العراق انتهى يوم التاسع من نيسان، وذهب عددٌ من الصحافيين ـ لاسيما من لوس أنجلوس تايمز وتورونتو ستارز وإل باييس وشبكة بي بي سي العالمية ـ إلى النصيرية للتأكد من رواية البنتاغون عن تحرير جيسيكا. وفق التحقيق الذي قاموا به في صفوف الأطباء العراقيين الذين عالجوا الشابة ـ وأكّدها الأطباء الأمريكيون الذين فحصوها بعد إطلاق سراحها ـ، لم تكن جراح جيسيكا (كسر ساقٍ وذراع، خلع رسغها) ناجمةً من إطلاق نار، بل من حادث الشاحنة التي كانت تسافر فيها... كما أنّه لم تجر إساءة معاملتها. بل على العكس، بذل الأطباء جهوداً كبيرةً لمعالجتها...
لقد غامر هؤلاء الأطباء حين حاولوا التواصل مع الجيش الأمريكي لإعادة جيسيكا إليه. فجأةً وقبل فجر اليوم التالي، يوم 2 نيسان، وصلت فرقة كومندوس مجهزة بترسانة أسلحة متطورة إلى المستشفى. بعد يومين، أعلم الأطباء القوات الأمريكية بأنّ الجيش العراقي قد انسحب وبأنّ جيسيكا تنتظرهم...
وسائل الإعلام الغربية وإذلال الآخرين
كي ندرك البعد الشيطاني الآخر لوسائل الإعلام الغربية بين أيدي مجموعات الضغط الكبيرة والدول الغربية القوية، يكفي تذكّر المعالجة الإعلامية لحروب الخليج (منذ عشرين عاماً). البنتاغون هو الذي يقرّر ما ينبغي نشره أو لا. استخدم الجيش الفرنسي الوسائل عينها في الجزائر، وكانت لديه دائرة خاصة لإعلام الجيش... وقد فعلت إسرائيل الأمر نفسه أثناء مجازر جنين حيث تمكّن جان جينيه الشجاع من تجميع أجزاء من الحقيقة حول وحشية إحلال السلام الإسرائيلي.
فلنتذكّر بالمناسبة هذا السيل الإعلامي الضاري ولاسيما في السينما. بدأ ذلك منذ الستينيات: كان ينبغي وضع قاعدةٍ على مستوى وسائل الإعلام لشرعية إسرائيل التوراتية. كانت البداية كما نتذكّر مع الوصايا العشر لسيسيل دوميل وميترو غولدن ميير، ذوي المنتجين والمخرجين الصهاينة. مع مرور الزمن، نلاحظ أنّ شيئاً لم يتمّ صدفةً. كانت الآلة الصهيونية تعمل. في الواقع، لا يعود تاريخ العنصرية الأوروبية الكامنة إلى البارحة. فلنتذكّر على سبيل المثال كيف مثّل بيتر أو تول بشكلٍ رائعٍ دور لورنس العرب، الرجل الأصيل، الأبيض ذي العينين الزرقاوين، كانت له هيبة في حين أنّ أنطوني كوين الذي لعب دور زعيمٍ بدوي كان يتصرّف كدابّةٍ شرهةٍ للاختطاف واللحم الشهي والفخامة والذي، بطبيعة الحال، لم يكن يفقه في السياسة شيئاً.
في المستوى عينه، يحلّل البروفيسور جاك شاهين (جامعة إيلينوي الجنوبية) في فيلمٍ وثائقي كيف تبرهن هوليوود على التخيّل للحطّ من صورة العربي. يمرّ مشروع المجتمع الذي يفكّر فيه ويخططه «سادة العالم» عبر تكييفٍ ماكرٍ يستخدم الصناعة السينمائية منذ وقتٍ طويل كسلاحٍ للبروباغندا. يشرّح هذا الفيلم الوثائقي غير المسبوق أحد أسوأ ملامح تاريخ السينما، وهو ملمحٌ لم يجرؤ أحدٌ على التشكيك فيه منذ عصر السينما الصامتة إلى الإنتاجات الهوليوودية الضخمة اليوم. يظهِر الفيلم التوالي الطويل للصور التحقيرية التي استخدمت لتمثيل العرب في السينما. من قطّاع الطرق البدو، ذوي الفتيات الخاضعات، إلى الشيوخ المشؤومين والإرهابيين المسلّحين، يضيء هذا الفيلم الوثائقي بوضوحٍ أصل هذه الصور النمطية وظهورها في لحظاتٍ حاسمة من تاريخ الولايات المتحدة، ويظهر في الآن نفسه العواقب الثقيلة لهذا التمثيل في أيامنا هذه.
يظهر جاك شاهين كيف عمّم دوام عرض هذه الصور على مدى السنوات الأحكام المسبقة تجاه العرب والثقافة العربية. «منذ عقود، تسيء هوليوود، أي السينما والتلفزيون الأمريكيان، لصورة العرب والمسلمين وتنزع عنهم صفة الإنسانية. لذلك بقيت المأساة الفلسطينية كما هي منذ ستين عاماً، ولذلك قبل الجمهور غزو العراق في العام 2003. الأحكام المسبقة ضدّ العراقيين سابقةٌ لاعتداءات الحادي عشر من أيلول، على الرغم من أنّ تلك الاعتداءات ساهمت في مزيدٍ من شيطنتهم». كان جاك فالنتي، الذي احتلّ لمدّةٍ طويلةٍ منصب رئيس موشن بيكتشر أسوسييشن أوف أمريكا، يقول إنّ هوليوود وواشنطن لديهما الجينات عينها. «بصدد الشرق الأوسط، التصقت هوليوود على الدوام مع خيارات واشنطن السياسية». «لكن إذا كان قتل العرب وتعذيبهم وإرهابهم أمراً سهلاً، فلأنّ 1200 فيلماً أحصيتها بنفسي تقدّمهم إمّا بوصفهم عاهلين شبقين، أو بوصفهم سارقين وقاتلين وكاذبين، وإمّا بوصفهم إرهابيين مجرّدين من الإيمان والقانون، وغالباً من الكفاءة».
ليس جديداً أن تكون هوليوود سلاحاً شاملاً للبروباغندا؛ كم من أفلام الوسترن أظهرت الهنود الأمريكيين بوصفهم شرّيرين لا رحمة لديهم قاتلين ومجردين من أخلاق الروّاد البيض اللطيفين، ليس هنالك أدنى شكٍّ في ذلك، كما ليس هنالك أدنى شكٍّ في أنّ «العربي» هو الهندي الأمريكي الجديد. لقد شرح الكاتب آلان سورال في أحد البرامج لماذا ينحاز الشعب الأمريكي بكلّ هذا العمق إلى إسرائيل، في حين أنّ تعاطفه مع آلام الشعب الفلسطيني ضئيلةٌ جداً. مستعمرون متحمسون، أراضٍ مصادرة، شعوبٌ جائعة وعطشى، هذا هو أقصى الغرب الجديد... الفلسطيني هو فقط هندي أمريكي جديد يرتدي كوفية: ينبغي أن يستأصل، كما في أفلام الوسترن القديمة التي صنعها جون واين! ليس مدهشاً أن نسمع شباناً يقولون: «أنا عربي وحين أتفرّج على الأفلام الأمريكية التي يوجد فيها عرب، أكره نفسي»!.
لا تتشاطر كلّ هوليوود هذه الآراء المنحازة. بل على العكس. فقد أعلن ميل جبسون الأنيق، الذي يكرهه اليهود والصهاينة بعد أن صنع فيلمه «آلام المسيح»، قائلاً: «الصهاينة هم مصدر الدمار. أتمنى أن أحاربهم». وقد أعلن آل باتشينو، الرجل الذي ليس له مثيل، رأيه بإسرائيل بالجملة التالية: «إذا نظرت في تاريخ إسرائيل، ستعلم من هو الإرهابي!». أمّا دستن هوفمان، فقد تلفّظ بعبارةٍ لا ردّ عليها ضدّ إسرائيل. قال: «لقد توقّفت الإنسانية عن الوجود إثر ولادة إسرائيل».
بالنسبة إلى إينياسيو رامونيه، إذا أردنا صحافةً حرّةً موضوعية، ينبغي أن ننظّم أنفسنا: «ينبغي ببساطة خلق (سلطةٍ خامسة)، تسمح لنا بوضع قوّةٍ مدنيةٍ مواطنيةٍ مقابل تحالف المسيطرين الجديد. (سلطة خامسة) تكون وظيفتها شجب القوة الفائقة لوسائل الإعلام والمجموعات الإعلامية الضخمة، الشريكة في العولمة الليبرالية والناشرة لها. إنّ المجموعات الضخمة لا تنظر إلى نفسها بوصفها سلطةً إعلاميةً فحسب، بل تمثّل بخاصّةٍ الذراع الإيديولوجي للعولمة، وتتمثّل وظيفتها في احتواء المطالب الشعبية وفي الآن ذاته الاستيلاء على السلطة السياسية».
زوبعة العولمة تقوم بكنس كل شيء، الهويات والثقافات الهشة وبطبيعة الحال أديان البلدان التي لم تعرف كيف تطوّر المضادات التي تسمح بمقاومة هذا المدّ الهائل المدمّر. وعلى مثال قولبة المعلومات المزيفة على قطبي علم الأخلاق الذي يتحدّث عنه بوليتزر للحقل الإعلامي على نحوٍ متزايد، لابدّ من الكثير من التمييز والحرص على كلّ لحظةٍ لتفكيك أفخاخ التلاعب التي تختبئ أحياناً وراء خطابٍ مبتذل. ينبغي على المرء أن يقرر: المعلومات المعطاة لن تكون أبداً موضوعية، ونحن من يجب عليه فصل الحنطة عن الزؤان.
شمس الدين شيتور: مدرسة البوليتكنيك